نصر بلا حرب 1
الجزء الأول
تفصلنا شهور قليلة لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة عن إعلان النصر الإسرائيلي المبين دون أن تطلق رصاصة واحدة أو تتحرك مجنزرة أو ألية عسكرية إسرائيلية من مكانها ودون أن يجرح جندي إسرائيلي واحد أو حتى يتم إيلامه أو استدعائه من بين ذويه وأهله داخل الشريط الأخضر أو ما يسمى الكيان الصهيوني
في يناير 2011 م سيتم إجراء استفتاء تقرير مصير الجنوب السوداني أحد أهم استحقاقات اتفاقية نيفاشا للسلام بين الحركة الشعبية وحكومة السودان .
في ذلك الاستفتاء ننتظر - بكل سذاجة لم يعهدها التاريخ من قبل عن أجيالنا العربية - أن يقرر الجنوبيون خيار الوحدة الطوعية على أساس ما قدمه شريك الحكم السوداني في الشمال والدول العربية بل وحتى جامعتها الغراء والمنظمات المدنية العربية من استثمارات في البنية التحتية و دعم كامل لكل أنماط التنمية في الجنوب بعد توقيع اتفاقية نيفاشا وحتى الآن .
ونسيت تلك الأجيال أو لعلها تناست أن ما يحدث ما هو إلا مؤامرة إسرائيلية منذ زمن بعيد نشهد فصولها منذ أمد ولم نتحرك تجاهها ووقفنا ساكنين مهزومين نتعرض للضغوط ونحتفظ بالكراسي والعروش حتى أصبحت حقيقةً ماثلةًً أمامنا وهي هزيمتنا الكبرى بلا حرب أيها السادة
ولكن هل هي مؤامرة ؟ ولماذا السودان بالتحديد؟
يجيبنا وزير الأمن الإسرائيلي آفى ديختر في محاضرة ألقاها في سبتمبر 2008 م في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي فيقول
((يتساءل البعض في إسرائيل: لماذا نهتم بالسودان ونعطيه هذا القدر من الأهمية؟ ولماذا التدخل في شئونه الداخلية في الجنوب سابقًا وفي الغرب دارفور حاليًا طالما أن السودان لا يجاورنا جغرافيًّا، وطالما أن مشاركته في "إسرائيل" معدومة أو هامشية وارتباطه بقضية فلسطين حتى نهاية الثمانينيات ارتباطًا واهيًا وهشًا؟
وحتى لا نطيل في الإجابة يتعين أن نسجل هنا عدة نقاط محورية تكفي لتقديم إجابات على هذه التساؤلات التي تطرح من قبل ساسة وإعلاميين سواء في وسائل الإعلام وأحيانًا في الكنيست:
1- إسرائيل حين بلورت محددات سياستها وإستراتيجيتها حيال العالم العربي انطلقت من عملية استجلاء واستشراف للمستقبل وأبعاده وتقييمات تتجاوز المدى الحالي أو المنظور.
2- السودان بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه كان من الممكن أن يصبح دولة إقليمية قوية منافسة لدول عربية رئيسة مثل مصر والعراق والسعودية. لكن السودان ونتيجة لأزمات داخلية بنيوية، صراعات وحروب أهلية في الجنوب استغرقت ثلاثة عقود ثم الصراع الحالي في دارفور ناهيك عن الصراعات حتى داخل المركز الخرطوم تحولت إلى أزمات مزمنة. هذه الأزمات فوتت الفرصة على تحوله إلى قوة إقليمية مؤثرة تؤثر في البنية الأفريقية والعربية.
كانت هناك تقديرات "إسرائيلية" حتى مع بداية استقلال السودان في منتصف عقد الخمسينيات أنه لا يجب أن يسمح لهذا البلد رغم بعده عنا أن يصبح قوة مضافة إلى قوة العالم العربي لأن موارده إن استمرت في ظل أوضاع مستقرة ستجعل منه قوة يحسب لها ألف حساب. وفي ضوء هذه التقديرات كان على "إسرائيل" أو الجهات ذات العلاقة أو الاختصاص أن تتجه إلى هذه الساحة وتعمل على مفاقمة الأزمات وإنتاج أزمات جديدة حتى يكون حاصل هذه الأزمات معضلة يصعب معالجتها فيما بعد.
3- كون السودان يشكل عمقًا إستراتيجيًّا لمصر، هذا المعطى تجسد بعد حرب الأيام الستة 1967 عندما تحول السودان إلى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو المصري وللقوات البرية هو وليبيا. ويتعين أيضًا أن نذكر بأن السودان أرسل قوات إلى منطقة القناة أثناء حرب الاستنزاف التي شنتها مصر منذ عام 1968- 1970.
كان لا بد أن نعمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة رغم أنها تعد بالتعددية الإثنية والطائفية- لأن هذا من المنظور الإستراتيجي "الإسرائيلي" ضرورة من ضرورات دعم وتعظيم الأمن القومي "الإسرائيلي".
وقد عبرت عن هذا المنظور رئيسة الوزراء الراحلة (جولدا مائير) عندما كانت تتولى وزارة الخارجية وكذلك ملف إفريقيا في عام 1967 عندما قالت: "إن إضعاف الدول العربية الرئيسية واستنزاف طاقاتها وقدراتها واجب وضرورة من أجل تعظيم قوتنا وإعلاء عناصر المنعة لدينا في إطار المواجهة مع أعدائنا. وهذا يحتم علينا استخدام الحديد والنار تارة والدبلوماسية ووسائل الحرب الخفية تارة أخرى".
وكشفت عن أن "إسرائيل" وعلى خلفية بعدها الجغرافي عن العراق والسودان مضطرة لاستخدام وسائل أخرى لتقويض أوضاعهما من الداخل لوجود الفجوات والتغيرات في البنية الاجتماعية والسكانية فيهما.
بل أقر الوزير الإسرائيلي بأنها كانت إستراتيجية نحو السودان تتابعها زعماء وقادة إسرائيل بداية من بيجين انتهاء بأولمرت فيقول
إن جميع رؤساء الحكومات في "إسرائيل" من بن جوريون وليفي أشكول وجولدا مائير وإسحاق رابين ومناحم بيجين ثم شامير وشارون وأولمرت تبنوا الخط الإستراتيجي في التعاطي مع السودان الذي يرتكز على (تفجير بؤرة وأزمات مزمنة ومستعصية في الجنوب وفي أعقاب ذلك في دارفور).
هذا الخط الإستراتيجي كانت له نتائج ولا تزال أعاقت وأحبطت الجهود لإقامة دولة سودانية متجانسة قوية عسكريًّا واقتصاديًّا قادرة على تبوء موقع صدارة في البيئتين العربية والأفريقية.))
يتبع
بقلم هانى الشافعى
نقلاً عن مجلة الفكر الأردنية
التعليقات (0)