نخوة الحصى
شعر / سامي القريني
فِلِسْطِيْنُ أَرْضِيْ وَالضَّحَايَا بِهَا أَهْلِي
فَلا أَضْلُعِيْ ضَاقَتْ وَلا نَاءَ بِيْ حِمْلِي
وَهَذَا أَنَــــا قَلْبِيْ غَــــدَا حَارِساً عَلَى
حُدُوْدِكِ، فَامْضِيْ بِيْ وَلا تُكْثِرِيْ عَذْلِي
حَمَــلْتُكِ يَـــا بِنْتَ السَّــمَــــــاءِ مَدِيْنَةً
بِصَدْرِيْ، وَبَعْضُ الْجُرْحِ أَقْسَى مِنَ القَتْلِ !
حَمَلْتُكِ أَشْـــــــــلاءً... حَمَلْتُكِ أَدْمُعاً
حَمَلْتُكِ فَجْراً كَــمْ تَوَضَّأَ بِالْفُلِّ
وَكَانَتْ عُيُوْنُ الشَّمْسِ تُرْخِيْ جُفُوْنَهَا
تُكَحِّلُهَا الأَيَّامُ بِالْمَوْتِ لا الكُحْلِ
وَكَانَتْ شَبَابِيْكِيْ تُطِلُّ عَلَى غَــــــد
يَتِيْمٍ، وَكَانَ البَابُ يِبْكِيْ عَلَى قُفْلِي
حَمَلتُكِ وَشْماً فِيْ عِظَامِيْ لِحَدِّ أَنْ
تَفَجَّرْتُ مِنْ فَرْطِ الْمُرُوْءَاتِ وَالنُّبْلِ
وَعَتَّقْتُ أَوْجَاعِيْ شُهُوْراً، وَإِنَّنِيْ
نَضَجْتُ نُضُوْجَ التَّمْرِ فِيْ رَحِمِ النَّخْلِ
وَعَاقَرْتُ كِتْمَانِيْ كَأَنْ لَمْ أَفِضْ أَسَىً
وَأَمْسَى فَمِيْ حُرّاً بَلِيْغاً بِلا مِثْلِ
وَذَاكَ لأَنِّيْ لَمْ أُزَوِّرْ حَقِيْقَتِيْ
فَقَدْ كَانَ صِدْقِيْ فِيْ يَدِيْ دَائِماً نَصْلِي
فَلَمْ أَمْتَشِقْ سَيْفاً سِوَى الْجُوْدِ مُكْرَماً
وَلَمْ تَغْتَرِف ذَاتِيْ مِنَ اليَأْسِ وَالبُخْلِ
وَلَكِنَّهُ شِعْرِيْ، وَزَهْوُ عُرُوْبَتِيْ
وَهَذِيْ حُرُوْفِيْ فَاسْأَلِ الآنَ عَنْ أَصْلِي !
فِلِسْطِيْنُ بَيْتِيْ، مَبْدَئِيْ، وَعَقِيْدَتِيْ
وَمُشْكِلَتِيْ حَتَّى وإِنْ خَانَنِيْ حَلِّي
بَرَاكِيْنُ هَذِيْ الْحَرْبِ غَطَّتْ سَمَاءَهَا
وَغَاصَ احْمِرَارُ الدَّمْعِ فِيْ لَيْلِهَا الكُحْلِي
وَكُلُّ دَمٍ فِيْـهَا أُرِيْــــــــــقَ حَمَلْتُهُ
بِشِرْيَانِ قَلْبِيْ، فَهْوَ فِيْ دَاخِلِيْ يَغْلِي !
وكـــلُّ دَمٍ قَدْ سَالَ فَوْقَ رِمَالِهَا
سَيُنْجِبُ شَعْباً بَعْدَ حِيْنٍ مِنَ الرَّمْلِ
كَأَنْ طِيْنَتِيْ قَدْ شُكِّلَتْ مِنْ تُرَابِهَا
فَلَوْ قَتَلُوا طِفْلاً... تَحَسَّسْتُنِيْ كُلِّي !
بَلَى هِيَ أَرْضٌ كَوَّرَ اللهُ عِزَّهَا
وَأَجْرَى بِهَا نَهْرَ النُّبُوْءَاتِ فِيْ الرُّسْلِ
فَلَوْ رَاوَدَتْنِيْ الْمُفْرَدَاتُ بِوَصْفِهَا
لَقُلْتُ لأَشْعَارِيْ بِمِحْرَابِهَا : صَلِّي !
فَإِنِّيْ تَنَاقَضْتُ اشْتِيَاقاً وَلَوْعَةً
وَبَعْضُ جُنُوْنِ الشِّعْرِ تَنُّوْرُهُ عَقْلِي
كَفَى... حَرِّرُوْنَا مِنْ تَقَالِيْدِ أُمَّةٍ
مَشَتْ فَوْقَ ذِكْرَاهَا جُيُوْشٌ مِنَ النَّمْلِ
إِذَا كَانَتِ الأَيَّامُ تُنْضِجُ مَوْتَنَا
فَمَا حَاجَةُ الدُّنْيَا لِنَزْدَادَ فِيْ النَّسْلِ ؟
شِعَارَاتُنَا عَارٌ، وَأَحْلامُنَا دَمٌ
وَأَصْوَاتُنَا تَعْلُوْ نَشَازاً بِمَا يُبْلِي
فَمَاذَا جَرَى ؟ دَارَتْ بِنَا الأَرْضُ دَوْرَةً
وَسِرْنَا إِلَى الْمَجْهُوْلِ فِيْ مَرْكَبِ الْجَهْلِ !
مَضَغْنَا مَآسِيْ العُمْرِ حَتَّى رَضِيْعُنَا
يُغَنِّيْ، وَفِيْ أَعْمَاقِهِ حَسْــــرَةُ الكَهْلِ
فَهَلْ كَانَتِ الدُّنْيَا بَغِيّاً أَمَ اَنَّنَا
بَحَثْنَا لَهَا - بِاسْمِ السِّيَاسَةِ - عَنْ بَعْلِ !
هُمُوْ أَجْمَعُوْا أَلاّ يُوَحِّدَ دِيْنَنَا
شِعَارٌ، وَعِشْنَا الدِّيْنَ وَهْماً بِلا شَكْلِ
فَفِيْ أَيِّ مَنْفَى سَوْفَ نَرْفَعُ سُوْرَنَا
إِذَا أَوْكَلُوْا نِصْفَ البِـــلادِ لِـمُحْتَـــلِّ ؟
كَأَنَّهُمُوْ مَا شَارَكُوْا فِيْ دَمَارِهَا
وَلَيْسَ لَهُمْ فِيْ قَصْفِ غَزَّةَ مِنْ دَخْلِ !
مَصَائِبُنَا إِذْ حَرَّكَتْ نَخْوَةَ الْحَصَى
وَأَدْمَتْ ضَمِيْرَ الشَّهْدِ فِيْ مُهْجَةِ النَّحْلِ
وَلَمْ يَنْتَفِضْ فِيْهِمْ جَنَاحُ كَرَامَةٍ
وَلَمْ يَجْمَعُوْا فِيْ دَارِنَا غُرْبَةَ الشَّمْلِ
وَلا أَوْقَفُوْا حَرْباً وَلا حَرَّرُوْا دَماً
وَأَشْرَفُ مِنْ أَفْكَارِهِمْ فَرْدَةُ النَّعْلِ !
فَكَيْفَ تُرَى تَسْمُوْ بِلادٌ بِمَجْدِهَا
وَهُمْ أَوْرَثُوْهَا مِنْ زَنِيْمٍ إِلَى بَغْلِ ؟
غَدَتْ تَرْتَدِيْ كُلُّ العَوَاصِمِ ذُعْرَهَا
وَنَزَّ احْتِقَانُ الْمَوْتِ فِيْ الأَعْيُنِ الشُّهْلِ
وَنَحْنُ.. يَمُجُّ الغَيْظُ تَحْتَ جُلُوْدِنَا
لَهِيْباً، وَيُدْمِيْنَا تَسَلُّطُ مُخْتَلِّ
فَهَلْ أَعْبُرُ الدَّرْبَ الذِيْ ازْدَادَ وَحْشَةً
وَقَدْ أَفْلَتَتْ سَاقِيْ أَمَامَ الْخُطَى رِجْلِي ؟
صَوَارِيْخُهُمْ... وَالرُّعْبُ، صَوْتُ رَصَاصِهِمْ
وَبَسْمَلَةُ الأَشْجَارِ فِيْ حَضْرَةِ الثُّكْلِ
رُؤُوْسٌ - عَنِ الأَكْتَافِ شَتَّى - تَسَاقَطَتْ
وَأَلْفُ غَرِيْبٍ رَاحَ يَرْعَى بِلا شُغْلِ
وَأَفْدَحُ مِنْ فَقْرٍ... تَعَالِيْكَ فِيْ الغِنَى
وَأَوْجَعُ مِنْ ظُلْمٍ... نِفَاقُكَ فِيْ العَدْلِ !
خُذِ العُوْدَ... أَسْمِعْنِيْ مَقَامَ كَآبَتِيْ
فَبِيْ رَغْبَةُ الأَوَتَارِ لِلْدُّفِّ وَالطَّبْلِ
وَكَيْفَ تَجُرُّ القَوْسَ فَوْقَ كَمَنْجَةٍ
إِذَا كُنْتَ تَخْشَى الآنَ مِنْ جَرَّةِ الْحَبْلِ ؟!
سَنَزْرَعُ فِيْ أَحْرَاشِهَا نَبْتَ كِبْرِنَا
إِذَا اسْتَسْلَمَتْ كُلُّ الْحُكُوْمَاتِ لِلْذُّلِّ
وَنُرْجِعُهَا حَتَّى تَقَرَّ عُيُوْنُنَا
وَنَجْعَلُهَا ثَأْرَيْنِ لِلْخَائِنِ النَّذْلِ !
وَنَدْفِنُ تَارِيْخَ الْهَزَائِـــــــمِ كُلَّه
وَنَشْرَبُ فِيْ الْهِجْرَانِ... فِيْ صِحَّةِ الوَصْلِ !
بِصَدْرِيْ أَرُدُّ اليَوْمَ سَيْلاً مِنَ النَّبْلِ
فَلا شَاعِرٌ بَعْدِيْ وَلا عَاشِقٌ قَبْلِي
وَلا فَيْضُ نَزْفِيْ يَسْتَرِيْحُ دَقِيْقَةً
وَلا حِبْرُ كُلِّ الكَوْنِ يِكْفِيْ لِمَا أُمْلِي
أَنَا مِنْ رُبَاهَا وَهْيَ مِنْ جَوْفِ خَافِقِيْ
عَصَافِيْرُهَا دَمْعِيْ وَزَيْتُوْنُهَا ظِلِّي
أَلَمْ تَسْمَعُوا الصَّوْتَ الذِيْ أَيْقَظَ الدُّنَى
فِلِسْطِيْنُ نَادَتْ... وَالصَّدَى عَادَ: يَا أَهْلِي !
8/1/2009
التعليقات (0)