نزاع عبر الاثير:
التقت اذاعة البرنامج العربي في شبكة اس بي اس الاسترالية التي تعتبر اكبر شبكة اعلامية اثنية في العالم حيث تقدم البرامج والخدمات لمتحدثي 68 لغة! بمجموعة من ممثلي التيارات السياسية اللبنانية في استراليا،وكان السؤال المطروح هل هناك عدالة دولية؟كمقدمة لتبرير وجود المحكمة الدولية المختصة بأغتيال الحريري...
كان اللقاء عاصفا بحيث تخللته اتهامات مباشرة وصريحة ثم ارتفعت الاصوات المتداخلة لتصل حد السب والشتم المباشر وعبر الاثير،ولولا حزم المذيعة وصبرها لخرج الموقف عن السيطرة!...فكان بالفعل موقفا مأساويا لابناء وطن واحد يتخاصم ابناءه الى هذا الحد من التعصب المقيت ضمن قضايا لا تستحق سحق كرامة الوطن لاجلها!.
هذا الموقف يعطي دلالة واضحة على مقدار حجم المشاكل والخلافات التي تواجه الجاليات العربية والاسلامية في بلاد الاغتراب من خلال انعكاس الخلافات والنزاعات المريرة في الاوطان الاصلية على ابنائها المغتربين بحيث يصعب الانضباط والابتعاد عن التحزب الاعمى ضمن صفوف الجاليات في داخل المجتمعات الجديدة،ويعطي صورة سيئة لهم من خلال ضعف استيعاب ثقافة الاختلاف والتنوع في تلك البلاد، والحالة ليست محصورة ضمن فئة معينة بل اصابت ايضا الجاليات الاخرى مثل التي هي من اصول اوروبية شرقية وبخاصة اثناء فترة الحرب الاهلية في يوغسلافيا السابقة.
تركزت المشاركة بين ممثل حزب الكتائب اللبنانية الموالي للحكومة وبين ممثلي الاحزاب الاخرى مثل التيار الوطني الحر وحزب المردة المواليان للمعارضة مع مشاركة صغيرة للبقية ضمن صفوف التيارين الرئيسيين المتحكمين بالساحة اللبنانية...
كانت اجابة الموالي للحكومة انه توجد عدالة دولية وانه لا قيمة لقضية شهود الزور وان الانسحاب الاسرائيلي عام 2000 من جنوب لبنان ليس فيه اي فضل للمقاومة بل لان اسرائيل رغبت بذلك! كما اتهم الاخرين بالعمالة والتبعية وانهم هم محرري لبنان! كما وصل الامر الى نكران ضمني لوطنية واصول المقاومين في الجنوب حينها مما استدعى الى رد المذيعة عليه بحزم لكونها لبنانية ايضا والزمته بعدم التلفظ بذلك وهو يعيش في مجتمع متعدد الثقافات ويحترم كل الاصول العرقية والاثنية!.
في الحقيقة ان معارضي تلك الاراء من المشاركين وبخاصة من المتصلين بالاذاعة كانت هي الاغلبية ولكن نظرا للتقسيم الغير متكافئ في الانتخابات اللبنانية،فقد اعطى الموالين لتيار المستقبل وحلفائهم من الاحزاب اليمينية الاغلبية وقد يكون عددهم اقل بكثير بفعل التقسيم القديم الذي لا يعترف بالاعداد الحقيقية الحالية للطوائف اللبنانية!.
لقد اصبح اغتيال الحريري مثل قميص عثمان للموالين لتيار المستقبل وحلفائه وخرج الموضوع من نطاق الرغبة في العدالة المرغوبة الى الاستغلال السياسي البشع خاصة وان بعض تلك الاطراف لهم تاريخ سيء في الحرب الاهلية! فكانت البداية اخراج سوريا من لبنان وتحجيم نفوذها،والان تحول الى محاولة لضرب او تحجيم حزب الله من خلال اتهامه...وقضية العدالة الدولية التي يتبجح بها بغباء ويؤكدها هذا الممثل هي مضحكة بحق ولو كانت بالفعل هنالك عدالة لما راينا هذا العدد الضخم من المشاكل والضحايا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية!...فالعدالة الدولية هي عدالة خاصة بالغرب المتحكم الرئيسي بالعالم منذ قرون،وعدالته تدخل ضمن سياق بوتقة مصالحه المتشعبة ولا يمكن الاعتراف بها اذا تعارضت مع تلك المصالح!.
اما قضية انسحاب اسرائيل اختياريا من ذاتها من جنوب لبنان فلا تحتاج الى نفي لان الانسحاب كان اضطراريا حتى ان طريقة الانسحاب السريعة لم تكن بالصورة التي تمنح عملائها الفرصة للاعتراض او الهروب! ولولا المقاومة لبقيت اسرائيل كمثل بقائها الان في الضفة الغربية والقدس الشريف!.
ان تبرير المواقف السياسية المختلفة اذا اريد لها القوة والدعم والثبات فلا يمكن لها الاستناد الى خلق اكاذيب او تحريف حقائق او تزوير نتائج او تشويه ذاكرة!... وعليه فأن الاساس سوف يكون ضعيفا ومهتزا وسوف تزيله من الجذور عواصف الحقائق القادرة على ازالة جبالا من الاكاذيب!.
صدق من قال: قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر...وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر!... ونحن نرى كيف ابيدت شعوبا بأكلمها او مازالت تتعرضت مجموعات عرقية للاضطهاد والتمييز والحصار دون ان تتحرك العدالة الدولية المزعومة حتى ممكن ان يصدقها احد في محكمتها الخاصة بالحريري،واين هي محكمة شارون عام 2002 عندما الغيت وقتل ايلي حبيقة الشاهد الرئيسي فيها!...فالجرائم ايا كانت فهي مرفوضة جملة وتفصيلا،والتمييز بينها لا يفيد العدالة بشيء بل يؤدي الى احتقارها والاستهانة بها حتى لو كانت صادقة!.
العدالة الدولية هي خرافة لا تحتاج الى ادلة لنقضها!.
التعليقات (0)