لم يكن الرجال وحدهم عماد الثورة الحالية في العديد من الأقطار العربية. النساء أيضا عماد ومعين وظهير وقادة. شاركن. تحدين, تظاهرن, اعتصمن, صرخن احتجاجا في ميادين التحرير في الشوارع والساحات العامة, في تونس, في مصر, في اليمن, في سوريا . هتافاتهن شقت وتشق عنان السماء: لا للذل. لا للتبعية. لا لاستبداد. نعم للكرامة للحرية للديمقراطية. يا لنساء وطني.
رد قوي, بقوة وعمق واتساع المعاناة, على أنظمة الاستبداد التي قمعت حرية الرجل والمرأة معا, وحقوق الطفل. ورد على تعصب غلاة المتطرفين, بان المرأة مكانها البيت فقط وخدمة زوجها, والعودة لبيت الطاعة إن احتجت على ظلم, ونادت بكرامة, وطالبت بحرية ومساواة. رد على الاستبداد, ورد على التخلف, رد جاءهم كاسحا ومفاجئا فأُخذوا على حين غرة. انه رد المرأة :العربية, الكردية, القبائلية .. , المسلمة والمسيحية, في مشرق الوطن العربي ومغربه.
لم تكن النساء التونسيات الثائرات اقل شجاعة وحزما وتصميما من الثوار من رجال تونس الرائدة على التغيير والثورة . من لم ير صلابة أم محمد البوعزيزي وهي تتغلب على حزنها بفخرها واعتزازها بمفجر الثورة والشرارة التي أسقطت نظام ابن علي. من لم يرهن في المظاهرات والاحتجاجات قبل وبعد سقوط الطاغية. معلمات, محاميات, قاضيات, إعلاميات, موظفات, تلميذات وطالبات وربات منزل. ومن لم ير وجودهن القوي والفعال في البناء الجديد للدولة الجديدة؟.
سطرت نساء مصر, صفحة مشرقة لنضال المرأة في ثورة غير مسبوقة في التاريخ القديم والحديث باسلوبها واتساعها وزخمها وحضارتها, وكانّ التاريخ المصري بكل ايجابيته وقف وقفة عز ليصنع في ميادين التحرير ثورة. ثورة تغير مسار التاريخ العربي. ثورة ملايين المصرين, نساء ورجال, مسلمون ومسيحيون. أعادوا بقوة أم الدنيا إلى الدنيا لتعود مصر كبيرة رائدة ومعلمة.
النساء الليبيات شاركن الثوار في الاحتجاجات وتحملن ماسي الحرب التي شنها القذافي "الفاتح" الذي أراد إعادة فتح ليبيا بكل أسلحة الدمار وأساليب القتل. المرأة الليبية تقف مع الرجال في وجه هذا الفتح غير الميمون, تصرخ غاضبة مستبسلة متحدية أمام عدسات الفضائيات " جاينلك" ياقذافي أين ستذهب منا. يا لروعة أحفاد وحفيدات عمر المختار. ويا البؤس القذافي الذي دمر وطنا وأراد قتل شعب ليبني "مجدا" قذافيا صرفا.
نساء اليمن المثابرات على الاعتصام في ميدانين التحرير في اليمن كله تحدين النظام ورأس النظام الذي خرج عن ابسط قواعد الأخلاق ليتهمهن في كرامتهم, وهو المفترض أنه بحكم الموقع الذي يحتله, غاصبا, مسؤول عن كرامة شعبه. نساء لم يشاركن مجرد مشاركة في الثورة وإنما ساهمن بقيادتها. يهتفن فتردد مئات الآلاف هتافهن. صوت المرأة الثائرة يحرك عنيفا الجماهير الثائرة.
لم تكن المرأة السورية بأقل من المرأة التونسية أو المصرية أو الليبية أو اليمنية, فهي أيضا تحب الحرية, وتخرج تطالب بها. سارت تظاهرات نسائية مطالبة بالإفراج عن المعتقلين من الأبناء والأزواج. اعتصمن واعتقلن. وكتبن عن الحرية وصرخن بجرأة لم تجرأ المحطات الفضائية على نقلها او نقل صداها. قدمن العرائض والاحتجاجات. نساء حوران , يا لعظمة نساء حوران (اخوات الرجال) شاركن الرجال كبرا ونخوة وشهامة وعزة, وكرامة وإباء. ومن لا يعرف نساء حوران لا يعرف كثيرا الصلابة والعفة والكرامة التي أودعها فيهن الله وسهل حوران وجبله.
نساء وطني سيعيدون مع رجاله بناء الوطن. بناء الدولة المستقبلية, التي لم تبن يوما في المنطقة العربية, على الحق والقانون والعدالة والمساواة بين الرجل والمرأة, باني وبانية الدولة المنشودة الدولة الديمقراطية.
معاناة نساء وطني ورجاله من القهر والظلم والفساد فجرت ثورات وأية ثورات . ثورات سلمية حضارية غير مسبوقة في تاريخ البشرية. يريدون انتزاع الحرية انتزاعا ولا يستجدونها استجداء. فتجربتهم وتجربة الشعوب تُعلّم أن الحرية لا تقدم هدية.
ثورة المرأة العربية ليست لحظة آنية, عاطفية, إنها نوع من الانفجار على تراكمات عمرها قرون, زادها بشاعة في عصرنا, عصر النور, اضطهاد الأنظمة السياسية المستبدة الظالمة المتحكمة منذ عقود بالبلاد والعباد. إنها حين تشارك في الثورة تريد اخذ مكانتها في المساهمة في دولة ما بعد الثورة. تريد بناء المجتمع الجديد جنبا إلى جنب مع الرجل. المجتمعات الحديثة لا تُبنى بناء متينا عادلا وقويا بنصف واحد وإنما بالنصفين معا.
لم تحصل المرأة الفرنسية, على سبيل المثال, على حقوقها كاملة إلا بعد مساهمتها الكبيرة في المقاومة الفرنسية. فقد فرضت الاعتراف لها بحق المشاركة والبناء في الجمهورية الخامسة, في الانتخاب, والتشريع, في القضاء, في الوظائف العليا. فأصبحت رئيسة وزراء, وزيرة دفاع, وزيرة عدل ...
حقوق المرأة لا تكون بتعديل هذه المادة القانونية بمادة أخرى, أو حذف فقرة وإضافة أخرى, لا تنال المرأة حقوقها بالتعديل والترقيع, وإنما بإلغاء منظومة قانونية كاملة. وإحلال مبادئ وقواعد قانونية تعكس المفاهيم والقيم الجديدة التي تفرزها الثورة والتغيير. قد يقال أن هذا فيه مبالغة في مجتمعات مثل مجتمعاتنا, ولكن للتذكير قبل أيام قليلة فقط كان يقال بان الواقع السياسي العربي راسخ إلى الأبد, ومن المبالغة أو "الخرف" تصور تغييره. وان شعوبينا لا تصلح للديمقراطية, ولا يمكنها دخول الحداثة والقرن الواحد والعشرين. ليس عن معجزة نتحدث وإنما عن إرادة تفرض التغيير إن أرادت.
مساهمة المرأة العربية في بناء الدولة الجديدة ــ دولة الديمقراطية, التي تحمي الأقليات من الأكثرية, والأكثرية من الأقلية, والأقليات من بعضها البعض, والأكثرية من نفسها, والمرأة من تعسف الرجل. وترسخ مفهوم المواطنية ــ مساهمة تستطيع نقل حقوقها من دائرة المطالبات والقواعد الأخلاقية غير الملزمة, ومن المبادئ العامة, إلى الدائرة القانونية الملزمة بما يتضمنه ذلك من دقة ووضوح وحماية. وهذا ما تضمنه الدولة الحديثة دول المؤسسات لا دولة الأفراد والقادة والزعامات.
أليس من اجل هذا استرخص رجال ونساء وطني كل التضحيات؟.
د. هايل نصر
التعليقات (0)