في مقال سابق بعنوان " نساء قاضيات" اشرنا الى ان ما اوحى لنا بكتابته هي المظاهرات في احدى
الدول العربية احتجاجا على تعيين بعض القاضيات من النساء, وموجة الاستنكار والتعليقات والفتاوى والتكفير, وغضب بعض القضاة الذكور. مما حط ويحط من قيمة المرأة العربية, مسلمة او مسيحية, ليس فقط بالادعاء بانها قد تكون غير مؤهلة علميا ومهنيا لممارسة مهام كبيرة وحساسة كالقضاء, وانما باعتبارها كائن غير جدير في تكوينه الجسدي والعقلي والنفسي, والخلقي, وحتى ايمانه الديني, لممارسة مهن بهذه الحساسية والأهمية. وردا على ذلك قلنا بانه ليس العيب في تكوين المرأة وانما في رؤية البعض لهذا التكوين.
اما في مجال المحاماة فقد تعود الانسان العربي في غالبية الدول العربية ان لا يستغرب او يستنكر, او حتى يناقش, بجدية, ممارسة المرأة لهذه المهنة ـ ولا يعنينا هنا , بطبيعة الحال, التطرف. فالكلام عن الاسوياء وللأسوياء ــ .
سيكون كلامنا من قبيل اللغو اذا خصصناه لملائمة او عدم ملائمة المرأة لهذه المهنة. لأنها في الواقع أصبحت في قلب المحاماة في الكثير من الدول العربية والاسلامية, تمارسها بكفاءة لا تقل ابدا عن كفاءة الرجل في هذا الميدان, رغم حداثتها النسبية فيها. كما تمارسها خارج وطنها الاصلي, في فرنسا على سبيل المثال, بحماس واندفاع واهلية امام المحاكم بأنواعها . فخديجة وعائشة وملكية لسن اقل كفاءة من ماري و فرنسواز وبرندات من النساء, و فرنسوا وميشال وبرنار من الرجال. و ينلن تقدير واحترام القضاة مثل ما يناله كل زملائهن و زميلاتهن. و للمرة الاولى في تاريخ فرنسا شغلت وزارة العدل امرأة عربية من اصول مهاجرة, رشيدة داتي.
ما لفت نظرنا, كغيرنا من الالاف في طول الارض العربية وعرضها , وفي المهاجر المتعددة, هو ما سمعناه, ولم نكن نعلمه, من كلام عن المرأة "مشروع المحامية" القادمة. أو القابلة لأن تكون "بعض محامية". أو "محامية مع التحفظ". حسبما سيُرسم خصيصا لها.
جاء هذا عبر الفضائيات العربية ( فضائيات ضاق بها الفضاء, دون ان تترك فيه رائحة طيبة او اثرا مفيدا) مصحوبا بمناقشات "عصرية" عن امكانية ـ بعد طول تفكير, ومراجعة لكل المرجعيات الرسمية وشبه الرسمية و"المعارضة". وبعد جس نبض رجولة الرجال, ومدى غيرتهم على الشرف والشهامة , وقبولهم التحدي بان يكون المدافع عن قضاياهم , من خلف الستار او من امامه, من جنس اخر, او من الجنس الاخر المخلوق فقط للغرض الاخرــ السماح للمرأة, خريجة كليات الحقوق, ان تترافع كمحامية في بعض قضايا الاحوال الشخصية فقط دون غيرها, وضمن شروط لم تحدد بعد . فهي ما زالت قيد الدرس العميق بعمق القضية, ولكن يمكن ان يكون من بينها, كما يتضح من هنا وهناك:
ان يرافقها احد محارمها في مرحلة اعداد الدعوى اذا كان احد الرجال طرفا فيها, أو شاهد عليها, أو عند دخول المحكمة, وامام القضاة او الى جانبهم ففي المحاكم لا وجود الا للرجال, الذين هم بطبيعة الحال من غير المحارم وغرباء عنها, ولا يجوز لها الوقوف امامهم والتحدث اليهم ولو كوكيلة عن غيرها. أو عندما تتشاور مع محام او تدخل اجتماعات تتعلق بالمهنة وسيرها وتطورها. اي ان الموافقة للمرأة على ممارسة المهنة تتطلب موافقة صريحة على تعيين احد محارمها مرافق متفرغ, يقود سيارتها الممنوع عليها قيادتها طالما بقيت امرأة , او طالما لم يتم تعديل قانون السير, وان كانت الحالة الاولى اسهل على التعديل واكثر جذرية.
كما يمكن ان يُعتمد ثوب للمهنة خاص بها, كأن لا يكشف شيئا منها, او من صوتها الحقيقي. فالعلم في شؤون التفصيل للتخفي والتستر على كل شيء قدير. (يالها من ثقة عالية بالمرأة. واي ثقة بالنفس تشعرها المرأة التي ستدافع عن قضايا غيرها وقضيتها الاساسية لا ترقي الى درجة الاحترام. وأي تساوي في المراكز بين الاتهام الذكوري والدفاع الانثوي).
ظننا ان الحديث قادم من القرون الوسطى الاوروبية ولكنه "مدبلج" باللغة العربية, لولا علمنا بان الفضائيات لم تكن قد ولدت بعد في تلك الحقب السحيقة المظلمة, ولولا رؤيتنا "ديكور" صالاتها التي لا يضاهيها قصر فرساي الا بالقيمة الاثرية والتاريخية, ديكور غير عربي تصميما وذوقا, ويمكن لجزء من تكاليفه ترميم أحياء عديدة في مدننا لم تستطع ان تصبح عصرية ولم تبق شعبية. وقرى مهملة في اقاصي اوطاننا . كل هذا اكد لنا اننا حقا في قرننا هذا في يومنا هذا. وان الحديث حديث الساعة.
ما طُرح في الفضائيات المذكورة, على انه فتح جديد في عالم الحريم, وما نشر في وسائل الاعلام عن الموضوع المذكور لم يكن جديدا او مبتكرا, الا في بعض جوانبه. فهو قديم قدم القرون المذكورة ومن ابتكار الذهنية التي سادتها, المؤكدة على ان الاختلاف البيولوجي بين الرجل والمرأة يبرر منطقيا الاختلاف الاجتماعي, وتوزيع الادوار بشكل لا يقبل الجدل أو التعديل, وبالتالي تأبيد تقسيم العمل في مجالين: المجال العام. وهو مجال حصري بالرجال: التبادل والاتصال والعلاقات مع الاخرين, والسلطة الاقتصادية والسياسية, بشكل خاص. والمجال الخاص: البيتي او الخدمي وهو مجال حصري خاص بالمرأة, والعبيد. هذا ما فرضته الطبيعة, وهذا ما اراده الخالق, وهذا ما يجب التسليم به وما يُحرّم الاعتراض عليه!!!.
لقد عاد الغرب, منذ ما يزيد عن قرن وبضع عقود عن طروحاته هذه , وعما كان قد حرّمه من أمور منذ قرون بعيدة, عودة لا رجعة فيها. انها صحوة الغرب. الصحوة التي لا يستنكرها اليوم الا الصاحون الجدد عندنا على الاشادة بفضائل ومخالفات تلك القرون والاعجاب بها دون تمحيص!!!. اليس من الفضائل اعادة المرأة لبيت الطاعة التي استطاعت في بعض الامور الخروج عليها !!!؟.
كانت الكنيسة قد حرمت منذ عام 1640 الاختلاط في التعليم بين الجنسين. ومع ذلك لم تهتم مطلقا لإنشاء مدارس للبنات. بعد الثورة الفرنسية لعام 1789 طُرحت افكار تنادي بمجانية التعليم وعلمنته وتعميمه. ولكن هذه الافكار اخذت مع الوقت بالتراجع لنقص الامكانيات والوسائل وللتأثير الكبير لأعداء تحرر المرأة. (وهكذا بقي الجهل والتجهيل الوسيلة الناجعة لإخضاعها المطلق لقوانين الطبيعة وارادة الله, وعنجهية الرجل !!!).
القانون المدني لعام 1806, قانون نابليون بونابرت, اعتبر المرأة هبة للرجل للحصول على الاولاد. انها ملكيته الخاصة مثلما الشجرة المثمرة ملك للبستاني. نظرة الازدراء هذه للمرأة ترتب عليها سوء وضعها فترة طويلة عبر التاريخ. يطلب قانون نابليون منها "اطاعة الزوج" طاعة عمياء. عليها كذلك طلب موافقته عند: التسجيل في الجامعة والتقدم للامتحانات. وفتح حساب مصرفي. و الخضوع للعلاج. ولا يمكنها الشكوى ضد اغتصاب زوجها لها, ولا ضد خيانته , الا اذا كان ذلك في منزل الزوجية. فتبعيتها لزوجها تبيعة اجتماعية واقتصادية وثقافية. اما اهليتها الوحيدة المعترف لها بها فهي الحمل وانجاب الاطفال ( اهلية حصرية لا يستطيع الرجل منافستها فيها ).
عام 1833 جاء قانون كوزوت للثقافة الوطنية وفتح مدارس للذكور ومدارس للإناث ولكن فكرة مدارس الاناث لم يؤخذ بها. كان يجب انتظارعام 1867 لفتح مدارس للإناث في البلديات التي يزيد عدد سكانها على 500 ساكن. ومع ذلك كان لا يسمح لهن بمتابعة التعليم الثانوي والبكالوريا والتعليم المهني العالي وممارسة مهن مثل الطب والحقوق. وبقيت المرأة ضمن المجال الخاص وتقسيم العمل الذي فرضه عليها الرجل. (وبقيت هدفا للتجهيل والتهميش).
في قرار صادر عن محكمة استئناف بروكسل في 12 ديسمبر 1888 تم رفض طلب احدى خريجات كلية الحقوق تأدية اليمين لممارسة مهنة المحاماة: "نظرا للطبيعة الخاصة للمرأة: الضعف العائد لتكوينها. التحفظ غير المنفصل عن جنسها. الحماية الضرورية لها. مهمتها الخاصة في الانسانية. متطلبات الامومة. التربية الواجبة عليها تجاه اطفالها. ادارة منزل الزوجية. والخدمة المفروضة عليها. وعليه فان هذه الظروف لا تتلاءم مع واجبات مهنة المحاماة ومتاعبها, التي لا تعطيها الوقت, ولا القوة, ولا التلاؤم الضروري للعمل الدؤوب". (اليس هذا ما ينادي به الصاحون الجدد في منطقتنا صحوة على قيم العصور عدا قيم عصرنا؟)
كتب ريمون بونكريه مقرر مشروع قانون 1 ديسمبر 1900 ان " المشرع الفرنسي انشأ تعليما ابتدائيا يساوي بين الذكور والاناث ... وعليه فالنساء الفرنسيات مدعوات للخروج من الجهل الذي عانين منه طيلة القرون السابقة ... من بين المهن الحرة المغلقة في وجههن مهنة المحاماة. في الوقت الذي هي مفتوحة للرجال,. وفي الوقت الذي لا يستطيع فيه المشرع الحديث تفسير الصمت في القوانين على انه منع النساء من ممارسة المحاماة".
المرأة الاولى التي تسجلت في نقابة محامي باريس هي جان شوفين Jeanne Chauvin في 19 ديسمبر 1900 بعد ان كان طلبها الاول عام 1887 للتسجيل واداء القسم قد رفض بحجة ان القانون لا يجيز للنساء ممارسة مهنة المحاماة. وهي ابنة كاتب عدل, مجازة في الفلسفة وتحمل دكتوراه في الحقوق. وقد ذكرت في اطروحتها بان مهنا كثيرة مفتوحة للنساء في القانون الروماني والقانون الفرنسي. في حين ان الحق في اداء القسم للنساء لم يكن ممنوعا رسميا منذ العصور القديمة. وقد تقدمت باقتراح قانون عام 1897 بمنح المرأة حق ممارسة المحاماة. و نجحت في جعل الجمعية الوطنية تقره عام 1899 ومجلس الشيوخ عام 1900.
تتحدث المحامية الاولى عن نظرة المحامين الذكور لها وسخريتهم المقصودة من مرافعتها الأولى امام المحكمة. فقد سألها رئيس نقابة المحامين البير سال ماذا جئت تفعلين هنا؟. سوف لا يحالفك النجاح مطلقا. اذا اردت ان تكسبي رزقك توجهي الى ميدان اخر, التجارة مثلا. واذا كنت مثقفة توجهي للتدريس". " Eve François, les Femmes en avocature, Les avocats, Paris 2009"
تلى ذلك, ولكن بعد 15 عاما تسجيل 18 امرأة محامية. وليس هدفنا هنا عرض تاريخ تطور المحاماة النسائية. وانما نكتفي بالإشارة لبعض الارقام الحديثة التي تبين مشاركة النساء في ممارسة مهنة المحاماة في فرنسا في ايامنا هذه.
كانت نسبة الذكور الممارسين للمهنة 60% عام 1990. في 1 جانفي 2009 بلغ عدد المحامين في فرنسا 50314 بلغت نسبة النساء بينهم 50,5 %. تختلف نسبة النساء المحاميات من نقابة الى اخرى فهي بين 23% و68%. ولمن يريد المزيد الاطلاع على العنوان التالي: www.cnb.avocat.fr .
في 15/12/2009 تسجل على لائحة المحامين 10614 محام و 10470 محامية.
مهنة المحاماة في فرنسا مهنة في طريقها للتأنيث كما يتبين من الاحصائيات وتوقعات المختصين في هذا المجال. وهذا ما سيعكس الامور بحيث يجد المحامي الذكر نفسه يترافع خارج جوه الذكوري الذي اعتاده, مثلما كانت المرأة تترافع في ميدان محجوز للذكور فقط.
(تجدر الإشارة الى ان نسبة النساء القاضيات كانت عام 1982 28% لتصبح عام 2001 50,5%)
ان يأتي متأخرا خير من ان لا يأتي ابدا .
بعد قرن و10 سنوات من قبول تسجيل المحامية الفرنسية الاولى تطالعنا وسائل الاعلام, كما اشرنا اعلاه, بإمكانية السماح للمحاميات الاوائل في دولة عربية, السعودية, التسجيل المشروط لنساء على لوائح المحامين (ما أقرب حاضرنا من قرونهم الوسطى !!!) .
فقد اعلن وزير العدل السعودي ان الحكومة تخطط للمرة الاولى في تاريخ المملكة للسماح لمحاميات سعوديات للمرافعة أمام المحاكم. (الاخبار الدولية فرنسا 24/24. 19/03/2010. الشبكة الاخبارية الشاملة. انترنت 24/02/2010).
في جريدة الرياض الإلكترونية بتاريخ 20/03/2010 , وتحت عنوان المحاميات قادمات , كتبت السيدة سحر الرملاوي, اثر زيارة لها للمحاكم كما ذكرت, " لطالما راينا عجبا من احوال المرأة في المحاكم وما كان ما شهدنا عليه من احوال ترقى احيانا الى مصاف المآسي الا نتيجة حتمية لعجز المرأة في الغالب عن ايصال معاناتها الى القاضي بشكل ينصفها ازاء ما يملكه الخصم اذا كان رجلا من مقومات ليس اقلها قدرته على المثول بكل ثقة أمام القاضي واعتبار نفسه الاقوى في نزاع لا تستطيع المرأة ان تطرح فيه كافة أبعاده من وجهة نظرها". وتضيف الكاتبة " لذا يجيء تصريح وزير العدل عن دراسة منح الترخيص للمحاميات السعوديات بمزاولة المهنة كمستشارات قانونيات وفق ضوابط خاصة, مبشرا بمجمله الا انه يتطلب بعضا من الدراسة المتأنية حتى لا يصبح هذا الباب الجديد للمرأة عبئا اضافيا عليها".
ولكن و في ظل الوضع القانوني الحالي للمرأة, وفي ظل الاعراف المتأصلة , و ملاحقة " المطوعون" (ما يعادل شرطة الآداب في اماكن اخرى) لها بشؤون لباسها وخروجها دون مرافقة احد محارمها .. هل يمكن ان يغير من وضعها مجرد الترخيص لبعضهن بممارسة المحاماة او الاستشارات القانونية. وفي ظل قوانين تقوم على التمييز الصارخ على اساس الجنس؟.
في حوار مع جريدة الفيكارو الفرنسية, بتاريخ 2010/02/09 اجابت السيدة عدلة ابنة الملك عبد الله بفكر منفتح على اسئلة منها:
+ الى اين حد يمكن ان تذهب النساء في السعودية؟
ـ لا يوجد حدود. يجب علينا تقديم مساهماتنا, غير المباشرة, في كل المجالات. على سبيل المثال تغيير القانون المتعلق بزواج الاجانب من سعوديات ..
+ هل تتمنين تغيير قوانين اخرى متعلقة بالنساء؟.
ـ عدد كبير منها يجب تغييره. لقد أصبحت السعوديات اكثر ثقافة. ولا تستطيع الحكومة تجاهل كل الشخصيات النسائية المعتبرة. والتي من بينها من يحتل مراكز هامة.
+ يبقى الاختلاط ممنوعا في كثير من الاماكن ماذا ترين في ذلك؟
ـ لا أدري لماذا لا يستطيع الرجال والنساء اقامة علاقات محترمة في اماكن العمل, مثلما يفعلون في المستشفى أو في الحج الى مكة. هذا يتبع جذريا للعادة ولبناء قانون ضد التحرش.
+ متى تستطيع النساء قيادة السيارات؟
ـ لست انا من يقرر. امل بان المجتمع سيتجاوز الجدل حول هذه المسالة .. نحن نستعمل كل وسائل العالم الحديث. لماذا يتوقف الامر عند هذه المسألة".
في الدول العربية والاسلامية التي تسمح للنساء بممارسة المهنة, تبقى المرأة بصفتها هذه, حتى ولو كانت محامية, خاضعة لقوانين جائرة بحقها. وفي المجال المهني لا تختلف كثيرا معاناتها عن معاناة زميلها الذكر. فالمهنة نفسها, المحاماة, هي التي تعاني ــ مثلها مثل غيرها من المهن ــ في غياب دولة القانون والحق والديمقراطية. ومعاناتها تنعكس على منتسبيها وعلى المتقاضين واصحاب الدعاوى من المواطنين.
المحاماة مهنة متطورة لا تقبل الجمود ونراها في الدول الغربية على سبيل المثال مفتوحة لإصلاحات لا تنتهي, إعداد وتكوين المحامين, وتطوير قوانين ادبيات المحامي لتتلاءم مح الحركة الدائمة في سير العدالة وتطور القضاء والمجتمع.
نشك , في ظل الانظمة القائمة في منطقتنا العربية, ان تستطيع اية مهنة القيام بدورها الطبيعي الذي قامت من اجله, وفي اقامة علاقات طبيعية بين أعضائها, والنجاح في تأدية واجاباتها تجاه الاخرين.
فتح المحاماة على النساء في الكثير من دول المنطقة العربية غنى للمهنة في حد ذاته, وقبولا فعليا لحقوق المرأة الطبيعية, وخطوة في طريق المساواة المنشودة بين الرجل والمرأة, طريق طويل, معالمه غير واضحة الى الان, وقبول السير فيه يختلف من بلد لأخر ومن منطقة لأخرى, ومن فئة سياسية او دينية لأخرى.
فتح أبواب المحاماة للمرأة, لا يعني ان المهنة قد استطاعت فتح نفسها على افاق جديدة, ومفاهيم جديدة, ووسائل جديدة, وتنظيم علاقاتها الداخلية والخارجية بشكل سليم, لتكتسب المصداقية والثقة لدى اعضائها, ولدى القضاة. وبالدرجة الاولى لدى المواطن, الضحية دائما, الذي يطرح بحق السؤال الهام المتضمن العديد من الاسئلة, وهو:
كيف:
ـ للمحاماة ان تزدهر في غياب فصل السلطات واستقلال السلطة القضائية؟.
ـ في ظل قوانين طوارئ ومحاكم استثناء؟.
ـ في ظل انظمة لا تعلو فيها كلمة القانون الا على الضعفاء؟.
ـ في ظل انظمة لا تحترم حقوق الانسان, بما فيها حقوق المحامي والمحامية؟.
ـ في غياب الشفافية وتفشي الرشاوى والمحسوبيات؟.
ـ في التزام صمت مطبق في امور لا يجوز الصمت عليها, وخاصة اذا كان الصامتون ممن يفترض انهم المدافعين عن القانون والحق. (في التاريخ القديم والحديث صفحات ناصعة من نضال المحامين الذين شرفوا المهنة وتشرفت بهم).
ـ بغلق الابواب في وجه كل فكر حر, ولو مهني صرف, ومنع الوصول الى الوسائل الاعلامية والتثقيفية والمصادر والتقنيات العصرية , واخضاع الانسان والاداة لرقابة امنية صارمة؟.
ـ في غياب نقابات منتخبة ديمقراطيا. معيار الترشح فيها: الكفاءة, والاخلاص, والنزاهة؟.
ـ في غياب اية حصانة معترف بها للمحامين من الجنسين, مثلما هو الحال عليه في غالبية دول العالم المتحضر؟.
ـ في ظل مرافعات ابلغها واكثرها فصاحة وتأثيرا وكسبا للقضايا تلك المرفقة بمبالغ الرشاوى التي تسبق الملف وترافقه وتقفله؟. أو المرفقة بالتوصيات, الشفهية او المكتوبة, الصادرة من القوى المؤثرة والفاعلة في المجتمع و الدولة؟
ـ دون ضمانات حقيقية لحق الدفاع؟.
ـ دون اصلاح قضائي يعيد للعدالة عدالتها؟.
ـ دون بناء الوطن على اسس المواطنية السليمة وحدها؟.
كيف والحال هذا يمكن للمواطن منح ثقته للمحامي بجنسيه. وكيف يمكن اقناعه بوجود حقوق وعدالة وحماة لها في بلده؟ وكيف يمكنه ادراك الفوارق بين معالجة القضايا القضائية في المحاكم, والمعالجة الجذرية في الاقبية الامنية؟.
ليس, بكل تأكيد, على جنس المحامي تتوقف المسالة.
د. هايل نصر.
التعليقات (0)