تثير المناطق الكُردية في سوريا إشكاليةً خاصة لكونها خاصرة البلاد الرخوة المفتوحة على كل الإحتمالات، لذلك يسيل لُعاب الكثيرين و هم يضعون أجنداتهم الخاصة لوراثة النظام السوري الذي أصبح سقوطه وشيكاً.
في جميع المناطق السورية هناك تقاليد إدارية لا بأس بها، و هناك كذلك نسبة من السوريين يعملون بصورة إحترافية في الجيش السوري حيث يحوزون على رتب عسكرية عُليا، بغض النظر عن فاعلية المواقع التي يحتلونها، و كذلك فإن هناك نسبة كبيرة من المجندين الذين تم تدريبهم على مستوى عال و خدموا في مواقع عسكرية حساسة، فتشكلت لديهم خبرة ممتازة أهلتهم لفهم الكثير من الأمور العسكرية و خاصةً بعض جوانب الحرب الحديثة.
في المناطق الكُردية هناك الكثير من الوظائف مُنع على الكُرد الإقتراب منها، فمن النادر أن تجد مديراً من أصول كًردية في دائرة ما، أما منصب رئيس بلدية فهو من رابع المستحيلات و الحديث ينطبق بطبيعة الحال على مركز المحافظ و ما بعده. أما في الشأن العسكري فقد سبق أن شغل في سوريا ما قبل البعث كُردي سوري منصب رئيس أركان الجيش السوري و هو توفيق نظام الدين، و بعد ذلك بأعوام أُجري تعداد سكاني خاص في محافظة الحسكة جُرد بموجبه مثل مئات الآلاف من الكُرد من الجنسية السورية و أعتبر و إياهم من أجانب الحسكة الذين ينبغي دراسة وضعهم! و هكذا و منذ ذلك الحين مُنع على الكُرد التطوع في الجيش و كانت أعلى رتبة حازها الكُردي و لفترة مؤقتة هي رتبة ملازم، و ذلك نتيجة إلتحاقة بالخدمة العسكرية الإلزامية بعد إنهائه الدراسة الجامعية في كليات محددة، لكن هناك بالطبع حالات إستثنائية لبعض من باع نفسه و يستخدمه النظام كحذاء في بعضٍ من أقذر أعماله.
شهدت الخدمة الإلزامية للكُرد في الجيش قبل بدء الثورة السورية حوادث مأساوية، إذ تم و بصورة ممنهجة قتل العشرات من المجندين الكًرد، و أُرسلت جثثهم إلى ذويهم و عليها آثار تعذيب، كان تبرير النظام لجميع حوادث القتل واحداً و هو أن هؤلاء أقدموا على الإنتحار، و رغم ذلك القتل المكشوف على الهوية إلا أن الجنود الكُرد واجهوا قدرهم بشجاعة منقطعة النظير، و لم تسجل حالة فرار واحدة من الجيش.
منذ إنطلاقة الثورة السورية أصبح العسكري و كما هو معروف مُخيراً بين البقاء في جيش النظام و بذلك فإن عليه إما أن يقتُل السوريين أو يُقتل برصاصة من الخلف في حال إمتناعه عن ذلك، و بين الإنشقاق عن ذلك الجيش و بذلك يكون قد حافظ على شرفه العسكري من عار التلوث بدماء أهله من جهة و كذلك يكون قد ساهم في تفكيك جيش النظام من جهةٍ أخرى. بعد قيام الثورة و عودة النظام إلى الغدر بالجنود الكُرد و إلصاق التهمة هذه المرة بالعصابات الإرهابية المسلحة، توالت الإنشقاقات عن الجيش الأسدي.
و قد ورد في الأنباء اليوم أن هناك حالة إنشقاق جماعي وصل عدد المنشقين فيها إلى ثلاثين جندياً كُردياً وصلوا إلى إقليم كُردستان. و الحقيقة أنه بسبب طبيعة المناطق الكُردية السورية، و صعوبة جعلها منطقة آمنة يأمن فيها المنشقون على حياتهم، و نظراً للصراعات السياسية الموجودة على الأرض، يمكن إعتبار إقليم كُردستان منطقة آمنة بديلة، و قد لجأ إليها بهذا المعنى الكثير من الكًرد بسبب ملاحقة السلطات السورية لهم، و كان ذلك منذُ مدة طويلة و خاصةً بعد إنتفاضة 2004، و لذلك يمكن الإستفادة من مجمل هذه الظروف في جعل هؤلاء المنشقين و من سبقهم نواة لتشكيل لواء عسكري كُردي و تدريبه على يد قوات البشمركة و تجهيزه من قبل سلطات الإقليم ليصبح جاهزاً لإستلام ملف المناطق الكُردية بعد سقوط النظام تجنباً لحدوث فراغ أمني و ما قد ينتج عن ذلك من سلبيات.
إن هذا الإنشقاق النوعي لن يكون الأخير، كما أن هناك العديد ممن رفض الإلتحاق بالخدمة الإلزامية منذ البداية، و في حال تشكيل مثل هذه القوة العسكرية فإنه من المتوقع أن ينضم لهؤلاء جميعاً الكثير من المتطوعين أيضاً لحماية المناطق الكُردية لحين إستتباب الأمر في سوريا، ليكونوا فيما بعد جزءاً من الجيش السوري الذي سيتم إعادة تشكيله و هيكلته.
هل سنشهد مثل هذا التطور الذي سيجلب الإطمئنان للمناطق الكُردية التي بدأت تشهد منذ الآن حوادث قتل و إرهاب و فوضى تجعل الكثيرين في خوفٍ من المستقبل، ثم من يمكن أن يكون أحرص على الشعب الكُردي من أبنائه الشجعان الذين رفضوا تلويث أياديهم بدماء السوريين، و تلويث شرفهم العسكري بخدمة طاغية قاتل.
الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال، و لكن يبقى الأمل في أن يكون لإحفاد يوسف العظمة قوة بشمركة يكون لها دورٌ في الدفاع عن المناطق الكُردية السورية، و الحفاظ على أمنها، شبيه بالدور الذي يلعبه أشقائهم البشمركة في إقليم كُردستان.
التعليقات (0)