نحو معرفة أكثر بإمام زماننا..! (معرفة الإمام..)
بسم الله الرحمن الرحيم..والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين..
قال الرسول الأكرم (ص)(من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)
إن أول الخطوات في الانطلاق إلى رحاب مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف يكون من خلال معرفة الإمام (ع) هذه المعرفة التي تتفاوت درجاتها ومراتبها بحسب استعداد الشخص وقابليته وتوجهه.. فأدنى المعرفة بالإمام هو الاعتراف بإمامته وطاعته بينما أسمى مراتب المعرفة هو الإحاطة بمقامهم كما هو حقه ومعرفتهم تمام المعرفة (المعرفة الحقيقية) وهذا ما لا نستطيع بلوغه لأنه خارج حيز مداركنا و فهمنا..ولقد ركز أهل البيت (ع) في أقوالهم وأحاديثهم وأدعيتهم المأثورة عنهم عليهم السلام على هذه المعرفة فعن الرسول صلى الله عليه وآله ( يا علي ما عرف الله إلا أنا وأنت ولا عرفني إلا الله وأنت ولا عرفك إلا الله وأنا ) وأيضاً في الحديث عنه (ص) (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) وفي زيارة عاشوراء (أسأل الله الذي أكرمني بمعرفتكم ومعرفة أوليائكم..) وكذلك في الحديث (من عرفنا فقد عرف الله) وفي الدعاء المأثور الذي أمرنا أهل البيت (ع) بالمواظبة عليه في زمن الغيبة (اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم اعرف نبيك , اللهم عرفني رسولك ,فإنك إن لم تعرفني رسولك لم اعرف حجتك , اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني) فهذه المعرفة بالحجة وبالإمام هي معرفة مرتبطة بالله عز وجل وأول الدين كما يقول الإمام علي (ع) (أول الدين معرفته) أي معرفة الله عز وجل والتي ترتبط بمعرفة الرسول (ص) المرتبطة معرفته بمعرفة الإمام الذي بدون معرفته يموت الشخص على الجاهلية... فما أهم وأعظم هذه المعرفة...! لذلك من أول التكاليف للأمة تجاه الإمام معرفته وحتى نسلك طريق هذه المعرفة لابد أن نتخذ الاتجاه السليم الذي يوصلنا إليها....فكل شخص لابد عليه أن يقرأ ويتأمل ويبحث فيما هو مرتبط بإمام زمانه.. كما أنه لابد أن تكون هذه المعرفة منبثقة من مصدر سليم ومعصوم أي من خلال القرآن الكريم وأقوال المعصومين (ع) الذين هم القرآن الناطق.... فالقرآن الكريم هذا الكتاب السماوي المقدس والذي جعله الله عز وجل معجزة نبيه الكريم (ص) وحفظه من أيدي العابثين (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ,جعله أيضاً تبياناً لكل شيء ففيه علم الأولين والآخرين وما كان وما يكون.. (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) أي أن الله عز وجل جعل في القرآن الكريم بياناً لكل شيء.. نلاحظ الشمولية هنا وهذه خاصية للقرآن الكريم وحده دون الكتب السماوية الأخرى كالتوراة والإنجيل وفي هذا المعنى نذكر قول أبي عبد الله (عليه السلام): قال الله لموسى: «و كتبنا له في الألواح من كل شيء» فعلمنا أنه لم يكتب لموسى الشيء كله، و قال الله لعيسى: «لأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه» و قال الله لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (ونَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ.) والطريق إلى هذا التبيان يكون من خلال أهل البيت (ع) لأنهم مستودع العلم..وبدونهم لا يمكن لأي أحد أياً كان أن يعطينا المعنى الدقيق للآية الكريمة... فهذا التبيان موجود في القرآن ومن الممكن أن تكون إشارات من غير الدلالات اللفظية... والوصول إليها لا يكون إلا عن طريق الراسخون في العلم... يقول العلي الحكيم.. (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللّه وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) إذاً القرآن الكريم له ظاهر وباطن وله محكم ومتشابه و تفسير وتأويل...وهذا العلم كله مخزون لدى الراسخون في العلم..فمن هم الراسخون في العلم..؟! البعض يصف العلماء ورجالات الدين بأنهم هم الراسخون في العلم على وجه الإطلاق والبعض يضع شروطاً معينة لذلك ومنهم من يرى خريجي الأزهر وجامعة محمد بن سعود راسخون في العلم مع أن بعض هؤلاء..باتوا يطلقون اليوم فتاوى تناقض العقل وتجعل من الإسلام أضحوكة لدى المجتمعات الأخرى.. كإرضاع الكبير وإباحة المعازف... فهل يعقل أن يكون أمثالهم راسخون في العلم..؟!! بينما في مدرسة أهل البيت (ع) يخبرنا الإمام الصادق (ع) عن الراسخون في العلم بقوله: نحن الراسخون في العلم و نحن نعلم تأويله.
الآن إذا كان القرآن الكريم تبياناً لكل صغيرة وكبيرة وكل ما كان وما يكون إذاً لابد أن يشمل على دلائل وإشارات للإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف و لو طرحنا القضية المهدوية أو قضية الموعود المنتظر على القرآن الكريم سنجد العشرات من الآيات القرآنية التي نزلت تفسيراً، أو تأويلاً، أو تنزيلاً، أو تطبيقاً، أو تشبيهاً في الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف..بل أنها بلغت ما يفوق المائة آية.. وقد جمعها السيد صادق الشيرازي في كتاب المهدي في القرآن.. ومن المهم معرفتها وذلك حتى عندما نقرأ القرآن الكريم يكون هناك ارتباط بيننا وبين إمام زماننا و عندما نصل إلى آية تشير للإمام صاحب العصر والزمان نقف عندها ونتأمل فيها وندعو الله عز وجل أن يعجل فرج الإمام لأن أحد مواضع استجابة الدعاء يكون عند قراءة القرآن.. ومن ضمن هذه الآيات قوله تعالى في سورة الأنبياء (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) والزبور هو كتب نبي الله داود (ع) بينما الذكر عند بعض المفسرين هو التوراة وعند البعض الآخر هو القرآن الكريم.. و أياً يكن فإن الآية الكريمة تشمل وعد إلهي من قبل الله عز وجل وهذا الوعد مُثبت في الكتب السماوية التي أنزلها على أنبيائه ومضمونه أن وراثة الأرض أي بمعنى انتقال السلطة على الأرض ومنافعها وخيراتها وبركاتها إلى عباد الله الصالحين.. ولنا أن نتساءل الآن من هم عباد الله الصالحين الذين يبشر الله عز وجل بهم أنبيائه ورسله وأنهم يحكمون الأرض بمجملها..؟! إنهم القائم وأصحابه..
أيضاً يقول العلي الأعلى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) هذه الآية تكررت في ثلاث مواضع في القرآن الكريم في سورة التوبة والفتح والصف وهذا فيه دلالة على أهمية ما تحمل هذه الآية من معاني.. ففي تفسير البرهان، عن الصدوق بإسناده عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): في قوله عز و جل: «هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق» الآية و الله ما نزل تأويلها بعد و لا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم فإذا خرج القائم لم يبق كافر بالله و لا مشرك بالإمام إلا كره خروجه حتى لو كان الكافر في بطن صخرة قالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني و اقتله..وروى ما في معناه ، أنها نزلت في القائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، و معنى نزولها فيه كونه تأويلها كما يدل عليه رواية الصدوق.و في الدر المنثور، أخرج سعيد بن منصور و ابن المنذر و البيهقي في سننه عن جابر: في قوله: «ليظهره على الدين كله» قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي و لا نصراني صاحب ملة إلا الإسلام حتى تأمن الشاة الذئب، و البقرة الأسد، و الإنسان الحية، و حتى لا تقرض فأرة جرابا، و حتى يوضع الجزية و يكسر الصليب و يقتل الخنزير، و ذلك إذا نزل عيسى بن مريم (عليهما السلام)ولا يمكن لأحدٍ أن يجزم بتحقق الآية المباركة فالمسلمون اليوم أقل من نصف سكان العالم بل أنهم في بعض الدول يشكلون أقليات مستضعفة وحتى الدول التي تسمي نفسها إسلامية في أغلبها تحكمها قوانين وضعية...! فكيف يتحقق معنى الآية المباركة..؟! إذاً تحققها كما في تأويل مدرسة أهل البيت (ع) مرتبط بحكومة الإمام صاحب العصر والزمان ودولته..
كذلك في قوله تعالى (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) عن الإمام علي (ع) قال (المستضعفون في الأرض، المذكورون في الكتاب، الذين يجعلهم الله أئمة: نحن أهل البيت، يبعث الله مهديهم فيعزهم ويذل عدوهم) والمعنى الظاهري للآية يشير لقضية فرعون وبني إسرائيل فيعيد الله لهم عزتهم وكرامتهم ويهلك فرعون ووزيره هامان وجنودهما.. ولكن تأويل الآية فيه أن المقصود من المستضعفين في هذه الآية هم آل محمد.. فقد استضعفهم الناس وظلموهم وقتلوهم وشردوهم وصنعوا بهم ما صنعوا، وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله أنتم المستضعفون بعدي.. ولكن الله سينصرهم وسيرثهم الأرض فيحكمونها بلا منازع من شرقها لغربها.. ولو تأملنا الآية المباركة سنجدها تتحدث بلفظ المستقبل لا الماضي (نريد و نمن) ولم يقل (أردنا مننا) مع أن الآية نزلت بعد ألاف السنين من عصر موسى وفرعون..! ففرعون في هذه الآية يحمل إشارة ويرمز لكل طاغية متجبر، مستبد، ظالم.. وهامان وجنودهما كل من يعاون ويساند ويؤازر الظالمين.. فهذه الآية تحمل وعد إلهي بدولة الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف وانتصار المظلومين وهلاك الطواغيت والجبابرة..!
ونختم بسورة النمل في قوله تعالى (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: نزلت في القائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو و الله المضطر إذا صلى في المقام ركعتين و دعا إلى الله عز و جل فأجابه و يكشف السوء.. و يجعله خليفة الأرض كلها وليس فقط خليفة في الأرض وإنما تشمل كل الأرض.. ومن هنا فإن هذا الدعاء عظيم لذلك في ختام المجلس حينما ندعو بهذه الكلمات القرآنية علينا أن نستحضر الإمام (ع) في قلوبنا نتصوره يصلي في المقام ويده مرفوعة إلى السماء وهو بأبي وأمي يردد أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.. اللهم بحق الإمام أكشف عنا السوء يا الله..
القطيف - حسينية أبي الفضل العباس (ع) 1/1/1432هـ
التعليقات (0)