مواضيع اليوم

ندوة تحديث التفكير الديني - المحور الأول: المجلات الفكرية والتكوين الذاتي

مولاي محمد

2010-08-30 16:17:00

0

ندوة تحديث التفكير الديني

المحور الأول: المجلات الفكرية والتكوين الذاتي

كيف تنظرون إلى واقع المجلات الفكرية بالمغرب، وهل مازالت هناك حاجة إلى هذا النوع من المجلات، وماهي خصوصيتها؟
محمـد همــام
اسمحوا لي أيها الأساتذة الأفاضل أن أبدأ الكلام لكسر جدار الصمت الطبيعي في بداية هذه الندوة؛ فإنا نميز أولا المجلات الفكرية عن المجلات المتخصصة؛ كالمجلات الأدبية، أو العلمية التي تهتم بقطاع علمي محدد, كالبيولوجيا, أو الفيزياء أو الرياضيات، أو بمجال خاص، كالصحة، أو البيئة, وغيرها.. كما نميز المجلات الفكرية عن المجلات الثقافية العامة, والتي هي في الحقيقة مجلات حائطية فيها أبواب ومحاور كثيرة، تحتوي على قضايا متداخلة ومكرورة، لا تخضع في الغالب لأي تنظيم أو خطة أو تصور.
أما المجلات الفكرية فهي بنظري، فوق التي ذكرت وأجود منها، وأغزر من حيث المضامين، وهي دون الكتاب بقليل؛ بمعنى أن المجلات الفكرية نطالع فيها دراسات تحليلية لقضايا ومحاور محددة جدا؛ ففي مجلة قضايا إسلامية معاصرة، مثلا، وهي مجلة فكرية نموذجية، نطالع مادة وافية حول: فلسفة الفقه ومقاصد الشريعة، والتعددية والاختلاف، وقضايا التأويل، والتحيز والتمركز في المعرفة, وغيرها.. فالمقال في المجلة الفكرية هو في أصله دراسة تحليلية موثقة ومستفيضة، ولهذا أقول: إن المجلات الفكرية النموذجية لا تقل أهمية عن الكتاب. فلا بد للمثقف الذي يسعى دائما إلى تطوير إمكاناته الفكرية, وخبراته المعرفية والنقدية، أن يكون متابعا لهذه المجلات الفكرية. أما عندنا في المغرب، فللأسف، لا تكاد توجد مجلة فكرية في مستوى "قضايا إسلامية معاصرة"؛ بل هناك، فقط، مجلات تصدر بحسب نشاط الوزارة أو الهيئة الرسمية التي تحتضنها، وكثيرا ما تكون الأمور موسمية، وتتأثر بمعطيات خارج الهم الفكري, والخدمة المعرفية؛ فإذا استثنينا مجلة "المنعطف" التي تصدر بمدينة وجدة في ظروف صعبة, ويشرف عليها المفكر الشاب د. مصطفى المرابط، ومجلة «فكر ونقد» التي يشرف على تحريرها الدكتور محمد عابد الجابري، ومجلة «المناظرة» المتوقفة للأسف، وكان يشرف على تحريرها الدكتور طه عبد الرحمن، فإن الوسط الفكري الإعلامي المغربي مازال يفتقد لمجلات فكرية محكمة؛ فأغلب المجلات الفكرية التي تنتشر اليوم في السوق المغربية تأتي من الخارج؛ من أمريكا, أو أوروبا, أو الشرق العربي, ومن ماليزيا. هذا في الوقت الذي يحتل فيه الفكر المغربي مكانة متقدمة، ويتوفر على مفكرين مبدعين، للأسف ذاع صيتهم خارج المغرب أكثر، وهذه مفارقة لابد من تداركها.
إبراهيم أمهــال
لابد من معالجة مشكلة الفكر في حد ذاته قبل الحديث عن دور المجلات الفكرية؛ فلقد كانت هناك مجموعة من المجلات سابقا، ارتبطت بموجات فكرية تاريخية، واستطاعت أن تخوض نقاشا عميقا, وأن تضيف الجديد، مع تقدير الفارق التاريخي بالطبع، بل وثقت تلك المجلات الهموم الفكرية لجيل بأكمله, وأرخت نقاشاته، وهنا نستحضر تجربة مجلة "المنار" في مصر، والتي يمكن العودة إليها اليوم كأرشيف لحركة النهضة العربية.
وهناك مجلات فكرية أخرى ارتبطت بالقبائل الإيديولوجية التي كانت سائدة في العالم العربي، والمغرب كان واحدا منها؛ مثل مجلة "الوحدة" التي كانت تصدر في الرباط، وكانت تعبر عن الفكر العربي القومي عموما، ومجلات أخرى ارتبطت بالمد الإسلامي, وغيرها.. ولكن انحسار المد الإديولوجي، وضمور دور المفكر الذي كان مرتبطا بمشروع الدولة القطرية، جعل وضعية الفكر في حد ذاته في مأزق. فإذا كان الفكر الماركسي العربي، مثلا، وهو من إنتاج نخبة من المثقفين العرب، قد استطاع أن يوجد له أرضية شعبية من خلال تحويل الفكر إلى إديولوجيا تقدم للجمهور، فإنه لم يستطع أن يخلق تقاليد تفكير لدى هذا الجمهور، وانحصر الأمر في التعبئة من خلال صدى تلك الأفكار, ومدى ارتباطها بمجموعة من المطالب اليومية للناس مما يحسون به، ولا يفهمون من الفكر الماركسي الكلي إلا حاجتهم؛ من معاش وشغل ومساواة... والشئ نفسه بالنسبة للتيار الإسلامي الذي لم يكن جمهوره يهمه النقاش والتجديد الفكري بقدر ما يطلب ما يوفر له العودة إلى هوية تحتضنه ويعوض بها غربته الحارقة. ووقع الأمر نفسه بالنسبة للمد القومي، ولو أنه لم يكن جماهيريا بما يكفي، ولكنه ارتبط في لحظة ما بمشاريع دول مثل الناصرية, وأحزاب البعث. والآن انكسرت هذه الأصنام الإيديولوجية، وأصبح مأزق المثقف العربي أنه فقد أرضيته الإيديولوجية, ثم فقد ارتباطه بالجمهور؛ لأنه لم يستطع أن يجدد فكره, ولا أن يحول هذا الفكر بالطريقة السابقة إلى خطاب جماهيري. إنها لحظة تحول عميق عند المثقف الذي يعيش التيه. هذا التيه تجسده حالة الانكفاء على الذات, أو حالة الارتهان لمشاريع العولمة المتوحشة, والتطبيل للانفتاح والتنكر لكل الماضي النضالي. والحالة نفسها أصبح يعيشها الجمهور, وتجسدها السلبية والاستهلاك اليومي. في هذه النقطة بالضبط بدأ تحول آخر في اتجاه معاكس, وهو تحول الفكر إلى قضايا ومشاريع مجتمعية, ولكن ليس عبر قناة الإيديولوجيا ولكن عبر ما يمكن أن نسميه، مع تجوز في التعبير، حالة التنوير بالمفهوم الكانطي؛ فكانط يتحدث عن التنوير, أي تحويل فكر العالم إلى فكر جماهيري، ولكن ليس بالطريقة التعبوية، أو عبر ترويج الشعارات والآفاق الواعدة الوهمية، بل عبر رفع سقف النقاش وتأهيل الجماهير، والرفع من إيقاع عمليات الإدراك والوعي الجماهيري؛ عندها تصبح الجماهير طرفا فاعلا في النقاش, وليست قطيعا يتلقف جمل وعبارات الزعماء, ويوظفها في حركات احتجاجية تخدم المثقف ومشروعه بالدرجة الأولى. فالوعي بهذه اللحظة، أي التحول من الإيديولوجيا إلى التنوير هو المسؤولية الحقيقية للمجلات الفكرية النموذجية, مثل قضايا إسلامية معاصرة، أي تكريس الخطاب التنويري، مع تقدير السياق التاريخي المحدد جدا لمصطلح التنوير، ومن ثمة إشراك أكبر قاعدة في نقاشات المفكر وهمومه وقلقه.
فريـد شكـري
إذا أردنا أن نصنف الإنتاج الفكري عامة، كتبا أو مجلات أو مقالات، من حيث الجودة، فإنه لا يخرج عن أحد الأصناف الثلاثة التالية:
1- الإنتاج الجيد وهو الذي تبتدئ في قراءته عندما تنتهي من قراءته.
2- الإنتاج المتوسط وهو الذي تنتهي من قراءته عندما تنتهي من قراءته.
3- الإنتاج الردئ وهو الذي تنتهي من قراءته عندما تبتدئ في قراءته.
وأغلب الإنتاج الفكري الذي يغمر الساحة الثقافية في أحسن الأحوال، من النوع الثاني وبعضه من النوع الثالث، ولكن القليل النادر هو الذي يكون من النوع الأول.

ومجلة قضايا إسلامية معاصرة، من وجهة نظري، ومن دون مبالغة، وبحكم متابعتي المستمرة لما يصدر في العالم العربي والإسلامي مما يتعلق بالفكر الإسلامي، هي من النوع الأول الرفيع, والذي تعاود قراءته كلما انتهيت منه نظرا لطبيعة القضايا الإسلامية المعاصرة التي تعرضها للنقاش والبحث والسؤال. ومجلة قضايا إسلامية معاصرة وفية لعنوانها إلى أقصى الحدود؛ فهي تطرح قضايا إسلامية معاصرة، وتعالجها بآليات معاصرة، وتطرح قضايا قديمة من منظور معاصر، وهذا ما يضفي عليها المعاصرة بجدارة واستحقاق, بالإضافة إلى ذلك فهي تثير الهموم الثقافية التي تشغل العقل الإسلامي المعاصر، بدءا من النص القرآني وكيفية التعامل معه، ومرورا بتجديد الفقه الإسلامي واكتناه فلسفته ومقاصده، وانتهاء إلى تجديد الكلام في علم الكلام.
وفي بعض محاور المجلة، قد يبدو لأول وهلة أنها مكرورة ومستهلكة، ولكن الحقيقة أن المجلة أحيت البحث في هذه القضايا الإسلامية بشكل مبدع وناقد، يتجاوز المعالجات التغريبية بالمناهج الغريبة والمنبتة على المجال التداولي للمعرفة الإسلامية، والمسكونة بالتحامل والتعسف، كما تجاوزت المعالجات التراثية السطحية، بخلفياتها التمجيدية والدفاعية والاجترارية.
وإن الإضافة النوعية، أو القيمة المضافة لمجلة قضايا إسلامية معاصرة، انفتاحها انفتاحا كليا غير مشروط على المدارس الفكرية أو الطائفية المختلفة، وعلى كل انتاجاتها المتسمة بالعلمية والمنهجية والجدية الفكرية.
عبد الله الهــداري
بالنسبة للسؤال الأول، أعتقد أن مجلة قضايا إسلامية معاصرة تشكل نموذجا ناجحا للمجلة الفكرية ذات البعد التعددي؛ فالمجلة تخرج القارئ من حالة الأحادية والتنميط؛ من خلال المزج التلقائي والمنهجي بين المعرفة الدينية والعلوم الإنسانية. وهذا المزج يلغي حالات التضاد التي اصطنعت بين العلوم الدينية والعلوم الإنسانية, مما كرسته المجلات التبشيرية والطوائف المتعددة. إننا نكاد نلمس في مجلة قضايا إسلامية معاصرة وعيا نظريا ومنهجيا بضرورة التكوين التداخلي للمثقف الديني المعاصر، وكذلك التكوين النقدي التساؤلي؛ فالمجلة تستشكل قضايا دقيقة, وتطرح أسئلة متعمقة من خلال الدراسات التي تنشرها. كما أنها تطرح أرضية أولية لمجموعة من المشاريع الفكرية الناقدة، وتعمق طرح السؤال، أما الجواب فيبقى دائما مؤجلا، بل لا تكاد تلقي له بالا ! فالزمن زمن السؤال والنقد قبل أي شئ آخر.
محمد الإسماعيـلي
بالنسبة لي، فمجلة قضايا إسلامية معاصرة تفتح آفاقا جديدة للمثقفين الدينيين، وكل أعدادها هي أوراش فكرية ونقدية في مواضيع مازالت بكرا؛ كفلسفة الفقه, والهرمينوطيقا، أو أبحاث المفكر المبدع عبد الكريم سروش؛ أبحاث تنمي في القارئ ملكة السؤال وموهبة النقد، والجرأة على تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها ثقافة النسق المخاصمة للتفكير والسؤال. وللأسف فالمثقف المغربي، بنظري، مازال لم يتعرف بما يلزم، على هذه المجلة المحكمة، وذلك لهيمنة المجلات الإيديولوجية، ولما يبثه بعض المتعصبين المذهبيين من نعوت في حق المنابر المخالفة. وأعتقد أن رواد وقراء هذه المجلة المحكمة تقع عليهم مسؤولية التعريف بها وبكتابها وقضاياها الفكرية الجريئة وسط المثقفين الباحثين والطلبة المغاربة.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !