اللهم قد بلغت
نحيا زمنا رديئا في مجتمع رديء في ظل عالم رديء
نحيا زمنا رديئا يتكبد انعكاسات رداءته وتداعياتها الذين ولدوا ونشأوا بين أحضان فئات الشعب المغربي المحرومة المتطلعة إلى التحرير الذاتي الشامل من الفقر والقهر والجهل والتواقة للعدالة الاجتماعية البناءة والديمقراطية الحق، الذين تحملوا أكثر من حظهم من نير الاستغلال والظلم والطغيان والاستبداد. هؤلاء الذين ظلوا على امتداد 5 عقود ينتظرون تطهير البلاد من الدخلاء والعملاء والمتاجرين بالدين والوطن ومستقبل الأجيال.
والآن، وقد حدثت تطورات هائلة وغير مسبوقة في الجزء من العالم الذي استفاق من سباته الشتوي الذي دام عقود، وجبت الحيطة والحذر، عبر العمل على الخروج من دوائر الرداءة لأن الجماهير أصبحت على استعداد للنهوض من أجل استرجاع حقوقها المهضومة بعد أن انهار جدار الصمت وتآكل هاجس الخوف بفعل انكشاف فضائح القائمين على الأمور والمتاجرة في ماضي وحاضر ومستقبل البلاد والعباد. إنها تنفث غضبا، وأي شرارة ستتحول إلى هشيم هوجاء بفعل تصاعد الغضب الذي فاق الحد. هذا لأن أغلب المغاربة لم يجنوا- ولو بمقدار قيد أنملة - أي نتيجة مما تحمّلته من ظلم وجور وحيف وحرمان واستغلال مستطير منذ قيل أن هذا البلد السعيد قد حصل على استقلاله. فكل ما عرفه المغرب من تطور وتغيير- على علتهما – لم يكن إلا في صالح كمشة من المغاربة، فين حي ظل العرمرم منهم عبر ثلاثة أجيال يكابدون إلى حد الآن ، في انتظار الديمقراطية الحق والعدالة الاجتماعية الهادفة والتحرير الشامل للإنسان والأرض من القهر والاستغلال المستطير، وهي الأهداف السامية النبيلة التي من أجلها سقط الكثير من المغاربة الذين فقدوا حياتهم من أجل غذ أفضل منذ خمسينات القرن الماضي وقبلها .
نحيا زمنا رديئا في مجتمع رديء في ظل عالم رديء لا يرى في الرجولة شهامة وإباء وإيثارا، وإنما تسلطا وقوة وجورا. ولا يرى في المعاملة استقامة وإخلاصا وصدقا، وإنما انحرافا وغدرا وكذبا وبهتانا. ولا يرى في الدين ثورة عارمة ضارية على الظلم والطغيان والمحسوبية والزبونية، وإنما وسيلة لتبرير واقع الحال المرّ. عالم لا يساند صاحب الحق وأهله، وإنما يدعم الظالم والمغتصب ويعتنق الباطل والبهتان عقيدة ومنهجا.
نعيش في مجتمع رديء لا ينادي بالابتعاد عن المنكرات والحفاظ على المكرمات، والمهاجرة بالحق ومساندته ومحاربة الظلم وتحديه، والابتعاد عن الرياء ونبذه، وإنما يكرس عكس ذلك بالتمام والكمال.
في هذا الزمن الرديء،أين نحن - المجتمع المسلم - من الدين المعاملة، ومن "من رأى منكم منكرا..."، ومن " المسلم من سلم الناس من يده ولسانه"، ومن "من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه"، ومن "اذكروا الفاجر بما فيه ليجذره الناس"...
إن التدجيل والمسخ والتحريف الذي اعتمده مجتمعنا الرديء في هذا الزمن الرديء، قلب الأمور رأسا على عقب. وفي هذا المقام تحضرني مقولة الغزالي المشهورة: "اللهم افضحنا ولا تسترنا حتى يتميز الخبيث من الطيب".
إن المتتبع الموضوعي والنزيه لواقع حالنا اليوم يلاحظ بسهولة فائقة، أن كل شيء تكتنفه أنواع من الفوضى، ما عدا شيء واحد يبدو أنه منظم، بل جيّد التنظيم. فالتسيير والتدبير فوضوي، التعامل مع المعضلات القائمة فوضوي، والبناء فوضوي، والتشغيل فوضوي... لكن الفساد منظم وجيد التنظيم عندنا.
اليوم تغيّرت الأمور وفهم الجميع أن الصمت والخنوع والتفرج، كل هذا ساهم بشكل كبير، في الماضي القريب، في بروز عقلية قوامها: "كلّ نصّاب يلزمه طمّاع، وكلّ دجّال يلزمه جاهل، وكلّ طاغية يلزمه جبان"، وقد تأسست فلسفة نهج تدبير الأمور عندنا على هذه المعادلة منذ منتصف خمسينات القرن الماضي. ممّا أسفر عن تجاوزات وانتهاكات واعتداءات أضحى مغاربة اليوم ينعتون مرحلتها بسنوات الجمر والرصاص، والتي عمّ خلالها الفساد لدرجة أن "المواطن" أضحى مشتركا في الفساد وترسيخ تغييب القانون.
ولقد قال مصطفى محمود، إذا أردت أن تفهم إنسانا فانظر فعله في لحظة اختيار حرّ... وحينئذ سوف تفاجأ تماما.. فقد ترى الفقيه يزني وترى العاهرة تصلي.. وقد تفاجأ بصديقك يطعنك وبعدوك ينقدك.. وقد ترى الخادم سيدا في أفعاله.. والسيد أحقر من أحقر خادم في أعماله وتصرفاته.. وقد ترى رؤساء دول يرتشون وصعاليك يتصدقون ويحسنون. ألا نعاين اليوم في زمننا الرديء مثل هذه المشاهد في ومجتمعنا الرديء بصفة سافرة.
في هذا العالم السقيم أضحى العرمرم يدعو إلى غير الصراط المستقيم ،إلى الشريدعو كل عتل و زنيم، كمشة تترنم في جنات النعيم وباقي الخلق في قعر الجحيم المعيشي، هذا حال الزمن الرديء والعالم الرديء. وفي هذا الزمن الرديء عوض معاقبة المجرمين نضحي بالمشتبه فيهم – بل الأبرياء أحيانا كثيرة - رغم أن الأفعال واضحة والمسؤولين عنها معروفين لأن الثروة والجاه والمحسوبية والقرب والزبونية والمصلحية المتبادلة مازالت أقوى من الحق والقانون والعدل.
ففي هذا العالم الرديء، أضحت الخيانة شجاعة، والغش نباهة، بالقول وعود لكن بالفعل دمار علانية أو في السر. وفي هذا الزمن الرديء المال بالأطنان، لكن الجوع واليأس في كل مكان. مازال الكثير من المغاربة ينتظرون فتح الأبواب الموصدة وفك حصار الأحلام المرهونة وسيادة العدل والاطمئنان عن الغد وميلاد الأمل في الأفق. تتوالى عندنا فصول المعارك الكلامية والخطابات المضادة التي تنتهي دوما بخسارة مدويّة للشعب ولأوسع فئاته. هذا رغم أنه لم يعد مجبرا مجبر على إستراتيجية الصمت أمام من يعتبرونه مكوّن من "مواطن عندهم". قيّمون على الأمور في أكثر من مجال يتظاهرون بالنزاهة والصدقية، لكن ما أن تسدل الستارة حتى يتقاسموا الكعكة. و الحكومة في أيّامنا الحالية مازالت تبدو بلا جدوى، وأركانها في غالبيّتهم كسبوا الرّهان على حسن نيّة المغاربة، إذ ولجوا باب الخطاب المطلبي الذي شكّل رافعة أمّنت لهم، ولحين، انسياقا شعبويا - قد لا يكون واعيا وغير محسوب جيدا- ما لبث أن بخّره الذهول أمام الصفقات والمغالطات التي تبارى الكلّ في إلصاقها بغيره. وتسارع الوقت واكتملت الصورة ولم يدفع أحد الثمن. فالّلاعبون الحاليون ماهرون في التاكتيك، خبراء في حبك الأزمات واختلاق المؤامرات ضدهم، بارعون في ابتكار الحلول "الدونكيشوتيّة"، مطمئنّون إلى أنّ الشعب مصاب بالدوخة لهتا وراء ضرورية العيش المرّ. وقد بدأ المغاربة أ يتعامل بحذر ظاهرة معالمه للعيان مع هؤلاء الذين أوهموهم بأنّ عندهم الحلول للمعضلات التي تقض مضجعهم في مجتمع رديء في ظل عالم رديء وزمن رديء.
تعيش بين ظهرانينا ذئاب بشرية ضارية، تعيش في غابة المجتمع الرديء في هذا الزمن الرديء، تتبِع عورات البشر، وزلات النساء، وأخطاء الرجال، تنقض حينما تنحني الفريسة لتنهش لحم شرفِها وتمتص دماء عرضها وتقتل أحلامها وتغتال طموحاتها، متظاهرة بالطيبة مبرزة أنيابها تمويها للابتسامة الماكرة، تنتقد بشراهة أفعال المستغلين الأشرار وهي كبيرة الشبه بهم .
هذه بعض معالم زمننا الرديء ومشاهد مجتمعنا الرديء في طل عالم رديء.
التعليقات (0)