قبل تدشين مدونتنا هذه.. تصارعت الأفكار .. وتسارعت الخيالات حول ماهيتها ولونها وخطوطها وماذا سنكتب فيها ..
وترامت بنا الخواطر نحو مدونة (أدبية) نصب فيها عصارة وإبداعات الأدباء.. و ننهل فيها مما جادت بها قرائح الشعراء .. و نتناقل فيها روائع أعمال الروائيين .. ذلك ما كنا نحبه ونهواه..ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه ..
جرفتنا تيارات .. و طوحتنا أعاصير .. وصرنا نمور ونفور وندور مع قضايا ومعارك ومعتركات أذهبت عنا عطور الأدب والشعر والرومانسية فصرنا نلتمسها ونتنسمها في مدونات مجنون العرب العملاق حسن توفيق .. وزهرة العرب ليلى العامرية .. وحصيف العرب خليل الفزيع .. وغيرهم ممن لا زالت ريشتهم (تعلق بها ) نثرات الجمال والإبداع (وتتعلق بها) عيون محبي الأدب ( وتلعقها) أطراف ألسنة أصحاب الذائقة الأدبية في بلادنا العربية ..
و لقد خرجنا من معتركنا .. لا بانسحاب ... وإنما بأشد ما يكون الإياب .. لكن التدوين لم يعد بنظرنا ترفاً .. أو قضاء وقت فراغ .. أو تسجيل لقطة أو موقف أو لحظة تثير الابتسام أو الحزن أو التسلية .. بل التدوين هنا صار رسالة تخطها .. ومنهجاً تعتقده .. ورؤية تعتنقها .. وسلاحاً تحمله لتدافع به ولتنافح به من أراد المساس بهويتك وبعقيدتك وبعروبتك ..
فهناك من يعمل بجد وبجهد دءووب على التسلل إلى مركز الوعي عندك ليغير من جيناتك الفكرية والعقائدية والثقافية وليشوه جذورك التاريخية لقلب جميع موازين ومعادلات مفاهيمك عن الحق والعدل والانتماء.. ولتثبيط همتك عن بذل حتى روحك في سبيل نشدان هذا الحق.. أو طلب ذاك العدل ..أو توطيد ذلك الانتماء..
وحينما ينفث الاسرائيليون فحيحاً مضمونه أن المدونين المصريين لا علاقة ولا رابط لهم بالشأن الفلسطيني و أن حديثهم عن الجرم الإسرائيلي إنما هو حقد وتنفيس بسبب (هزائم) مصر أمام الإسرائيليين .!!..
هنا نكون أمام قضية من أخطر القضايا نحسب أنها هي هدف الإسرائيليين الأعظم والذي يكمن وراء خيوط الثعابين المتعرجة التي يجتذبون بها القارئ العربي لإدخاله في متاهات وتلافيف ليست لها نهايات من قبيل "أرض الميعاد" و"الوعد الإلهي" والوجود اليهودي في عصور ما قبل التاريخ !!! .. مع الحرص على الوصول إلى نتيجة محددة هي خلخلة عقيدة العربي والمسلم ونظرته نحو قضيته الكبرى فلسطين وتثبيط همته نحو التطلع إلى استرداد حقوقه وأراضيه ومقدساته ودولته المغتصبة.. أو على الأقل – في حالة الفشل في ذلك- إرهاق ذهن القارئ وتشتيته وبث عوامل الإحباط والوهن واليأس في قلبه وفي وجدانه والقبول بسياسة الأمر الواقع ..
وتلكم هي ذات الحرب النفسية التي اتبعها الكيان الصهيوني مع العرب عقب هزيمة يونيو 1967 حينما تضخمت ذوات الصهاينة إلى صورة الأسطورة التي لا تقهر .. وأن جحيم القيامة أقرب وربما أهون للعرب من مجرد التفكير بالمساس بإسرائيل ..
وقد صدق العالم ما روجه الصهاينة عن ضعف وهوان وخذلان العرب أمام سطوة وأسطورة كيان الصهاينة الذي عربد ما شاءت له العربدة .. واستباح ما شاءت له الفرص أراض وحدود وبحار وأجواء العرب... إلى أن استفاق أبناء الصهاينة والعالم أجمع على زلزال مدمر .. وإعصار جامح.. وصاعقة مروعة في السادس من أكتوبر 1973 .. حين لقن العرب .. العرب.. نعم العرب .. أقول حين لقن العرب العالم كله درساً و لقن الكيان الصهيوني الإجرامي هزيمة تغير على أثرها التاريخ كله ...
كان يوم 6 أكتوبر 1973 هو يوم القيامة العربية .. هو بمثابة نهاية الامتداد السرطاني الصهيوني في الجسد العربي ..وبداية محاصرته ..وانحساره.. وضموره ... 6أكتوبر 1973 لم يكن مجرد انتصار في حرب بقدر ما كان معجزة عربية خالصة أكدت للعالم أن العرب قد هزموا (أسطورة) الجيش الأخطبوطي ..وأن العرب باستطاعتهم وفي مقدورهم هزيمة الخرافة التي غرسها العالم المستعمر في خاصرة وطنهم العربي ...
لقد ارتكبنا خطأ عظيماً إذ لم نعطي ذلك النصر العظيم حقه ..
ولقد ارتكبنا إثماً فظيعاً في حق أنفسنا وفي حق الأجيال من شباب الأمة العربية والإسلامية إذ أهملنا إطلاعهم على بطولات جيوشنا العربية الباسلة ومعجزاتها في مقاتلة ودحر و قهر الكيان الصهيوني ومن والاه ومن دعمه ومن وقف وراءه بالسلاح وبالعتاد ....,
إننا والمصريون جميعاً كالقلب الواحد وإن تعددت شرايينه ... وإن مصر والعرب جميعاً كالدم الواحد وإن تعددت فصائله .. وإن مصر والعرب والمسلمين جميعاً كالجسد الواحد وإن تعددت أطرافه ...هذا ما يجب أن يفهمه الكيان الصهيوني ..
ومهما بلغ بنا الضعف ..ومهما دب فينا الوهن .. فلن نكون بأضعف ولا بأوهن من أيام يونيو 1967 ومع ذلك فقد انتفض المارد العربي الجبار بأروع ما يكون وبأخطر ما يكون وفاجأ العالم أجمع فضلاً عن الكيان الصهيوني بمعجزة عسكرية حربية لن يمل التاريخ مدارستها وتلاوتها آناء الليل وأطراف النهار ..
ونحن اليوم وفي غفلة أخرى من الزمن .. أو من العرب .. فإن الصهيونية قد عادت مرة أخرى ليستغل أربابها لحظة الرقاد العربي ولينفثوا من جديد سمومهم وليعيدوا علينا – وإن بطريقة المواربة – اسطوانة التفوق وسياسة الأمر الواقع.. وليتحدثوا عن ابتلاع كامل فلسطين .. وأنهم هم الأساس والأصل بينما الفلسطينيون هم الغرباء .. بل تماهوا في الوقاحة لينفوا وليجحدوا أي علاقة لمصر بفلسطين أو للمصريين بالقضية الفلسطينية .. ولينزعوا عن فلسطين أي غطاء أو تواصل عربي .. وليرمونا بأننا إنما نحقد وننفث كراهيتنا لهم بسبب (هزائمنا) ... هكذا.!!. .. طيب.. سنعلمكم أينا المنتصر ..وأينا المهزوم..
ولسوف نفتح صفحات التاريخ على يوم المعجزة الخالدة ..
يوم أن مرغت جيوش مصر والعرب أنوفكم في التراب ...
يوم أن صرخت رئيسة وزرائكم جولدا مائير تستنجد بأمريكا والعالم بصرختها "المستغيثة" انقذونا .. انقذونا .. إسرائيل تنهار...
يوم أن صرحت مائير بأنها أقدمت على الانتحار تحت وطأة الهزيمة أمام المصريين والعرب ..
يوم أن استفاق جنودهم على أحذية أبناء العروبة وهي فوق حصونهم ومواقعهم ومخابئهم تدكها وتبث فيهم الرعب والهلع ..
سنفتح الملف على اليوم الذي أعلن فيه التاريخ وإلى الأبد أن الأسطورة والخرافة الصهيونية "أرض الميعاد من النيل إلى الفرات" قد لقيت مصرعها على يد الجيش المصري العربي .. وأن الكيان الصهيوني قد تم قطع ذيله وإبقائه محصوراً ومحسوراً ومحاصراً داخل خطوط لا ولن يستطيع تعديها أو تخطيها وهو الكيان القائمة حياته على التوسع والتمدد مما سيحيله حتماً إلى التكدس .. ومن ثم إلى الضمور والتكلس ..
وإن عالماً عربياً كاملاً.. ووطنا عربياً متاخماً .. وشعوباً عربية محيطة به .. وسبعة ملايين لاجئاً فلسطينياً يتمددون علاوة على جذور الشعب الفلسطيني الراسخة في قلب وأحشاء وعلى أطراف وفي بطن وعلى ظهر الكيان الإستيطاني المستعمر المحتل ..
كل ذلك .. وكل أولئك يؤكدون حتماً أن القضية الفلسطينية والحقوق العربية المغتصبة لن تموت ..
وأن كلمة التاريخ في النهاية ستكون ... لنا... حتماً ..
التعليقات (0)