نزيه أبو عفش : التشكيلي الفذ
الكثير منا يعرفون الشاعر نزيه أبو عفش ولكن الكثير كذلك لم يسمعوا بنزيه أبو عفش الفنان.
يقول أبو عفش في إحدى لقاءاته أنه كان راغباً بشدة في دراسة الهندسة المعمارية وأنه كان شغوفاً بالفن لكن أهله وقفوا ضد رغبته هذه لأنهم كانوا ينظرون إلى طالب الفن (الرسم) نظرتهم إلى فتاة تريد أن تتعلم الرقص كي تعمل بعد ذلك في أحد الملاهي الليلية.
وهكذا انتهى أبو عفش شاعراً ولكن دون أن يتخلى نهائياً عن حلمه الطفولي الجميل.
أقام نزيه أبو عفش عدداً من المعارض الفنية سكب فيها عصارة أحلامه وآماله وآلامه وعبّر بالفرشاة عما يريده بعد أن عبر بالقلم (يقول في اللقاء نفسه أنه ربما اتجه للكتابة لأن الأقلام كانت متوفرة والورق رخيصاً مقارنة بمستلزمات الرسم).
لا شك أن تجربة نزيه أبو عفش في الرسم تعكس وجهاً خفياً في تجربته الشعرية التي تبرز فيها صفة المسيح المتألم فهو يعمل على صياغة تشكيلية للوجه الإنساني كوسائط للتعبير عما يريد البوح به ومكاشفة الألم الذي يسكنه بطريقة تبدو في أحوالها العادية كأيقونة مجلجلة داخل مساحات لونية كحلم مقدس من خلال مجموعة من الوجوه تحمل ملامح كونية في طقوس جنائزية تارة واحتفالية تارة أخرى ويجسدها ضمن مقامات لونية حالمة وكأنها مأخوذة من منابع تاريخية لحياة الإنسان في حالات العبادة البدائية من حيث التواصل مع الآخرين أو مع خالق هذا الكون.
وهو يعطي أهمية قصوى للخطوط في توزيع عناصر لوحاته من حيث التآلف والانصهار فيما بينها وإظهارها بتكوينات حميمة ضمن أبعاد عاطفية مكللة بالإنسانية والمحبة وهي نزعة تبدو في فحواها أشبه بنزعات المبشرين والأنبياء بسحناتهم المكتظة بالحزن الأزلي.
يشتغل أبو عفش أعمالاً يمكن تصنيفها كأسلوب تعبيري من خلال مجموعة الوجوه المكررة في معظم تجاربه التشكيلية. هذه الوجوه المتناسلة من ذواتها عنصر بصري أساسي عند أبو عفش في التعبير عن مجمل الانفعالات والأحاسيس لتظهر هذه الوجوه بشكل ثنائي أو على هيئه مجموعات داخل مساحات ضبابية يلفها الحزن والكآبة مازجاً بحرفية وتقنية لونية بين لغتين سمعية وبصرية. وتتوق ومن جهة أخرى إلى عرض كتل وشلالات لونية تجمع بين التناسق وقوة التعبير من خلال الانسجام بين الوجوه في مقدمة اللوحات وخلفياتها المشغولة بعناية الفنان وآلام الشاعر والمنفذة بمخيلة الشاعر وحرفية الفنان.
دلدار فلمز
التعليقات (0)