مواضيع اليوم

نداء سلام من أجل السلام في جزيرة السلام

حسين جلبي

2012-12-05 11:33:07

0

 وقف الكُرد في مواجهة النظام السوري عندما كان هذا في أوج قوته فدفعوا لذلك ثمناً باهظاً، لم يكن ذلك منذُ بدء الثورة السورية فحسب بل قبلها بكثير، فقد كانت روح المقاومة التي يحملها الكُردي تمنعه من التفكير في ميزان القوى، لكنها جعلتهُ عاجزاً كذلك عن التفكير في الإلتفاف على عقوبات النظام الفردية و الجماعية و إجراءاته العنصرية التي كادت في الفترة الأخيرة و بسبب نوعيتها و شراستها و فرادتها أن تودي بوجوده لولا إشتعال الثورة التي أجبرت النظام على وقف بعض إجراءاته و التراجع عن بعضها الآخر.

اليوم، عندما أصبح النظام على شفا الإنهيار، و لاحت في الأفق بوادر إنتصار الثورة، و أصبح الجيش الحُر يمتلك من القوة ما جعلهُ في وضعٍ يسمح له بإسقاط النظام رغم جبروته و الدعم المباشر و اللامحدود الذي يتلقاه من أشرس القوى الدولية مثل روسيا و الصين و إيران و نظام المالكي و حزب الله، يحاول البعض أن يُظهروا الكُرد و كأنهم ضد الثورة و في مواجهة جيشها الحُر و ذلك تحت ذرائع شتى ليس المقام هنا لمناقشتها، دون التفكير في الأثمان التي ستترتب على ذلك.

لقد أحسن الكُرد الظن بالنظام على مدى تاريخه الأسود معهم، فرغم حرب الإبادة القومية التي كان يشنها عليهم إلا أن عواطفهم لم تصدق يوماً ما تراه أعينهم و تلمسه أيديهم من شرٍ يوقعه عليهم، و ظلوا يتأملون فيه خيراً حتى و هو يطلق النار عليهم متوهمين أن ذلك و مثلهُ إنما هو مجرد أحداثٌ عَرضية من فعل موظفين محليين لا تعلم قيادتهم عنها شيئاً، و كانوا يحلمون دائماً بإنهم سيستيقظون ذات صباح ليجدوا كل ذلك و قد زال.

لكن الكثير من الكُرد بالمقابل أساؤوا الظن بالثورة عند إنطلاقتها و قابلوها بالشكوك و التوجس رغم وضوح ما دعت إليه و رغم أن معظمهم كان ينتظرها و شارك في فعالياتها و رغم أن الشعب الكُردي أول المستفيدين منها، تجلى ذلك بوضوح في عدم الإتفاق مع المعارضة السورية و عدم التوقيع معها على مشاريع مؤقتة و مبادئ عامة كانت ستذهب حتماً مع النظام، و ذلك بسبب التوقيت السئ الذي إختاروه لطرح مشاريع تطالب المعارضة، التي لا تملك من أمرها شيئاً، بأمور لم يتجرأ أحد في مجرد التفكير بها أمام النظام.

للأسف الشديد كان هذا شأن الطبقة السياسية التي نجحت في جر آخرين للدوران في فلكها.
لكن الطامة الكبرى كانت في الطبقة المثقفة التي راهن عليها شعبنا كبديلٍ عقلاني ممكن لتلك الصدأة، إلا أن هذه الأخيرة سرعان ما إنتشت عصبيتها و هي تشرب حبر أقلامها لتعود و تستعملها كعيدان فارغة رخيصة في قرع طبول الحرب و الدعوة للتحشيد في سريه كانيه بعد أن شوحت بأورقها جانباً لتكشف عن معدنها الحقيقي.

إن جبهة سريه كانْيه التي تشهد اليوم حشوداً لن تكون مفتاحاً لنيل الحقوق الكُردية حتى لو كسب الكُرد معركتها، لأن الرابح في هذه المعركة خسرانٌ حتماً، فبصرف النظر عن الأرواح الغضة التي ستزهق دون مبرر و المدينة التي ستدمر، فإن المعركة ستكون بمثابة الشرارة التي ستشعل المنطقة و ستفتح عليها بوابةً الجحيم التي يستحيل إغلاقها لسنين و عقود قادمة، فالنتائج لن تقتصر على سريه كانْيه مهما كانت نتائج معركتها، إذ لن يقتصر الأمر على بضعة ضحايا سيتم دفنهم و عدة بيوت سيتم ترميمها، بل ستعم المناطق الكُردية حربٌ أهلية سنشهد فيها تطهير عرقي و مجازر و أعمال إنتقام متبادل و قتلٍ على الهوية و خطفٍ للمدنيين و إغتصابٍ للنساء، و لا يُستبعد أن يكون هناك ما يشبه هجرة مليونية كُردية لا أحد يعلم إلى أين، و إذا ما حصرنا الأضرار في حدودها الدنيا فإن من سيسقط من الطرفين لن يسكت أقربائهم عن دمائهم في هذه البيئة العشائرية التي لم تحل فيها بعد قضايا ثأر حدثت منذ عشرات السنين.

المعارك التي تجري في سوريا اليوم هي كما نعلم بين كتائب النظام و قوات الجيش الحر بمختلف توجهاته التي يصل بعضها للأسف حد التطرف بشقيه القومي و الديني، ليس من مصلحة الكُرد الإنضمام إلى المعارك كقوة ثالثة، فكيف بمحاربة الجهتين معاً كما يزعم البعض، إن قتال من دخل سريه كانْيه الآن و مهما كانت تسميته يُضعف الكُرد و يكلفهم خسائر مجانية مادية و معنوية ليسوا بقادرين على تحملها أو تعويضها، و هي تصب أولاً في مصلحة النظام و فيما بعد في مصلحة أعداء الكُرد، و قد شهدنا كيف توقفت مقاتلات النظام عن قصف المدينة الكُردية و نأت قواته بنفسها عن القتال فيها عندما وجدت من هو مستعد للقتال عنها، سواءٌ أكان ذلك بتدبير منه أو تم ذلك (عفوياً).

الأكيد أن هناك طريقة أُخرى غير الرصاص يجب البحث عنها و سلوكها للخروج بحلٍ يرضي الجميع و يحفظ دمائهم و كراماتهم، إن سريه كانْيه ليست دولة معادية ليتم كل هذا الحشد للهجوم عليه، كما أنها ليست الجبهة الأمامية في دولة كُردية مستقلة ليتم كل هذا الإستنفار للدفاع عنها مهما كان الثمن، يجب أن يراعي الحل المنشود أن سريه كانْيه مدينة سورية يسري عليها ما يسري على المدن السورية الأخرى مع الأخذ في الإعتبار أهميتها من عدمه في الصراع لأجل إسقاط النظام و كذلك ما يمكن أن يلجأ إليه هذا الأخير في إكمال تدميرها إذا ما دخلها الجيش الحر، و مراعاة ما تقوم به من دور إغاثي للنازحين إليها من المناطق السورية. 

 إن مواجهة المجموعات المسلحة مهما كانت تسميتها و حقيقتها لا يتم بقذف أهلنا في محرقتها و لا بجعل بيوتنا في مرمى نيرانها، و هو الأمر الذي سيسعد النظام و كل متربص بالكُرد بشكلٍ خاص و بجميع أبناء المنطقة، لنلقي جميع الإتهامات التي قيلت جانباً، و لنوقف حملة الشحن التي بدأت تفرز مشاعر كراهية بين مكونات الجزيرة السورية، و لنفكر مع شركائنا  فيها في حلٍ مشترك يرضينا جميعاً.

الحريق في بيتنا، من مصلحتنا نحنُ إطفائه، يجب أن تكون الأولوية لإطفائه، و ليس لسكب المزيد من الزيت عليه.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !