مواضيع اليوم

نحن لا ندعو إلى دين جديد

سلمان عبدالأعلى

2012-01-02 13:26:18

0

 

نحن لا ندعو إلى دين جديد

بقلم: سلمان عبدالأعلى

نتيجةً للتغيرات التي نشهدها في بعض أفكارنا وتصوراتنا حول هذه الحياة، تتغير معها أو تبعاً لها بعض تصرفاتنا وتعاملاتنا (سلوكياتنا)، سواءً مع أنفسنا أو مع الآخرين المحيطين بنا أو مع الأشياء من حولنا، وهذا أمر طبيعي، فتغير السلوك هنا يأتي كنتيجة للتغير في بعض الرؤى والقناعات الفكرية (الداخلية) التي كانت موجودة لدينا، وإذا حصل وأن تبدلت أو تغيرت هذه القناعات لأي سبب من الأسباب أو لأي مؤثر من المؤثرات، فإن هذا سيكون له انعكاساته المباشرة على بعض السلوكيات المرتبطة بها.

ومن الطبيعي كذلك أن تتغير بعض قناعاتنا وأفكارنا، فالإنسان كائن اجتماعي يتأثر بمحيطه ويؤثر فيه، وكيف له أن لا يتأثر، وهو يتعرض للحوادث والتغيرات الاجتماعية على الدوام، ويتبادل الأفكار والمعلومات مع الآخرين باستمرار، كما يتبادل السلع والأشياء الأخرى، إذ أنه من المحتمل أن يكون لكل حدث اجتماعي يعايشه -الفرد منا- ولكل عملية تبادل فكرية يقوم بها أو يتعرض لها انعكاساتها السلوكية على حياته (في نظراته وتصرفاته) مع نفسه ومع من حوله، طبعاً بغض النظر عن ما إذا كان ملتفت لذلك أم لا أو ما إذا كانت لهذه تأثيرات إيجابية أو سلبية.

ومن الأفكار التي قد تتغير لدى الإنسان والتي قد تترك في نفسه أو في حركته الحياتية تأثيراً بالغاً، هي تغير بعض الرؤى والأفكار ذات المساس بالقضايا الدينية والاجتماعية، فهذه الأفكار من الممكن أن تتغير لدى الإنسان حالها حال غيرها من الأفكار الأخرى، فهي ليست بمنأى عن ذلك، بل ربما يكون للتغير الذي يحصل في بعضها من التأثير ما لا يكون لغيرها، فكم من إنسان تغيرت عنده بعض هذه الأفكار وجعلته يتغير -في أفكاره وتوجهاته، وفي سلوكه وتصرفاته، وفي نظرته وتصوراته- بشكل يندر أن نجد له مثيل عند تغير بعض الأفكار الأخرى.

على كل حال، إن التغير في الفهم الديني ليس أمراً مستبعداً عن الطبيعة الإنسانية، حتى وإن كان المتغير هو من الأشخاص المؤمنين الملتزمين بالدين (من المتدينين)، فكون الإنسان متديناً لا يعني بأنه لا يخطأ في فهمه أو في تطبيقه لبعض النواحي الدينية، ولا يعني كذلك بأنه قد وصل إلى الحقيقة المطلقة التي لا يمكن أن تتبدل أو تتغير، وإذا كان كذلك فمن الطبيعي إذا كان إنساناً واعياً ومخلصاً أن يصحح فهمه الديني أو ممارساته الدينية متى اكتشف عنده أي خلل أو قصور.

إن من المؤسف حقاً أن نرى البعض غافل أو مُتغافل عن ذلك، ولهذا نراه يحيل ويفسر أي تغير يحصل في فكر الإنسان المتدين على أنه تغير سلبي (بأمر الشيطان) سيبعده لا محالة عن الدين والتدين، وهذا بالطبع غير صحيح، فمن الممكن أن يكون الشخص متديناً ومحافظاً على تدينه وحريص عليه كل الحرص، ومع ذلك يتغير في فهمه لبعض النواحي الدينية، فلا تنافي في ذلك، لأن تغيره ليس بالضرورة أن يكون أنتغيراً سلبياً مذموماً، لأنه قد يكون تغيراً إيجابياً (لا يبعده عن الدين) بل يربطه به ويقربه منه أكثر فأكثر.

ولكن نرى أن هذا المعنى قد لا تهضمه بعض العقول الساذجة، خصوصاً تلك التي لا تفرق بين الدين وبين العادات والتقاليد الاجتماعية التي اختلطت بالدين وارتبطت باسمه، وأخذت الطابع الديني واتسمت بالقداسة الدينية، فالكثير منا وبصراحة تامة يتعبد بعادات وتقاليد (مألوفات) اجتماعية وليست دينية وهو غير ملتفت لذلك، ولهذا نراه لا يتحمل أن يسمع شيئاً يخالف هذه العادات التي نشأ وترعرع عليها حتى ولو أتيت له بإثباتات عقلية وبأدلة شرعية مقنعة.

ولذلك كثيراً ما نرى الفرد منا، ما إن يتفوه بأي عبارة أو كلمة يعبر فيها عن بعض آراءه ومواقفه الفكرية، والتي يخالف فيها المشهور والمتداول عند أبناء مجتمعه، حتى يرى نفسه قد أصبح وحيداً بينهم وغريباً عنهم، (وكأنه لا توجد أي علاقة أو صلة تربطه بهم)، إذ أن الاتهامات التي ستحرف كلامه عن مواضعه وستحمله أكثر مما يحتمل، ستزدحم محتشدة على مسامعه، ولن تترك له مجالاً ليثبتها -ولو كان بطرق شرعية- أو ليفسرها بوجهة نظره الحقيقة التي كان يقصدها، لأنه لن يستطيع أن ينطق بعدها ببنت شفة، وحتى وإن نطق ببعض الكلمات فإنها لن تُسمع منه، لأنه لن يجد من يحدثه بها أو من يوصلها إليه.

أجل، من يتجرأ بإعلان آراءه الفكرية المخالفة للمشهور والمتداول، فعليه أن يستعد ويتحمل ألسن الناقمين عليه لمخالفته لعاداتهم وتقاليدهم (التي ألفوها وقدسوها وتعبدوا بها)، ولهذا نسمع الكثير في مجتمعاتنا لا يتردد باتهام هؤلاء (المخالفين له) بالانحراف والضلال، أو بالعلمانية أو بالتأثر بالمفكرين الغربيين أو بالمنحرفين أو بالمتآمرين على الدين .... وغيرها من التهم التي تلقى -أحياناً- جزافاً بلا دليل ولا برهان ... مع أن الكثير من آراء ودعوات الكثير من هؤلاء هي في حقيقتها وواقعها لا تخالف الدين ولا تناقضه، وقد يكون سبب إعلانها الفعلي (دافعه) هو الحرص على الدين والخوف عليه من عبث العابثين.

ولكي لا يُقال بأن كلامنا يُغلب عليه الطبعة العمومية الغامضة نذكر هذا المثال فنقول:

لو انتقد البعض مثلاً تصرفات بعض رجال الدين المخطئين في بعض المواقف أو الآراء، فإن بعض الناس لن ترضى له بذلك، وستهاجمه وستحاربه بكل ما أوتيت من قوة، وحتى ولو أثبت لهم بعدة طرق صحة موقفه ورأيه الذي يتبناه؛ فإنهم لن يكترثوا بذلك، لأنهم يرون بأن النقد الموجه لرجال الدين هو مخالفة للدين وللتعاليم الدينية أو دعوة صريحة للعلمانية أو ... هذا إذا لم يفهموه بأنه مروق عن الدين !

طبعاً يقولون هذا أو يرونه أو يتهمون غيرهم به وهو يعتقدون في أنفسهم بأنهم يتعبدون في ذلك لله سبحانه وتعالى، وكأن لسان حالهم يقول وهم يوجهون هذه التهم للمخالفين لهم بأن هذا كله (طاعة قربة إلى الله تعالى) !!

أعجبتني مقولة لأحد المفكرين أرى من المناسب أن أذكرها هنا، وهي عندما اتهمه البعض من المخالفين له بأنه ماركسي، لم ينفي هذا الاتهام عن نفسه، وإنما أجاب بكل ثقة وببساطة قائلاً: ((أنا ماركسي على كتاب الله وسنة رسوله)).


ولعلي لا أبالغ لو قلت بأن من يعلن عن آراءه ومواقفه التي يعتقد بها بكل شجاعة وجرأة أصبح في مجتمعاتنا وكأنه يتبرأ من دينه ويدعو إلى دين جديد، وذلك لأن الناس ستنفر منه وستحذر منه، وستشن عليه حروب شعواء، لدرجة قد يرى فيها الملاحظ لهذه الحالة، وكأن هذا المسكين ومن يعارضه أهل ملتين لا يجتمعان ... !

ومشكلتنا الفعلية التي نعاني منها ليست في دفاع البعض عن دينه وتدينه، وإنما في دفاعه عن خلفيته الثقافية (عاداته وتقاليده) التي ألفها واعتاد عليها والتي يستوحش من تركها، ولذلك نرى البعض لا يستنكر على الأحاديث التي تُناقش وتتحدث عن إثبات وجود الخالق أو إثبات النبوة أو الإمامة أو غيرها، فهو يتداولها برحابة صدر وبنفس مطمئنة، مع أنها من صلب المواضيع الدينية ومن العقائد الأساسية.

ولكنه يرفض أن يناقش مثلاً رأي أو موقف يتعلق بأحد رجال الدين المخطئين، يرفض ذلك ليس من باب مخالفته للدين، بل لمخالفته لعاداته وتقاليده (المألوفات الاجتماعية)، ولكنه بعد ذلك يحاول أن يبرر موقفه هذا ببعض المبررات الشرعية والعقلية، وذلك حتى يظهر بمظهر المتدين المخلص أو المفكر الواعي أو المصلح المكافح !

مهما يكن الأمر، لو افترضنا بأن أحد المتدينين أعجب بفكر أو ببعض آراء أحد المفكرين الغربيين فعلاً، فهل يعني هذا بأنه قد أعجب به في كل شأن من شؤون حياته (في شخصيته وسلوكه وديانته) ؟ !!

بالطبع لا، فكثيراً ما يعجب الإنسان ببعض المنحرفين دينياً في بعض النواحي الإيجابية الخارجة عن نطاق انحرافهم وضلالهم، وهذا لا محذور منه، ولا مخالفة شرعية معه، فالحكمة كما يُقال ضالة المؤمن.

ويحدثنا الدكتور عبد الله الغذامي في كتابه حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية بقصة طريفة حدثت معه مع أحد المعارضين له في إحدى الندوات، إذ يقول: ((وفي هذه الندوة كنا على الغداء في فندق البحيرة في أبها، وكان هو (يقصد أحد المخالفين له) على طاولة مع صحبه، وكنت أنا مع جمع من صحبي، وفجأة التفت إلى عبر الطاولة الفاصلة بيننا وقال بصوت سمعه الجميع، يا عبد الله إن المرء يحشر يوم القيامة مع من أحب، ولا أود لك أن تحشر مع رولان بارت (فيلسوف وناقد أدبي فرنسي)، قالها وكأنما أراد أن يسمعها الجمع كله. فرددت عليه مباشرة بأن قلت: وأنت تحب امرأ القيس، ولا أظنك تود أن تحشر معه. فسكت رحمه الله)) راجع كتاب حكاية الحداثة للدكتور عبد الله الغذامي ص117.

ولهذا نرى من الأفضل أن لا نشغل أنفسنا بهذه المهاترات الكلامية أو نكتفي فقط بنعت المخالف لنا ببعض النعوت والألقاب التي تسقطه من أعين الناس أو تثبت انحرافه وضلاله ولو كنا نعتقد بذلك، لأن هذا لوحده لا يكفي، (فهو لا يثبت حقاً ولا ينفي باطلاً)، بل علينا أن نرد عليه رداً واقعياً ومنطقياً، فعلى فرض بأن هناك من يقول بنفس آراء العلمانيين أو بنفس آراء المفكرين الغربيين أو ... فهل يا ترى يكون الاكتفاء بمثل هذا الأقوال (بأنه علماني أو منحرف ... ) رداً قوياً ومقنعاً عليه وعلى العلمانيين أو المنحرفين الذين يوافقهم ويتبنى آراءهم ؟ !! بالطبع لا وكلا.

ختاماً أقول: حين ننقد بعض النواحي في أفكار أو سلوكيات بعض المتدينين أو دعاة التدين، فإننا لا ننقد بهذا العمل (الدين)، وإنما ننقد فهم هؤلاء للدين، وهدفنا من وراء ذلك هو إصلاح فهمنا وممارساتنا الدينية (من أجل إصلاح وضعنا الديني)، وليس من أجل هدم الدين أو هجره وتنفير الناس منه والعياذ بالله، لأننا إنشاء الله ملتزمون به وحريصين كل الحرص على الأخذ منه والتمسك به.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !