مواضيع اليوم

نحن و العولمة.

محمد مغوتي

2010-12-29 11:08:45

0

    يطرح النقاش حول العولمة أسئلة مكثفة تتعلق بمضامينها وأبعادها الثقافية، وأشكال مواجهتها في ظل التهديد الذي تفرضه على مستقبل الانتماءات الهوياتية، و الولاءات العرقية أو الدينية أو اللغوية. لكن مناقشة موضوع العولمة في المجتمع الاسلامي تتخذ حساسية خاصة، يؤطرها السجال الأبدي بخصوص طبيعة العلاقة الممكنة بين الأصيل و والوافد. ( هنا الدين و العولمة).
   ينبغي أولا فهم الأسس الفلسفية التي مهدت لخطابات العولمة. فقد ميز الفيلسوف الألماني " فريديريك هيجل " في مشروعه الفكري بين غرب عقلاني حر، وشرق مؤسس على الاستبداد. وبذلك شكلت الأطروحة الهيجلية اطارا تبريريا يمهد الأرضية اللازمة لسيطرة العقلانية الغربية. وداخل هذه العلاقة غير المتكافئة بين الغرب والشرق نشأت جدلية السيد والعبد التي تمثل محور الفلسفة الهيجلية...فالعولمة تشير الى رغبة الغرب في الهيمنة والسيطرة، و هذا ما يتحقق عبر استغلال الاختلافات والتناقضات الموجودة في العالم في سبيل التقعيد لنظام أحادي يستلهم تجربة العقل الغربي، ويقدمها كتجربة قابلة لأن تكون كونية... غير أن كونية العقل الغربي أصبحت، في اطار الشروط الاقتصادية والسياسية التي يعيشها العالم اليوم، مختزلة في عولمة الغرب الرأسمالي.
    من الواضح اذن أن الأساس النظري الذي تستند إليه العولمة هو مبدأ الهيمنة من منطلق مركزية العقل الغربي المتفوق. لذلك يفرض سؤال المواجهة نفسه بالحاح شديد. وبما أن المجتمعات الاسلامية تمثل جزءا من الكيانات المستهدفة ، فان سؤالنا يتجه نحو استقراء طبيعة الموقف الرافض للعولمة، والذي يجد جذوره في الأصولية الدينية. حيث يجد التصور الأصولي طوق النجاة من تيار العولمة الجارف في ضرورة العودة الى النموذج السلفي كخيار لا محيد عنه للانفلات من هيمنة الغرب وسلطته. وهي دعوة نكوصية غارقة في الماضي لأنها تستدعي التراث كمنقذ للحاضر، وتطرحه كبديل حضاري للنجاح في المستقبل. وينطلق هذا التصور الأصولي من مسلمة أساسية تتجلى في رفض كل ما هو غربي تأسيسا على ثنائية: الايمان / الكفر، التي تتجذر ثقافيا في ثنائية: الاسلام/ العولمة. و بذلك يكون الترياق الذي يقدمه هذا النموذج هو التمسك بالمرجعية الدينية. وغير خفي أن رفع شعار " الاسلام " في مواجهة " العولمة " يجد مشروعيته الدينية في مفهوم " الاسلام الكوني" من منطلق خاصية " صلاحية الاسلام لكل زمان ومكان ". وفي هذه الخاصية بالضبط يكمن قصور الموقف الأصولي لأنه يواجه كونية " العقل الغربي الرأسمالي " بكونية " اللاهوت الديني". فالتبرير الذي يقدمه المدافعون عن هذا التصور هو أن الإسلام لا يحتاج إلى منهج آخر لأنه مكتمل الذات بحكم مصدره الإلاهي. و هو موقف يحاول مواجهة هيمنة بهيمنة مضادة. وبذلك لا يمكن أن ينتج الا مزيدا من ايقاظ المكبوت الديني الذي يرفض الواقع الهيمني المتواطئ مع نظام العولمة، ولا يخلق الا مزيدا من البؤس والحرمان والتطرف... و لأن هذا التصور يفتقد الآليات العقلية التي من شأنها تحقيق مبتغى النهوض بالأمة، فإنه يتجه إلى بث خطابات الوعد و الوعيد التي تجد آذانا صاغية عند كل من يسعى إلى طلب الجنة على مقاسات التكفيريين. و هكذا تتم مواجهة عولمة الغرب بالقنابل و الأحزمة الناسفة...

    لقد أصبحت العولمة أمرا واقعا يفرض نفسه بقوة، وخصوصا في ظل التقدم التكنولوجي الهائل الذي جعل العالم يبدو كقرية صغيرة. لذلك فإن إيجاد موطئ قدم في هذا العالم الجديد، يمر عبر احتضان العولمة و ليس عبر مناهضتها و رفضها. لكن ذلك لا يعني اندفاعا لا محدودا نحو تبني المشاريع الغربية بكل تفاصيلها على حساب الثوابت الهوياتية و الثقافية لمجتمعاتنا. لأن التغيير لا يمكن أن يتعالى عن الواقع الذي ننتمي إليه. و لا يمكن أن يتحقق أي مشروع ثقافي الا ضمن سيرورات اقتصادية واجتماعية وسياسية من منظور شمولي، يتوخى تجاوز المشاكل المزمنة في المجتمعات الاسلامية في كل المجالات. لذلك ينبغي التأصيل لثقافة العقل والديموقراطية والتنوع كآفاق مركزية في أي مشروع نهضوي حضاري. والبوابة لتحقيق هذا الهدف المنشود، هي تبيئة المبادئ العلمانية بمعانيها العميقة القائمة على العلم والعقلانية. و تلك هي مناحي الكونية البارزة في نموذج العولمة. و بهذا المعنى وحده يمكن أن نحقق الإنفتاح على الآخر و نستفيد من تجاربه دون الإرتماء اللاواعي في أحضانه.

         محمد مغوتي. 29/12/2010.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !