مواضيع اليوم

نحن لا نعرف شيئا .....

محمد شحاتة

2012-12-29 16:11:08

0


بمناسبة اليد القدرية التي تدفعك من ظهرك نحو الدرجة الأولى في سلم العام الجديد ..

فإنك حين تدير رأسك للوراء في إطلالة " تأملية " على درجات السلم التي اجتزتها بطول حياتك التي عشتها منذ ميلادك حتى الآن ..  ربما تجدها طويلة وموازية لعمرك الزمني ..

إلا أنها تطول "حتماً " وتقصر حسب عمرك العقلي , والخبراتي , والفكري,  والثقافي ..

ولأنني عاشق " للتراث " ودائم الحنين إلى الماضي ... ولأننا عدنا إلى بيتنا في إيلاف بعد قرابة شهرين من الغياب .. فلقد مررنا على "تاريخنا " التدويني مذ بدأنا أول تدوينة إيلافية في حياتنا في 9/2/2009 وحتى آخر تدوينة في 8/11/2012 ...

ومن خلال (291) مقالاً شِّرقنا فيها وغرَّبنا ..وصعدنا فيها ونزلنا ... وبحرَّنا فيها وقبَّلنا ... وبمجرد أن انتهيت من المرور عليها وذكرياتنا فيها مع تعليقات زملائنا والقراء "ضحكت " ..

نعم .. ضحكت كثيراً من نفسي .. ومن كتاباتي .. ومن مواقفي .. ومن لعبة الكراسي الموسيقية التي مارسناها والتي "مورست " علينا .. برغبتنا حينا ..ورغماً عنا أحيانا ..
التحفنا برداء العروبة ظنا منا أننا ندافع عن الهوية والانتماء في مواجهة من جردناهم منها بأحكام عاجلة أصدرناها ضد من اختلفنا معهم في "الرأي" وفي "الفهم ..
رفعنا راية "العقيدة" في وجه من " ظننا " الشك في إيمانهم لمجرد أنهم يكتبون ما نراه مخالفاً لمفاهيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ..
انتقدنا النظم الشمولية المستبدة "في عز وجودها وشراستها " معتقدين أنها الحاجز "الأوحد " بيننا وبين شمس الحرية وطريق الديمقراطية ...
هاجمنا الكيان الصهيوني الإجرامي بضراوة في مقالاتنا ونحن نستشعر أننا نخوض حرباً مقدسة تشنها معنا جيوش العرب جميعها ..
وحينما اندلعت شرارة الثورة ... نعم حين اندلعت شرارتها .. اندلعت فرحة "خاطفة" في القلب .. ولكن سرعان ما دهمنا الخوف من اهتزاز سفينتها وسط أمواج الأحداث الجسام المتلاطمة ..
استشعرنا في فورة الثورة أن "المسارات " التي "تدفع "إليها دفعاً غير مطمئنة "حسب رؤيتنا " لذا التزمنا الحذر تجاه مجريات الأمور ..
عرض لنا ملف إحدى القضايا المعروفة إعلامياً بقضايا قتل المتظاهرين وهي القضية المسماة بقضية قتل متظاهري مدينة بورسعيد يومي 25 و28 يناير والمتهم فيها اللواء ص . ب  مدير أمن بورسعيد ومساعد الوزير وثلاثة من قيادات الضباط بالمسئولية عن قتل متظاهري بورسعيد ..قاربت أوراق القضية على ( 1000) الألف صفحة ..

كانت أوراقها ومحاضرها ومعايناتها وشهادات المصابين والتقارير الطبية الشرعية وشهودها بمثابة وثيقة في يدي لما حدث بإحدى أهم محافظات مصر لحظة بلحظة منذ اندلاع الثورة وفي أهم يومين في تاريخها 25 و 28 يناير 2011 ..

كان يمكنني أن أرفض لمسها تحت دعوى عدم جواز الدفاع عن (قتلة المتظاهرين ) ..ولكن القضية لم تبدأ بعد .. فكيف يكون الحكم مسبقاً ؟!!! قررت أن أقرأها أولاً ثم أقرر بعد ذلك ... 
قبلت القضية على الفور بمجرد الانتهاء من قراءتها .. وقبلت الدفاع عن ضباط الشرطة المتهمين فيها بعدما خلت الأوراق من أية دليل على ادانتهم ..و ليقيني ببراءتهم التامة من الاتهام الموجه لهم بالقتل أو بالاشتراك فيه أو بالتحريض عليه ..وليقيني "ومن خلال الأوراق " أن الأحداث التي مرت بها الثورة في بورسعيد وهي مثال لكل ما حدث في باقي محافظات ومدن الجمهورية ... بها جميعاً حلقة "مفقودة "
وهو ما أفضى فعلاً إلى القضاء ببراءة هؤلاء الضباط كمثائلهم على مستوى الجمهورية 

وفي قاعة المحاكمة .. وبعد صدور حكم البراءة .. تحدثت إلى الفضائيات التي كانت تغطي الحدث ..وقلت ما في ضميري علناً وجهرة .. أن الثورة الطاهرة قد اختطفت من أيدي شباب مصر الذين أشعلوها ..وأن الثورة انحرفت عن مسارها ..وأنها انجرفت نحو منعرجات ندعو الله أن يسلم مصر وشعبها وأهلها من مخاطرها ..وأن جميع قضايا قتل المتظاهرين قد أعدت وجهزت تحت ضغط لتقدم فيها أكباش الفداء بينما الجناة الحقيقيون يمرحون ولا يزالون ...
المهم في الأمر أن هناك من نظر إلينا بأننا من (الفلول) أي بقايا "التابعين " و"المتعلقين " بنظام مبارك والحزب الوطني .. وهناك من انتقدنا على أننا ننادي بعودة حكم مبارك .. بل هناك من اتهمنا مباشرة بأننا قد دافعنا عن (قتلة المتظاهرين ) ليس عن "المتهمين " بقتل المتظاهرين ..
والعجيب كل العجب أننا كانت بين أيدينا ألف ورقة تمثل ملف القضية قرأناها وفحصناها عشرات المرات .. أما من اتهمنا فيده خاوية سوى من "الظن " فقط .. فما دام قد قدم للمحاكمة فهو باليقين قاتل آثم ..لم يقرأ ورقة واحدى ولا سطراً واحداً من ملف القضية .ولكن يقينه بالإدانة لا يزعزعه شيء ...
من هنا علمت وأيقنت أننا "جميعاً " أو بالأحرى أننا شعوب غالبيتها الكاسحة نتحدث ونقرر ونحكم وننتقد ونقارن وندين ونبرئ (بالعاطفة ) نعم بالعاطفة .. أو بالأدق بالكثير من العاطفة وبالقليل من العقلانية وبالنادر من التجرد من الانحياز الذي يمس الحياد .. إذا أعجبنا "شخص" ما فكل ما يقوله يوافق هوانا ..وإذا لم يعجبنا "شخص "ما .فكل ما ينطق به مذموم ومرفوض .. يأسرنا الأشخاص أكثر من استهوائنا بالمواقف .. 
وهذا في ظني السر الكبير في حالتنا عموماً وحالتي أنا خصوصاً ...
فطالما بقينا على خطنا "العاطفي " التام في الحكم على الأشياء فربما يحقق لنا هذا نوعاً من الثبات "الظاهري " في الرؤى الفكرية بينما يكمن داخل هذا الثبات خلل مؤكد في دقة النظرة والرأي والتحليل والاستيعاب ..
وعلى العكس تماماً .. فإن الانفلات من ربقة الشخصنة وقيد العاطفة في اتجاه التجرد من الانحياز الذي يخل بالحياد الفكري فإن الإنسان تبدو مواقفه "الظاهرية " غير متناسقة أو غير منضبطة داخل إطار روتيني نمطي معروف .. ولكنها في حقيقتها تثري قاعدة النقد الفكري السليم تجاه الحكم على الأشياء والمواقف والقضايا والأحداث ...
ربما جريان العمر ..وربما الأحداث الجسام ..وربما تراكم الخبرات ..وربما التجربة الشخصية ..

كل ذلك وغيره قد أكد لي أننا في فترة ما لم نكن نبدع .. بل كنا بالكاد نحبو ..

وحتى في هذه الفترة التي اكتشفنا فيها أننا قد نضجنا ..

فإننا مع العمر القادم _ إن كان في العمر بقية _ سنكتشف سخرية الأقدار منا ..

وأننا لم نكن نعرف شيئاً ..وأننا ما زلنا بالكاد نحبو ....

وسنصدع بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ... حين نردد دون أن نتدبر حق التدبر  قول الله تعالى  ..   ( وفوق كل ذي علم عليم ) ....

ثم ننتهي إلى منتهى اليقين ..ما خاطب به ربُ العزةِ الإنسانَ .  ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) ...

صدق الله العظيم ..


                           وكل عام وأنتم جميعاً بكل خير ...




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !