شخصيًا، لا أستطيع رفع عيني عن ليبيا، لأنها على مرمى حجر مِني، وما يجري بداخلها من أحداث وتجاذبات وإنفلات أمني، كلها لها تداعيات وتأثيرات سلبية ومباشرة علي، لذلك يصعب علي إغفال أي مستجدّات وتحركات على الساحة هناك !.. فليبيا بالنسبة لي أصبحت كـ(الشكارة) أو الكيس الكبير المملوء بالأسلحة والمتفجرات و(مثقوب) الجوانب، يجُرّها أو (يكرّها) إنسان هزيل وضعيف لايقوى حتى على رفعها مقدار ملمترات قليلة عن الأرض فكيف بإيقاف نزيف الأسلحة في الداخل الليبي قبل الخارج ؟!.. أما الأسلحة المتسربة من تلك الثقوب، فهي في الغالب تقع بين أيدي المرتزقة، وقطّاع الطرق، والجهاديين الإستئصاليين الذين يرفعون اسم الله شعارا وغطاءا وواجهة لأعمالهم الشنيعة !..
ليبيا أصبحت ـ بصراحة ـ مصدر تهديد لجميع دول الجوار، وللصحراء الكبرى على وجه التحديد، لأنها معقل التنظيم الإرهابي المسمى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، الذي غنم له غنائم كبيرة من (الشكارة الليبية) كفيلة بتفجير الوضع بالمنطقة كما حدث مؤخرا بولايتي تمنراست جنوب الجزائر !.. والصحراء أيضا ـ وقبل أن يحتلها جنود الدموية والضلال ـ كانت ولا زالت وستظل أرض الطوارق الأحرار، رغم أن بعضهم ـ أي الطوارق ـ يحاولون إجتياز السقف الطبيعي الممنوح لهم من الحريات، ما يتنافى وأعراف أجدادهم المسالمين، الذين ما كانوا يرفعون السلاح إلا دفاعا عن أنفسهم !..
أولئك الطوارق هم أشقائي في الإنتماء، لكنهم أكثر تطرفا مني لإنتمائهم !.. إنهم طوارق منطقة (أزواد) شمالي مالي الذين ما توقفوا عن دق طبول الحرب في تسعينات القرن الماضي بعد خسائر فادحة في الأرواح، إلا ليقرعوها ثانية بعد حصولهم على (حفنة) أسلحة من ليبيا، فاعتقدوا أنّ بمقدورهم ـ أخيرا ـ تجسيد وهمهم الذي ما فتئوا يُسوّقون له، وهم يجهلون أنهم يقودون آلاف الطوارق من إخواننا العزل هناك إلى إنتحار جماعي، لأنهم لا يقدرون على مجابهة الحكومة المالية المدعومة من حكومات دول الجوار !..
لكن قبل الوصول إلى هذه المرحلة من الفوضى والإنفلات الأمني، وهذا السباق ـ مِن قبل (اللاعبون بالنيران) ـ في الإستيلاء على مخزونات ليبيا من الأسلحة وتهريبها عبر الحدود، وقبل أن تستيقظ مَردة تلك التنظيمات وتخرج مِن قماقم كهوف الصحراء، وتثب من تحت رمالها وأحجارها التي تأخذ ألوانها وحتى أشكال تضاريسها كـ(سوبرحرباء) .. لم لانعود بشريط الأحداث قليلا إلى الوراء، وبالتحديد إلى زمنٍ كان فيه (القذافي) (طاووس أفريقيا) يتنقل في أرجائها بكبرياء وخُيّلاء، مُحاولا إعادة رسم سياساتها (على مزاجه طبعا)، فكانت قضية الطوارق إحدى القضايا الشائكة في أفريقيا التي حاول العقيد الفاني إفناء بعض أوقاته الفانية في حلها، عبر مداعبته لأحلام الطوارق في التشرذم بعقد مؤتمرات شمولية لهم، وبفتح قنوات لهم من ليبيا .. باختصار، فعل العقيد كل ما بوسعه لدعم الطوارق في توجّههم إلا إمدادهم بالسلاح !.. وذلك موقف يُحسب للقذافي أنه ورغم جنونه الذي (كان) معروفا به، إلا أنه لم يقم بتسليحهم، ما يعني أنه ـ أي القذافي ـ كان كصمام أمان للمنطقة، إنفجرت الأوضاع بها بعد إنفجاره !..
الخلاصة أن الوضع في (ليبيا القذافي) كان بالغ السوء، لكن بعد القذافي أصبح وضع ليبيا كما أوضاع جيرانها ـ ومن بينهم أنا ـ أكثر سوءا، فعلى الأقل كنا في عهده نشاهد التفجيرات والإنفجارات على شاشات التلفزيون فقط (ليس إستبعادا لشبح الإرهاب الذي حذف حدود الحياة قبل أن يحذف حدود الدول والقارات، بل لأن الصحراء كانت بالنسبة لي وللكثيرين ملاذا من كل أشكال التطرف اللاسوي واللاطبيعي كالإرهاب)، وبعد رحيله أصبح دوي تلك التفجيرات والإنفجارات يوقظنا من النوم، لأنها قريبة جدا جدا من عتبات بيوتنا !..
ورغم كل ما سبق، لن نستفتي الإخوة الليبيين في الإختيار بين السيء والأسوأ، لأن السيء لم يعد موجودا، ولم يبقى أمامهم سوى الخيار الأسوأ، مالم يتعاونوا ويتحدّوا ويتكاتفوا ويتعالوا عن الصغائر لإخراج أنفسهم ووطنهم وإخراجنا نحن أيضا من دائرة السوء .
11 . 03 . 2012
التعليقات (0)