إمارات الخير والتسامح والوسطية تحتضن مؤتمر المجتمعات المسلمة في العالم وتقدم لهم مركزا ليكون منصة لنشر الوسطية والاعتدال
كلمة الدكتور السيد محمد علي الحسيني التي قدمها في المؤتمر العالمي للمجتمعات المسلمة في ابوظبي
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، والحمد لله رب العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيدِ الخلقِ حبيبِ قلوبِنا محمد "ص" وآلِ بيتهِ الأطهارِ وصحبهِ الأخيار، دعاة المحبة والسلام، نجوم العدل، مصابيح الهدى، أما بعد:
باسمنا وباسم كل المكونات الإسلامية المعتدلة في العالم نتقدم بالشكر لرئيس دولة الإمارات، صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وولي عهده صاحب السمو محمد بن زايد حفظهما الله تعالى، والشكر موصول للقائم والراعي لهذا المؤتمر الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح ، ورئيس اللجنة العليا المنظمة للمؤتمر، الدكتور علي راشد النعيمي على هذه المبادرة الطيبة التي تعكس حكمة هذه القيادة الممتدة منذ عقود من الزمن ، والمستمرة بعون الله . وهي مبادرة، ليست بغريبة على أبناء الشيخ زايد رحمه الله، الذين يسيرون على نهج والدهم المنفتح والمحاور وصاحب المبادرات الإسلامية البناءة، وما نراه اليوم هو استمرار لنهج الشيخ زايد الوسطي المعتدل الذي أسس مدرسة القيم الإنسانية والحضارية، ليس فقط في القطر العربي وإنما خلد معاني الاعتدال والتسامح والانسانية وجسدها على أرض الواقع في مشاريعه الخيرية التي دأب أبناؤه على رعايتها وتطويرها.
أبدأ بكلمة الحق، التي قالها المولى عز وجل في كتابه : " لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْـمُقْسِطِينَ".
نعم أيها السادة الكرام، هذه هي صورة الإسلام المشرفة المنفتحة، الناصعة التي لا تحتاج إلى شرح ولا لكثير من البحث لوضوحها ، ففي هذه الاية أيها الإخوة، يدعو الله عز وجل المسلمين إلى القسط والعدل مع غير المسلمين في ديار الإسلام ، ويؤكد على واجب برهم والعدل معهم، طالما لم يشنوا حربا، واحترموا أنظمة هذه الدولة.
هذا يعني أن الإسلام ينظر إلى الأقلية بعين العدالة والتسامح، وينهى عن استضعافها أو التعالي عليها، وهنا اسمحوا لي ان أضرب لكم مثلا من تاريخنا الإسلامي المجيد في حلّ النزاع عن طريق المحكمة احتراما للأقليات الدينية ومراعاة لحقوقهم المدنية، فعندما تنازع الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وهو خليفة المسلمين وأمير المؤمنين مع يهودي على درع، كان قد سقط من الإمام علي في معركة صفين، وبينما كان يمشي في سوق الكوفة يمر أمامه اليهودي يعرض درعهُ للبيع، فقال لليهودي: هذا درعي، فقال اليهودي: بل هو درعي وأمامك القضاء، فاحتكما إلى القاضي الذي قال: يا أمير المؤمنين هل من بينة؟ "قال الإمام علي لا. فقضى القاضي بالدرع لليهودي، فـالبينة على من ادعى واليمين على من أنكر، وانطلق اليهودي بالدرع وهو يكلم نفسه : أقف إلى جوار أمير المؤمنين في ساحة القضاء، ويقضي القاضي المسلم بالدرع لي، فرجع اليهودي للقاضي ليقول له: أيها القاضي، أمّا الدرع فهو لعلي، سقط منه ليلاً، وأما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فلما سمعها الإمام علي عليه السلام قال له: أما وقد أسلمت فالدرع هدية مني لك، نعم إنها سماحة الإسلام.
هذه الصورة الناصعة للإسلام شوهتها بعض الجماعات الإرهابية من خلال ممارسات إجرامية ضد المدنيين من الأقليات في بلادنا، أو في الخارج، بذريعة أنهم كفار أو مشركون، وهذا مخالف بشكل صريح لمنطوق الآية الكريمة التي ذكرناها، وكلنا يعلم أن الأهداف المبيتة والخبيثة لتلك الجماعات، ليس الدفاع عن الإسلام بل بالعكس، تشويهه وتحطيمه.
وفي المقابل يؤسفنا ما وصل إليه حال المسلمين في الغرب، من مظاهر التمييز والعنصرية والإبادة في حقهم، وأزمة الروهينغا نموذجا، وذلك راجع إلى ظاهرة الإسلامو فوبيا التي تكتسح العالم بسبب الأعمال الإرهابية التي تقوم بها الجماعات المتطرفة التي أسلفنا ذكرها، وهي إذ تنسب أفعالها زورا وبهتانا للإسلام، فإنها تقدم الذرائع للمتطرفين في بلاد الغرب، فنجد أنفسنا امام صراع لا طائل منه، سوى تخريب العلاقات بين دولنا العربية الإسلامية وبين الدول الصديقة في العالم.
من هنا، من واجبنا جميعا، خصوصا المراكز الإسلامية والجمعيات والشخصيات الفكرية والدينية والاجتماعية في الغرب أن تنشر ثقافة التسامح والمحبة والسلام وروح التعايش بين كل الأديان من خلال بث الوعي والتعريف وتوضيح حقيقة الإسلام القائمة على أصالة الاعتدال والوسطية و ثقافة العيش المشترك السلمي واحترام الآخر، مهما كانت مشاربه ومنابعه، وهذا من أجل تلافي حدوث أي تصادم اجتماعي داخل تلك الدول .
كما أن ما تعاني منه المجتمعات المسلمة في الغرب هو عائد إلى صعوبة قبول فكرة الإندماج الكامل في المجتمع ات والبيئة الغربية، وهذا يشكل مشكلة أساسية لا بد من معالجتها بالإندماج في هذه الدول، واعتبارها وطنا واقعيا لا بد من احترام نظمه وقوانينه، وأداء واجبات المواطنة، والدفاع عن بلدانهم التي يتمتعون بجنسيتها والتعاون والتنسيق مع الأجهزة المختصة من أجل أمنها واستقرارها، في مقابل اكتساب الحقوق المشروعة بكل أنواعها.
لقد كانت دولة الامارات العربية المتحدة سباقة في إطلاق المبادرات الفكرية والثقافية لتعميم ثقافة الاعتدال، ونحن نعلن أننا على استعداد للمشاركة في أي جهد أو عمل تقوم به القيادة الإماراتية دفاعا عن ديننا الحنيف وصونا للمسلمين أينما حلوا، وحفاظا على إخواننا في الإنسانية من مختلف الأديان سواء عاشوا بيننا، أو استضافونا في ديارهم.
وفي الختام، ستظل دولة الامارات شعاع خير، وسراجا من نور، فهي التي ساهمت اليوم في تأسييس "المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة " في أبو ظبي ليكون بصيص أمل، ومرجعا، وبر أمان للمسلمين المعتدلين في المجتمعات غير الإسلامية، والإمارات اليوم أكدت كسابق عهدها بأنها ملتقى الأديان، القائم على فكرة التعايش السلمي، ومنبر الاعتدال والوسطية، لتزرع في قلوب الجميع اليقين بأن أيدي أبناء الشيخ زايد، ستبقى ممدودة للخير وللعطاء، وأن نهجه الإسلامي القويم سيبقى رائدنا ونبراسنا.
نصائح وإرشادات قدمها
د.السيد محمد علي الحسيني
في المؤتمر العالمي للمجتمعات المسلمة في أبوظبي
- من حقوق المجتمعات المسلمة أن تمارس شعائرها الدينية باعتدال بشرط أن لايكون ذلك بطريقة استعراضية أو مستفزة أمام الأكثرية ببعض الأفعال والاقوال واللباس.
-التأكيد على خطاب ديني منفتح يعطي الصورة الوسطية الحسنة والمثال الجميل عن الإسلام بخطاب مطمئن للغير (وقولوا للناس حسنا) بعيدا عن التخويف.
-لا بد من حملة توعية وتحسيس المجتمعات المسلمة ضد الجريمة المنظمة، إضافة إلى زيارة السجناء والتواصل معهم بدافع مناصحتهم، خاصة أن أكثرية من في السجون هم من المسلمين، حتى لا يكونوا عرضة وضحية لتجنيد الجماعات الإرهابية المتشددة.
-توجيه المجتمعات المسلمة لمحبة أوطانهم الجديدة والولاء لها والتخلي عن فكرة الانتقام والثأر من الاستعمار .
-على المجتمعات المسلمة أن تستفيد من تجربة الأقلية اليهودية من ناحية القدرة على الاندماج داخل الأكثرية من خلال التأثير داخل الأحزاب السياسية والنسيج الإعلامي والاقتصادي.
-يتعين على المجتمعات المسلمة الابتعاد عن تأسيس أحزاب سياسية، لأنه يشكل خطرا كبيرا عليها، لذلك عليها الابتعاد عنها.
-إصرار المجتمعات المسلمة على خصوصيتها الكاملة يعرضها للانعزال والصدام مع الأكثرية لذا عليها الانخراط الإيجابي بالمجتمع والاندماج فيه مع الحفاظ على هويتها، ممايعزز الثقافة في المجتمع وينوع الفكر.
-على المجتمعات المسلمة في العالم أن تعي بأن هناك أيضا أكثرية مسيحية، عليها أن تراعيها ولا تقوم بما يؤلبها عليها .
التعليقات (0)