أخيراً، بعد طول عربدة، في مناطق كُردية مختلفة، من قِبل شبيحة الشبيحة، أصدر المجلس الوطني الكُردي السوري بياناً لا لون له و لا طعم و لا رائحة، إذ ليس فيه أي تشخيص و بالتالي علاج، للجرائم التي يقوم حزب (الإتحاد الديمقراطي) بإرتكابها في وضح النهار بحق الكُرد السوريين، و هو ما لم يجرؤ النظام السوري نفسه على القيام به حتى الآن.
تُرى ما هو الحل الذي قدمه المجلس المبجل، الذي يقدم نفسه كممثل شرعي وحيد للشعب الكُردي في سوريا، في نداءه العتيد؟ و قبل ذلك ما هو تشخيصه السليم للحالة؟ يقول النداء أن (الحركة الإحتجاجية التي شهدتها المناطق الكردية في سوريا اتسمت بالطابع السلمي و الحضاري منذ البداية و لا تزال، إذ لم تشهد هذه المناطق أية توترات تذكر و كان ذلك مثالاً و نموذجاً حضاريا انتهجته حركة التظاهر في هذه المناطق)، هل يعني ذلك، و بالمفهوم المعاكس، أن السبب في التوترات التي تشهدها المناطق الأُخرى، هو أن الحركة الإحتجاجية هناك لم تكن تتسم بالطابع السلمي و الحضاري؟ أليست المسألة برمتها تتعلق بسياسة النظام في توتير بعض المناطق دون غيرها، و قتل الناس هنا و الإكتفاء بفض تظاهراتهم هناك، أم أن النظام نصف ديمقراطي، بحيث يتقبل الشعارات المطالبة بإسقاطه و يطرب لإلحانها في مكان، و يرفضها في آخر.
يعتبر المجلس الوطني الكُردي في بيانه ما شهدته عفرين و حي العنترية (مجرد توترات و إعتداءات من قبل بعض الشباب)، و هنا يتساءل المرء: من هم هؤلاء الشباب؟ هل نزلوا من الفضاء؟ لماذا لا يقوم المجلس بتسميتهم؟ هل تخافون أيها السادة من حزب (الإتحاد الديمقراطي) من أن يقوم بالإعتداء عليكم، و ضربكم، و ملاحقتكم حتى في المستشفيات و البيوت كما فعل بالمتظاهرين الكُرد، و ذلك في نسخة طبق الأصل عما يفعله (الشبيحة الأصلاء) في باقي سوريا، أم أنكم أحسن من الشبان المعتدى عليهم، و من طينة أخرى غير طينتهم، مهمتكم هي فقط إستثمار عرقهم و دمائهم؟ لماذا لا تقولون بأن هؤلاء الشبان هم أعضاء في حزب العمال الكُردستاني، و بأن ما يفعلونه هو سياسة ممنهجة و ليست حادثاً عرضياً، لماذا لا تذكرون بأن هؤلاء يقومون بتنفيذ سياسة حزبهم التي هي توجيهات من النظام السوري لمنع خروج الكُرد في مظاهرات تدعو لإسقاطه؟ لماذا تقومون بإختيار قضايا غير مُكلِفة لكم، فتتناولونها بالبحث و التنظير بعيداً عن الواقع، لماذا لا تخصصون بعض وقتكم الثمين للثورة السورية و المساهمة فيها، بدل إنتظار إنتصارها، و إشغال أنفسكم إلى ذلك الحين في الدخول في جدل سفسطائي مع من لا يملك ـ ربما مثلكم ـ سوريا المستقبل، عن تقاسم الكعكعة، و الدخول معهم، و كذلك بين بعضكم البعض، في صراعٍ و مزايدات عن الثوب الذي يناسب الشعب الكُردي: هل هو فدرالية أم كونفدرالية، حكم ذاتي أم لا مركزية أم إستقلال، ماذا لو لم يسقط النظام ـ لا سمح الله ـ ما هو مصير مطالبكم ـ المحقة ـ بالتأكيد؟ هل تمتلكون حينها الشجاعة التي يمتلكها من ينزل إلى الشارع اليوم، و مستعدون لمواجهة النظام بشأن تلك المطالب؟ أم أنكم ستعودون بنا إلى المربع الأول.
لا يكفي ما أبديتموه في بيانكم من إدانة لما أسميتموه بالأعمال اللامسؤولة، كان يجب أن تمتلكوا الشجاعة، و تقوموا بتسمية المعتدي و من ثم إدانته، و ذكر أعماله و إدانتها، و من ثم وضع خطة عملية لإحتواء الموضوع من خلال التواصل معه لمنع تكرار إعتداءه. و من جهة أخرى تبدو مناشدتكم كافة (أبناء شعبكم بالإبتعاد عن مثل هذه الأعمال) و كأنها مساواة سقيمة بين الضحية و الجلاد، لأن مناشدتكم يجب أن توجه إلى جهة واحدة معروفة لكم، و هنا يثور السؤال فيما إذا كنتم قد سرتم خطوة نحو من المعتدى عليه، و قمتم بمواساته و التخفيف عنه.
لكن قمة السخرية هو ما جاء في ختام النداء، و هو أن المنادين يهيبون بكافة الجهات الكُردية في الشارع إلى (ضبط النفس... و بالعمل على إيجاد آليات الاتفاق و التوافق و العمل على توحيد الصفوف سواء على المستوى السياسي أو في الشارع خدمة لصالح الوطن و مصالح الشعب الكردي العليا)، و هنا أسأل المجلس: أين دورك في العملية برمتها، إذا كانت الجهات الموجودة في الشارع هي التي ستقوم بعد سماع (تهييبكم) العظيم بالعمل على إيجاد الآليات للإتفاق و التوافق و العمل على توحيد الصفوف على المستوى السياسي و في الشارع فلماذا أنتم موجودون أصلاً، و لماذا خلقكم رب العالمين و جعلكم أولياء أمرنا؟ ألا يدرك الناس ما تفضلتم به بالحاجة إلى وجود آليات لمعالجة المشكلة، إذا لم تكونوا تمتلكون الآلية أو تعجزون عن إيجادها، فلماذا وجودكم أصلاً؟ لماذا لا تنزلون إلى الشارع لمعالجة مشاكله بدلاً من طرح نداءكم بهذه الفوقية، هذا النداء الذي يبدو بأنه جاء فقط بعد أن وصلت أخبار التشبيح الكُردي إلى وسائل الإعلام في جهات الأرض جميعاً، و ربما أيضاً بناءً على ما ورد في تلك الوسائل فقط قمتم بإصدار النداء لرفع العتب عن أنفسكم، إذا كنتم تعجزون عن حل مثل هذه المشكلة و هي لا زالت في بدايتها، و هي خطيرة بالمناسبة، فكيف إذا تفاقمت لا سمح الله، و كيف ستحكمون فيما بعد ـ بعد عمرٍ طويل ـ دولةً أو إقليماً؟
لست أدعو للمواجهة، بل إلى وضع الطرف الآخر في صورة ما يفعله، إذا لم يكن مدركاً لعواقب أفعاله، و من ثم معالجة المسألة بحكمة، قبل أن تقول القامشلي: (سَقطتُ يوم سَقطتْ عفرين).
نداءي للمجلس المبجل، إذا كان بصدد إصدار نداءٍ ما، أن يبذل في المرة القادمة جهداً في كتابته، أو يستعين بكاتب خطابات معقول المستوى، حتى يجئ محبوكاً أكثر، لأنه بهذه الصيغة، ليست له حتى أية قيمة لغوية، أم أنه يظن، بأنه بهذه اللغة الخشبية قد أضاع المعتدي، و أحرجه، و جعله يشعر بالندم، و بالتالي حل الأشكال، و سيخرج الجميع في المرة القادمة للتظاهر، و هم ينشدون نداء مجلسهم الحبيب.
التعليقات (0)