مواضيع اليوم

ندوة تحديث التفكير الديني - المحور الثالث: تقييم محاور المجلة

مولاي محمد

2010-08-30 16:45:04

0

ندوة تحديث التفكير الديني

المحور الثالث: تقييم محاور المجلة

تشتغل مجلة قضايا إسلامية معاصرة بتقنية المحاور. فهل، بنظركم هذه المحاور أساسية، وتلامس مواضيع أولوية بالنسبة للمهتمين بالفكر الإسلامي المعاصر؛ أم هي مجرد محاور مشوقة، بالفعل، وتلبي بعض مكبوتات القارئ المحروم من السؤال والشغب الفكري. وإلى أي حد تساهم هذه المحاور فيانبثاق «السؤال اللاهوتي الإسلامي الجديد» بتعبير مدير المجلة المفكر عبد الجبار الرفاعي؟
إبراهيم أمهــال
سأحاول مقاربة الجانب المضموني للمجلة, ليس من زاوية تقييمية وحسب، ولكن من زاوية مدى استجابته لما يطرح داخل الدوائر الثقافية العربية التي تستقبل المجلة، وأقصد هنا بالضبط المغرب. فإذا كان المثقفون الإيرانيون يعيشون فعلا هذه القضايا على مستوى الوضع المجتمعي ككل، عندها فهم يبحثون عن إجابات كل من وجهة نظره، ولكن الطريف أن هناك أرضية مشتركة بين ما يمكن أن نعتبره المثقف الإصلاحي والمثقف المحافظ، من حيث المرجعية المفاهيمية والمرجعية الفلسفية؛ أقصد المرجعية هنا بمفهومها العام، بمعنى أن المحافظ مطلع على المدارس الفلسفية المعاصرة كالمثقف الإصلاحي؛ ولكن المشكل في بلدنا المغرب، بل وعلى امتداد الوطن العربي، هو تلك القطيعة بين مثقف ديني مازال يعيد الإنتاج اللفظي للمنظومة التراثية, ومثقف علماني فقد الكثير من أسلحته الإيديولوجية, فبدأ يتحدث بلغة أخرى تتقصد البنيات الاجتماعية والأوضاع العامة لبلده أكثر مما ينشغل بالبناء الفكري، فنتجت لدينا ثنائيات متضادة ومتهادمة, بين مثقف مغرق في تقليده, ومثقف مغرق في تبعيته. ولا تفتح الجسور بين الطرفين إلا للسجال أو الانتقاء؛ فمثلا هناك من يستدعي أفكار سروش ليبرر خطابه النقدي والعدمي في بعض الأحيان ضد الفكر الإسلامي, وضد الهوية الإسلامية عموما، أو يبرر به دعوته للعلمانية؛ أي يصبح استدعاء الفكر المتنور لعبد الكريم سروش مجرد مطرقة لضرب الخصم, أكثر مما هو موضوع حقيقي للنقاش المتعمق.إن الإشكال ليس في المضامين التي تطرحها مجلة قضايا إسلامية معاصرة، لأنها كلها من الناحية النظرية البحتة من أهم القضايا وأخطرها في الفكر الإسلامي، إن الإشكال يكون معقدا، في غياب مثقف شجاع ومتسائل وقادر على مد الجسور بين الأطراف وتكسير هذا الصمم بين الفاعلين الفكريين على اختلاف وجهات نظرهم، من خلال لقاءات وندوات تحضر فيها العقول والأبدان وليس فقط المجلات والأوراق، عندها تتوسع إمكانيات التواصل والحوار, وتكون المرجعية أقرب إلى المشترك الذي يناقش فيه الجميع؛ ومجلة قضايا إسلامية معاصرة، بنظرنا، هي ندوة مفتوحة ومشتركة بين كل الفعاليات الفكرية في إطار الأمة، ومازلنا في حاجة إلى مبادرات نموذجية أخرى من هذا الحجم.
أحمـد أكنتــيف
اسمحوا لي أن أبدأ مداخلتي في هذه الندوة المباركة عن مجلة قضايا إسلامية معاصرة، وهي مجلة محكمة بامتياز، بهذه المؤاخذات الأخوية؛ فما يؤسفني في بعض أعداد المجلة، وهي متخصصة وصارمة من الوجهة العلمية، أن تجد بعض الكتابات لا تتوفر فيها ضوابط المنهج العلمي، وبعض الأحيان في حدوده الدنيا؛ فمثلا بعض ما نشرته المجلة في ندوة "التباس المفاهيم"، في العدد 24-25 حيث جمع بعض "الدكاترة" حول موضوع, يبدو من قراءة مداخلاتهم عدم الأعداد له؛ فتقرأ للدكتور الريسوني "لو تحدثنا بصفة عامة... ص 119 وللدكتور ولد باه: "ليست عندي إضافات كثيرة لما تفضل به الإخوان..." ص 116! وللدكتور هشام داود: "قد أكون أقل الناس بضاعة في هذا الموضوع بحكم اختصاصي...ص 121". فلماذا تنشر مجلة متخصصة كلام غير المتخصصين, والذين لن يضيفوا شيئا..؟ فليست كل مائدة مستديرة مائدة علمية, وليس كل دكتور باحثا. ويمكن تسجيل الملاحظات نفسها على ندوة العدد 26 من المجلة. فالمرجو أن تنشر المجلة البحث والكلام لقيمته, وليس لقيمة صاحبه. كما نلحظ تقصير المجلة في الانفتاح على مسلمين معاصرين ولا يفكرون وفق مناهج تراثية, مثل علماء الاجتماع والاقتصاد, وباحثين غير مسلمين يكتبون عن قضايا المسلمين ومشاكلهم الثقافية، إضافة إلى غياب الصوت الفكري النسائي كليا.
عبد العزيز راجيـل
أريد أن أضيف بعض الملاحظات إلى ما ذكره الأستاذ أكنتيف، وهي عبارة عن مقترحات للأخ عبد الجبار الرفاعي، حفظه الله، المشرف العام على هذه المجلة المتميزة، وهي أن يكون مصاحبا للمجلة إصدار رقمي على الانترنيت، ولو أن تكون فيه ملخصات لأعداد المجلة وبحوثها؛ فنحن في المغرب نعاني من توزيع المجلة ونزولها إلى السوق المغربية. كما اقترح دراسة إمكانية تغيير عنوان المجلة بما يستوعب عالمية الإسلام, ووجهات النظر المختلفة، واقترح "قضايا إنسانية معاصرة". أو "قضايا فكرية معاصرة"؛ لأن صفة "الإسلامية" أصبحت توحي بدلالات سلبية نتيجة استغلال هذه الصفة من لدن تجار الإيديولوجيات الدينية. فنريد من المجلة أن تخاطب في رموزها وعلاماتها الإنسان بشكل عام، والإنسان العربي والمسلم، مهما كان توجهه المذهبي والسياسي.
عبد العالي المتقـي
أنا أريد أن ألفت النظر إلى الأقلام التي تكتب في قضايا إسلامية معاصرة، فحقيقة، عرفتنا المجلة على كتاب إيرانيين وعراقيين لم نكن نعرفهم، ولم يكن لنا اتصال بكتاباتهم, مثل عبد الكريم سروش, ومصطفى ملكيان, ومحمد مجتهد شبستري, وسرمد الطائي، وهي كتابات مثيرة وناقدة؛ فقد قربتنا المجلة من الإشكالات الفكرية التي يطرحونها. كما نقرأ في المجلة لبعض الأقلام المعروفة عندنا في المغرب, مثل طه جابر العلواني, وحسن الترابي, وجمال الدين عطية، ولكن الدراسات التي نشرت لهم في المجلة كانت أكثر إحكاما ودقة ومنهجية. ويؤاخذ على المجلة غياب الأقلام المختلفة مع ما يسمى بالطرح الإسلامي المعاصر، خصوصا الاختلافات الجذرية تصوريا ومنهجيا، أما الاختلافات الجزئية فأصبحنا، والحمد لله، نقرأ في المجلة لمحمد أركون, وعبد المجيد الشرفي, ومحمد عابد الجابري، فنرجو أن تتشجع المجلة أكثر في فتح النقاش الخارجي بين التيارات الفكرية العربية والإسلامية، ونبارك جرأتها في نشر مقالات لاذعة مما يتعلق ببنية الفكر الإسلامي داخليا، وكذا نثمن الاهتمام بالفكر الفلسفي المغربي, وخاصة ما يبدعه المفكر طه عبد الرحمن.
محـمد الإسماعيـلي
على غرار ما ذكره الأستاذ المتقي، فأريد بدوري أن أنبه إلى أن المجلة مازالت تعاني من مركزية الكتابة فيها؛ فالأمر يقتصر دائما على أقلام معينة، و في الحقيقة هي أقلام نوعية وجادة ومبدعة، ولكن لابد من توسيع دائرة المستكتبين، والانفتاح على أقلام أخرى، كما اقترح إدراج مواد نوعية من الوجهة الفكرية والنقدية مترجمة عن الفكر الغربي المعاصر.
مصطفى بوهنــدي
أنا أعتقد أنه برغم حيوية المحاور التي اعتنت بها المجلة، والمقاربات الإبداعية الناقدة التي تميزت بها بعض الدراسات والأبحاث، فإن المجلة مازالت في حاجة إلى شجاعة أكبر, لإحداث زلزلات فكرية في واقعنا الإسلامي، لأن قرونا من التخلف، وهيمنة فكر المسلمات، والفكر الثابت، جعلت المنظومة الفكرية التاريخية فكرا مقدسا، وجعلت الإنتاج الإسلامي في عصور معينة هو المعيار الأعلى. والمعالجات المحتشمة، وربما الخائفة، والتي تراعي مشاعر التراثيين وعواطفهم لن تستطيع أن تكون ناجحة, ولن تمس جوهر القضايا التي نحتاج إلى معالجتها.
إن التغيير الذي حصل في العالم اليوم تغيير كبير جدا ومعقد جدا؛ فالتفكير ينبغي أن يكون اليوم على درجة كبيرة من العمق والقوة في الإبداع والنقد؛ فالفرق شاسع بين أنماط التفكير القديم، يوم كان الناس يرحلون ويضربون أكباد الإبل كما يقولون، لجمع رواية أو كلمة، ونمط التفكير الجديد, حيث أصبحت المعلومة تنتقل بكميات كبيرة ومذهلة؛ فما أنتجه الفكر في قرون يمكن نقله اليوم في لحظة قصيرة جدا، وما أنتجه البشر في قرون متتالية يمكن جمعه في أسطوانة صغيرة جدا، ومشاكل الإنسانية اليوم أعقد بكثير مما كان قديما؛ فنحن، إذن، أمام عالم مختلف, ولا يمكن أن نعالج مشاكله وأسئلته بفكر قديم, وطرق وآليات عفا عنها الزمن.
وللأسف العقل المسلم، في مراحله الأخيرة، قد انسحب من الحياة، ومن ثمة فالفكر الإسلامي هو أيضا انسحب من الحياة؛ فالهوة كبيرة وبعيدة بين الفكر الإسلامي لما كان يعالج قضايا الحياة في عصر مضى، والفكر الحديث الذي لا يوجد فيه الإسلام، على الأقل إسما. وعليه لابد من التركيز على المحاور التي تؤهل التفكير الإسلامي, وكذا التعقيل الإسلامي؛ فالعقل والفكر لا ينقلان كما تنقل البضائع والسلع، ولكن تخلق شروط التأهيل الفكري والعقلي في بيئة المسلمين، وهذه الشروط تنطلق من الإحساس بأزمة ذواتنا وعلومنا ومناهجنا التقليدية.
إن المجال الديني عند المسلمين يعاني من انحباس رهيب؛ فمحاور تعميق الوعي بأزمة الفكر الديني التقليدي أمر مهم عبر دراسات وأبحاث منصفة ومتعمقة وجريئة، وخلق شروط الحوار الديني العلمي بين الباحثين والمهتمين على صفحات هذه المجلة المباركة، بعيدا عن كل الوصايات والتراتبيات القهرية، وبأسلوب استدلالي ومتخلق بالأخلاق الفاضلة التي تأبى غيرها فطرة البشر.
هل مجلة قضايا إسلامية معاصرة، مجلة مستقلة، بنظركم، أم هي محسوبة على تيار بعينه، أو مذهب، أو طائفة، ثم ماهي حدود الاستقلال في الاعلام الفكري، بل في الفكر ككل؟
إبراهيم أمهــال
إذا كان المقصود بالاستقلالية التجرد الكامل من المرجعيات والأفكار والمسبقات فهذا وهم، لأن كل واحد يتحدث في نهاية الأمر من موقع معين؛ أي إما اختيارات فكرية, أو مسبقات تصورية، من خلال انتمائه في التاريخ والجغرافيا, والمرجعية الثقافية الواعية أو المضمرة. وعليه فالاستقلالية، بنظري، وعلى هذا المستوى ليست مطروحة أبدا. أما إذا كان المقصود بهذا التحرر من الارتهان لمؤسسات سياسية, تريد أن تحور الفكر أو المجلة في اتجاه خدمة شعارات معينة، أو أنها ترتهن لخطاب مذهبي مغلق, يريد أن يروج عقائد خاصة تحت غطاء الفكر، فهذا ما أجزم أن قضايا إسلامية معاصرة بعيدة عنه؛ فالطريقة التي تطرح بها القضايا الفكرية, وانفتاحها على كتاب يختلفون جذريا في مداخلهم الفكرية والمنهجية, يؤكد ابتعاد المجلة عن كل ما هو تبشيري ودوغمائي، وإن كانت مرتهنة فلهم الأمة وهم الإنسانية, والبحث عن أفق أوسع للفكر الإنساني.
عبد العالي المتقي
أنا أعتقد أن استقلالية مجلة قضايا إسلامية معاصرة، أمر ظاهر, ولا يكاد يحتاج إلى برهان؛ فالمجلة تحتضن خطابا نقديا, هو في ذاته لايمكن أن ينضبط لمؤسسة مغلقة, أو لطائفة تبليغية، لاعتبار أن النقد وثقافة السؤال هما دائما ضد المؤسسات المستبدة, وضد الإطارات الطائفية, وضد الأنظمة المعرفية والأنساق الثقافية التي تختفي وراء الشعارات الدينية. أما ما يتعلق بالتهمة المذهبية في حق المجلة، فهي تهمة باطلة بنظري، وغير علمية، ولا تمتلك الأدلة الدنيا بل العليا لتأكيد ذاتها.
إبراهيم أمهــال
اسمحوا لي أن أبدي ملاحظة بسيطة ومختصرة، وأرجو ألا أكون قد سطوت على حق الآخرين في الكلام. إن الاستقلالية المطلوبة في مجال الفكر، هي، بنظري، الحد الأدنى من الشروط التي تتيح للفكر فرص النمو الطبيعي؛ وليست هي عدم الانتماء أو الحياد المطلق، فهذا أمر غير موجود أصلا؛ فقد تكون المجلة تابعة لمؤسسة أو مذهب أو فصيل... ولكن منطق الفكر الحر يتطلب حدودا معقولة من التفكير الصحيح، ولعل أهمها الاقتناع الراسخ بنسبيه التفكير ذاته، وطرح القضايا مع الاقتناع والقبول بمناقشتها أوردها من لدن الآخرين المختلفين؛ أي الاعتراف بالآخر الفكري، ثم الاستدلال الكافي على الدعاوى, وعدم الاقتصار على الكليشهات الوعظية العامة، ثم الاستعداد الكافي للمراجعة كلما ظهرت مبررات ذلك، هذا هو الحد الأدنى بنظري، لتأسيس فكر مستقل ومنتج وإيجابي.
محمد همــام
اسمحوا لي أن أقدم بعض التوضيحات؛ فقضية الاستقلالية في مجلة قضايا إسلامية معاصرة، قد تطرح للنيل من مصداقيتها, والتقليل من قيمتها الفكرية والنقدية، هذا إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية سلبية، أو بسوء ظن، والأمر وارد، بنظري. فالمجلة، كما ذكرتم، تتميز بنفس نقدي ربما شرس في مقاربة بعض القضايا الفكرية، كما أنها نشرت مواضيع لا أعتقد أن واحدة من المجلات الإسلامية المرتبطة بالتيارات الحركية والسياسية الإسلامية، قادرة على نشرها, أو حتى الاقتراب منها؛ مثل مقالات الذاتي والعرضي في الأديان، والصراطات المستقيمة، والخلاص من اليقين يقين بالخلاص، والأقلي والأكثري في الدين والفقه، وكلها لعبد الكريم سروش، أو مقالات مصطفى ملكيان حول التدين العقلاني، أو محمد مجتهد شبستري حول قبليات الفقيه وفلسفة الدين، أو تعقيبات الناقد سرمد الطائي... فهذه المقالات الهادرة والعميقة تمس بنى الأنساق الفكرية للإسلاميين, وعموم حملة الثقافة الدينية التقليدية. سواء كانوا شيعة أو سنة، فطبيعي أن تتهم المجلة, وأن تتعرض للتبخيس من لدن الإيديولوجيين، الذين لم يكونوا يوما ما منصفين، لان الإيديولوجيا بما هي وعي زائف، فهي دائما نقيض الفضيلة والعدل.
وعليه فليعلم القراء المغاربة أن هذه المجلة النموذجية يشرف عليها مفكر عراقي, إسمه عبد الجبار الرفاعي، تعرض للمطاردة والاضطهاد, ثم النفي في عهد الديكتاتور المهزوم صدام، ثم التجأ إلى إيران، وواصل نشاطه الفكري في الحوزة العلمية في قم. وإلى اليوم لا تتلقى هذه المجلة العربية الرصينة أي دعم رسمي من إيران، بل لا توزع في إيران، ولا تشتري منها الهيئات الثقافية الرسمية الإيرانية, ولو نسخة واحدة. بل اضطر عبد الجبار الرفاعي إلى بيع حوالي خمسة آلاف كتاب (5 آلاف كتاب) من خزانته الخاصة, لتغطية تكاليف التصفيف والطبع والنشر. ويقوم هو شخصيا بأعمال التحرير والتصحيح, بمساعدة أبنائه وزوجته، وقد حكت الزوجة المصونة والمناضلة أم محمد معاناة ذلك للأستاذة الدكتورة خديجة الفلالي، وفي الأمر تفاصيل عن معاناة الأخ عبد الجبار لتخرج هذه المجلة إلى القراء في هذا الشكل الأخاذ. وكتاب المجلة لا يحصلون على أية تعويضات, بل مقالاتهم مساهمة فكرية خالصة لوجه الله. وبمجرد ما سقط ديكتاتور بغداد سارع الرفاعي إلى تأسيس «مركز دراسات فلسفة الدين» في بغداد الذي أصبحت المجلة تصدر عنه، بما يبرز أن المجلة ومديرها يملكان قراراتهما, ويتصرفان بحرية واستقلالية.
أحمد اكنتيـف
لقد أصدرت مجلة قضايا إسلامية معاصرة إلى اليوم ستة وعشرين عددا (26), وحوالي إثنا عشرة ملفا (12)، كل هذا جعل مجموعة من المثقفين المغاربة ينسجون علاقات تفاعل وطيدة مع هذه الدورية, بتتبع جديدها, وقراءة ملفاتها, ومناقشة مضامينها ونقدها. ومما يجعلني، شخصيا، معتزا بالعلاقة مع هذه المجلة ــــ وقد سبقني المتدخلون إلى ذلك ــــ هو مساحة الحرية فيها؛ فقد تعودنا، سابقا، أن نجد المجلات التي تهتم بالقضايا الثقافية الإسلامية تصدر عن جهات تتوهم أن مشاريعها "جاهزة" والمجلة عندها ليست إلا أداة تبليغ للجاهز وتبشير به. أما مجلة قضايا إسلامية معاصرة فقد تخففت نوعا ما من هذه الخصوصيات الضيقة, وكذا من الرقابات الذاتية؛ فغالبا ما نجد أبحاثا ودراسات تعبر عن آراء مختلفة ومتناقضة، ينتقد بعضها البعض، بل يشتمه, كما وجدنا في بعض الحالات المحدودة جدا ! فالأقلام التي تظهر في المجلة لا تجمعها صحبة فكرية, أو رفقة تنظيمية, أو حتى رقعة جغرافية. بل يترك الأستاذ الرفاعي المجلة لكل صاحب رأي أو فكر ليعبر عنه ويدافع عنه؛ فنجد سلفية عمارة والعلواني إلى جانب منهجية الحاج حمد وإبداعية سروش... إن الحرية الفكرية والأكاديمية التي تشعرك بها مجلة قضايا إسلامية معاصرة هي نقطة قوة هذا المشروع الإعلامي وقيمته المضافة، أما المضامين فتقديرها نسبي, ويختلف فيه الناس. فقد لامست المجلة، بالفعل، مجموعة من الهموم الفكرية التي تقلق المثقف المسلم المعاصر، وخاصة فئة الشباب الناقد والثائر على التقليد والسلفية. لامست المجلة ذلك بغير وعظ ديني, ولا معرفة جاهزة, أو مقولات سطحية، بل نشرت دراسات متوترة تزيد القارئ حيرة, وتجعل همه الفكري وقلقه المعرفي يكبران، وهذا شرط أساسي لاستمرار البحث. بل إن بعض الأبحاث بعثرت أوراق التقليديين, وقلبت الطاولة عليهم، وأمثل، بدون حصر، بمقال عبد الكريم سروش "الدين أرحب من الإيديولوجيا" العدد 26؛ فقد خلخل ما أسسه شريعتي مثلا.
كما لايفوتني أن أشيد بشكل الإخراج للمجلة الذي تطور كثيرا، فأصبح ذا جمالية وجاذبية؛ إذ المواد مكتوبة بخطوط جيدة وترتيبها ملائم، مع تنوع في المادة بين الدراسة والبحث والحوار والندوة, وكذا المساحة المخصصة لمراجعة الأعداد السابقة، ويجب الانتباه فقط إلى التصحيح اللغوي، حتى لا تصبح الأخطاء اللغوية والمطبعية ظاهرة شائعة ومضايقة لفعل القراءة.
فريـد شـكري
إذا أردنا أن نجمع السمات المنهجية التي تتسم بها مجلتنا قضايا إسلامية معاصرة، من خلال ما ذكر، فإنه بنظري، يمكن الوقوف على ست سمات.
السمة الأولى: التدليل، أي الانشغال والاشتغال على الدليل الشرعي, ماهية واستدلالا واستشكالا ( تفسير القرآن، التعامل مع القرآن، التأويل...).
السمة الثانية: التحليل: أي تفكيك المفاهيم والمقولات, ودراستها ونقدها, وإعادة النظر فيها, من خلال الإطار التاريخي الذي أفرزها, والخلفية الفكرية والتصورية التي أطرتها (الفكر السياسي الاسلامي المعاصر، الفكر العربي المعاصر، الفكر الإسلامي المعاصر، المفاهيم الملتبسة...)
السمة الثالثة: التعليل: أي الوقوف على الحكم والمقاصد والعلل، باعتبار العقل الإسلامي عقلا غائيا مقاصديا (مقاصد الشريعة، فلسفة الفقه...).
السمة الرابعة: التكميل: أي سد الثغرات الفكرية والمنهجية في تراثنا الفكري، وتكميله بالمعطيات الجديدة، والأسئلة الجديدة، والأدوات الجديدة. (علم الكلام الجديد...).
السمة الخامسة: التفعيل: أي البحث الجاد والمضني عن كيفية تحريك هذا التراث الفكري لواقع الأمة, والمساهمة في عملية النهوض الحضاري.

السمة السادسة: التنزيل: أي مواءمة القضايا الفكرية المثارة مع واقع الأمة الإسلامية، تحقيقا لإجرائيتها وصلاحيتها ونجاعتها، وتقديم الحلول لمشكلات واقعية حقيقية, بعيدا عن التأملات النخبوية والتعالي أو الإغراق في مناقشة موضوعات هي أقرب إلى الترف الفكري والتعويض النفسي منها إلى هموم الأمة وآلامها وتطلعاتها.
إن هذه السمات الستة، أيها الإخوة، والتي تطبع مجلتنا بشكل بارز ورائع هو ما نفتقده في غيرها من المجلات الإسلامية الفكرية. إلا أن هذا التنويه بالمجلة وبأقلامها وموضوعاتها، لا يمكن فصله تماما عن طبيعة المشرف عليها وعن عقليته؛ فالدكتور الرفاعي، في الأول والأخير، هو مهندس موضوعاتها وملفاتها, والتي تتأثر بما يتسم به هذا المفكر الشجاع من انفتاح فكري, وتمكن مزدوج من العلوم الشرعية التراثية, وإطلاع واسع على العلوم الإنسانية والمناهج الحديثة، وكذا تميزه بالمتابعة الدقيقة للانتاجات الفكرية في العالم الإسلامي عموديا وأفقيا، بالإضافة إلى شبكة العلاقات الفكرية الواسعة التي تربطه مع أغلب رواد الإنتاج الفكري الإسلامي والإنساني، يضاف إلى ذلك خلقه الجم, وسعة صدره, وحيويته التي لا تنقطع.
مصطفى بوهنـدي:
اسمحو لي، أن أشير إلى قضية، هي بنظري مهمة، ذلك أن بعض المعترضين على المنهج النقدي الجديد في العلوم الإسلامية، ومجلة قضايا إسلامية معاصرة علامة بارزة على هذا التوجه النقدي، يرون أن البحث المعرفي في الشأن الديني لـه خصوصيات وخطوط حمراء لاينبغي تجاوزها، باعتبار أن البحث الديني متعلق بالدين, والدين يمس شعور الناس، ومنهم المسلمون؛ فهم مثلا يقولون، إن مجلة قضايا إسلامية معاصرة تتجاوز الحدود المرسومة في نقد المعرفة الدينية، مثل ما ينشره سروش وغيره من المفكرين النقاد. فبنظري، عندما نبحث في مجال الدين، فنحن نبحث في مجال الإنسان، لأن الدين هو اقتراح حلول لمشاكل الإنسان؛ والأنبياء إنما جاؤوا للإجابة عن أسئلة إنسانية كبيرة؛ والقرآن الكريم لايمنع السؤال الكبير، سؤال الوجود، وسؤال الله، وسؤال البعث والجزاء والعقاب، وسؤال السلوك في الحياة وغيرها.. فالدين، إذن، لا مشاكل لـه مع ثقافة السؤال، وكذلك الأنبياء والرسل، بل المشكل عند الناس لأنهم يريدون الحفاظ على مصالحهم بقمع السؤال ومحاربته؛ أما الدين فيقترح أجوبته ويصحبها ببراهين واستدلالات، ويعطي وقتا كافيا للاقتناع، إنه الحياة والعمر. فإذا كان هذا هو القرآن, وهو ينزل على محمد عليه السلام، وكان هذا منهج الوحي الذي تنزل على كل الأنبياء, من نوح وإبراهيم وموسى وعيسى والآخرين, ممن قصت علينا قصصهم، وممن لم تقص علينا قصصهم؛ فإذا كان السؤال ضروريا في عهد الأنبياء والرسل، فهو أهم في واقعنا الإسلامي المعاصر, والذي انسحب منه السؤال، وأصبح الاعتقاد أمر تسليميا وسلبيا، من خلال معلبات تقدم للناس في غفلة من عقولهم وعواطفهم, على أساس أنها العقيدة الصحيحة التي ينبغي الإيمان بها، دون بحث ودون سؤال. وأصبح السؤال في حد ذاته مرفوضا. إنها مفارقة عجيبة بين منهج قرآني اقتراحي، يعطي الحرية بشكل واسع, أي حرية السؤال الديني في أعمق مستوياته، وبين واقع إسلامي متخلف يغلب العقيدة، ويكره الناس على الايمان. إن المجلة الإسلامية الناجحة هي القادرة اليوم على تصحيح هذا الوضع الديني الخطير جدا، ثم القادرة على التأثير الإيجابي في الواقع الإسلامي المؤلم جدا. إن الايمان يحتاج إلى عملية تفكير وتعقل؛ والمجلة الإسلامية المؤثرة ينبغي أن تثير مسألة التفكير والتعقل في قضايا الإيمان. إن الدين لم يأت ليجيب عن أسئلة الايمان والكفر فقط؛ بل ليجيب عن أسئلة الحياة؛ فالدين، في معنى آخر، هو فن الحياة, وهذا الفن للحياة يقترحه الناس بطرق جديدة ومتنوعة, وبما يتناسب في كل مرة مع الحياة الجديدة. ولذلك، فالفن القديم للحياة لا يمكن أن يكون صالحا للحياة الجديدة التي نحياها اليوم. فلابد من تجديد الفن, واستيعاب مقتضيات الحياة والمناهج المعاصرة ومتطلبات الناس وتطلعاتهم, من آمال وأماني وأحلام وطموح وجمال وفنون وكل شئ.. فهل يستطيع الإسلام الذي يقدم للناس اليوم أن يكون في مستوى هذه الوظيفة الفنية والجمالية، وأن ينافس الاقتراحات الأخرى من دون إكراه ولا ضغط، وبما لا يضنك حياة الإنسان ويمنعه من ممارسة إنسانيته كما أرادها الله تعالى، أم لابد أن يلعب الدين دور الشرطي الذي يحرم الإنسان من رغباته وأمانيه. إن نجاح المجلة الإسلامية هو في إثارة هذا الشغب الفكري، هو هذه القضايا وغيرها، وإحداث زلزلات من زوايا مختلفة وفي قضايا معينة. ثم يأتي دورها الآخر في الانفتاح على أهل الأديان والمذاهب والعقائد الأخرى، ليسمعوا آراءنا واقتراحنا، ثم نقل آرائهم واقتراحاتهم إلى القارئ المسلم؛ فكثير من القضايا المعاصرة هي قضايا إنسانية تهم أهل المذاهب والعقائد الأخرى كما تهمنا، ثم إنها مدخل للتعارف والتواصل بين الناس، مصداقا لقولـه تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".
محمــد همـام
أيها الأساتذة الأفاضل، باسم الاخ الدكتور عبد الجبار الرفاعي، المدير المسؤول عن مجلة قضايا إسلامية معاصرة، أشكركم على مشاركتكم في هذه الندوة ، وأرجو أن نكون جميعا، قراء ومهتمين بالشأن الديني والفكري، سفراء هذه المجلة المتميزة في مدننا ومؤسساتنا, والسلام عليكم.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !