قد يحدث أن تولدي في العراء..كوخ يضمك مع والديك وإخوتك...كلكم في كوخ واحد..رهينة وضع معدوم إنسانية.. كأنكم جربان تكاثرت بلا موافقة رسمية ..وقد يكون مطلوبا منك بعد أن تبرز أنوثتك أن تتكفلي بنفسك وبالبيت أيضا ...لا لا تسألي عن حقك في التعليم..في الصحة..في العيش بالكرامة...فدولتك الحداثية قد وفرت لك حقوقا أخرى، لتكوني مواطنة صالحة تساهمين في إنعاش الاقتصاد الوطني بعد أن يرتفع عدد السواح...فالفيلات الفخمة مجهزة بأحدث التقنيات المسهلة لعملية الدعارة الحداثية...فلا تتأخري عزيزتي في إثبات وطنيتك المبصومة بالعار والنفاق السياسي...وقد يحدث أن تعيشي للفناء والتضحية ...تفرشين كل أنوثتك الطاهرة لزوجك...تهبين كل طاقاتك لأطفالك وبيتك...فتصعقين ذات مساء بلعنة الجزاء...خيانة!!..طعنة في فؤاد يفوح بالوفاء...لا لا تنهاري..فلا شيء يستحق البكاء في دنيا المليون قناع وقناع...وقد تستنجدين بالفضائيات لإشغال وقتك والابتعاد عن التفكير والهروب من الاكتئاب...فإذا بك تصادفين برنامجا يحثك على تسخير مقلتيك لزوجك المعصوم من الزلل والمغفور له الدهر كله من طرف هذا المجتمع القطيعي طبعا وليس من الله العدل المتعال عن التمييز في العقاب بين الذكر والأنثى ...تمييز ترسخه العقليات الجاهلية التي تمنح للرجل كارتا أبيضا لارتكاب كل التجاوزات في الوقت الذي تشهر فيه الكارت الأحمر في وجه المرأة عند أي زلة مهما كانت صغيرة...فربما ستتساءلين وأتساءل معك : ماذنبك إن كان قدرك أن وقعت فريسة زير نساء عديم الإحساس؟...قناع ملاك وطعنات إبليس محترف...هل لوحدك ستتحملين تكاليف فاتورة العتاب؟..وقد يحدث أن تولدي في قرية معزولة بلا ماء ولا كهرباء...منكمشة في عالم يسمى في قاموسنا السياسي الضخم ب"العالم القروي"..مهمتك جلب الماء، الرعي، ممارسة الأعمال البدائية الشاقة...تواجهين سؤال البقاء..رهينة للدونية والشقاء..تواجهين الفيضانات بدهشة وصراخ..تعانقين الجفاف بصمت وارتخاء...وإذا قدر الله وسقطت ضحية البرد الذي لا يرحم..فسنبعث لأهلك برقية عزاء ، ونبكي عليك في صفحات الجرائد، ونضع صورتك مع ضحايا بلا إحصاء...وقد يحدث أن تحصلي على إجازة أو دبلوم في الدراسات العليا بعد كفاح وجوع وضغوطات في ظل واقع تعليمي مزر ومقزز...لتصتدمي بعدها بصخرة صماء اسمها البطالة..سيستولي على أحلامك شبح اليأس ، وسيسيطر عليك شعور الكره لهؤلاء الناهبين للمال العام بكرة و وأصيلا...وستجدين الأصابع تشير نحوك بالاتهام...شخصية سلبية وغير منتجة ومعقدة..ليس عليك أن تحتجي أو ترفضي الوضع وإلا ستهرق دماؤك أمام برلمان الوعود الكاذبة مائة بالمائة..ولعلك ستتساءلين : ما مصير طموحاتك العالية الهمة في عهد تتألق فيه جرارات عالي الهمة؟..ماجدوى الاحتجاج والإضراب عن الطعام إذا كان سفاح أحلام الشباب يجازى بالوزارة الأولى؟!!..وقد يحدث أن ترتاحي ذات لحظة عياء..عابرة سبيل تستظلين بشجرة وارفة الظلال ..تظنين أنها المأوى بعيدا عن حرارة الشمس..تفرحين بحنانها فتطمئنين للمأوى...تضعين كل أسلحتك جانبا...تضعين حقيبة براءتك...تتركين دفاتر أحلامك البسيطة مفتوحة...لتستيقظي بعد غفوة أمل ...لا ظل ..ولا حنان ..ولا مأوى...ستفجعين بالضربة القاضية...لكنك لن تستلمي..ستهرولين رغم ثقل جسد ينزف بالجراح...ستواصلين المسير لوحدك في العراء..عابرة سبيل لا تقهر...تتلقفين الطعنات بخناجر قريبة وسهام بعيدة..تئنين وجعا وتجهلين التمييز بين الذئاب والحمام...تسرعين فرارا...تتأبطين أحلاما وردية قاصدة جزيرة وهمية تزهر أقحوان أمن وسلام...لتصرخي هناك : ماذا يجدينا الصدق إذا كان الجور مصيرنا؟..مالذي تجره علينا التضحيات والتنازلات غير الحطام؟!!..لنصرخ بصمت...لنبكي بصمت..ليطغى الصمت..لينفرد الصمت بذاتنا العاشقة للحظة أمل بريء...لنتحول إلى عناوين كآبة سوداء تحفر عميقا بذاكرة أرهبها القهر المستبد...وقد يحدث أن تصرخي بصوت مرتفع ذات لحظة غضب..كردة فعل على رصاص اخترق صدرك الصادق فجأة..لتجدي نفسك منفية في معتقلات النسيان عقابا على فعلتك الشنيعة أن صرخت بصوت مزعج وغير لطيف...لتنامي جزاء لك على رصيف الأحزان...وحدك في العراء تتوسدين الآلام ...وبرد الحرمان يكسر ما تبقى من عظام جسدك المنهك بالجراح...نعم سيدتي قد يحدث كل هذا لتجدي نفسك في صحراء قاحلة، فانهضي فالرمال متحركة...ولتجعلي من الماضي الذي هو صندوق من الخبرات والتجارب مصدر نجاح وتألق في المستقبل..ولتصمدي.. فمهما غارت الجراح فاخلدي مشعلا للأمل البريء واشمخي تمثالا للصدق النادر...
التعليقات (0)