الحوار المتمدن
www.ahewar.org/debat/show.art.asp
واقع حال لا يمكن نكرانه، إذ كلما كثر الحديث عن التغيير وتعاظم الكلام عن الإصلاح ازداد الوضع من سوء إلى أسوأ. إنه أمر يلاحظه الجميع اليوم.
وإذا كان الواقع متشائم إلى حد السواد أحياناً، فعلينا بتفاؤل الإرادة كما قال "غرامشي".
في حقيقة الأمر إن واقعنا صعب للغاية لأننا بلد فقير وبنية إنتاج الثروات المضافة به هشّة جداً ومتهلهلة وآفاق وتقويتها لتمويل التنمية مازالت ضبابية، مما يجعلنا نعتمد على الخارج مادامت مصادر ثرواتنا الوطنية تعيش مشاكل عويصة وتتآكل سنة بعد سنة لأن طبيعتها هشة جداً، إن على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي.
في هذا الصدد يبرز سؤال مهم وهو" هل تستطيع حكومة بنكيران حل المضلات العويصة؟
لا يشك أحد أن هذه الحكومة ستصطدم بعراقيل ومطببات متعددة منها استعصاء المعضلات القائمة جراء طبيعتها البنيوية، باعتبار أن البنية القائمة تساهم في تعميقها واستفحالها ولا توفر إلى حد الآن، أي مخرج لحلحلتها ومنها أيضاً عراقيل ستواجهها جرّاء استمرار اعتماد نهج العقلية المخزنية.
إن مصادر ثروتنا الوطنية تزداد تهلهلا مع مرور الوقت. نحن لسنا دولة نفطية أو غازية، وإنما نعتمد بالأساس على الفلاحة والصيد ا لبحري والسياحة والفوسفاط والعمال المهاجرين والاستثمار الأجنبي والمساعدات الخارجية. وسابقاً كنّا قد اعتمدنا على مداخيل الخوصصة، والآن نضب هذا المعين وبذرنا العائدات تبذيراً، ولم نخلق بأموال الخوصصة مصادر لإنتاج ثروات مضافة، وهكذا أضحينا أفقر ممّا كنا عليه قبل الخوصصة.
مختلف مصادر ثروتنا الوطنية في تراجع وتقهقر. تعرف فلاحتنا مشاكل عويصة، وإن تساقطت الأمطار، إذ أن الصادرات الفلاحية أضحت تعرف صعوبات جمّة على صعيد السوق الأوروبية، أول شريك في هذا المجال- في حين أن الصيد البحري لا يذر على البلاد إلا مبلغاً زهيداً جداً. وإضافة إلى المشاكل البنيوية تضاف مشاكل أخرى، إذ ها هي مسؤولة الفلاحة والصيد البحري في حكومة الأندلس المستقلة تعمل جاهدة حالياً على حث البرلمان الأوروبي من أجل عدم التصويت لصالح الاتفاق مع المغرب في المجال الزراعي والذي يسمح للمنتجات الفلاحية المغربية بالوصول إلى الأسواق الأوروبية وولوجها. هذا أمر إن تحقق سيلحق بفلاحتنا، المتأزمة أصلاً، ضربة موجعة جدّاً. بل وحتى إن لم يتحقق فإن إسبانيا عازمة على الاعتماد على اللوبيات لحماية المصالح الزراعية الإسبانية التي تمر بالضرورة على النيل من المنتجات الفلاحية المغربية الموجهة إلى السوق الأوروبية.
أما مداخيل الصيد البحري عبر الاتفاقية مع أوروبا، فهي زهيدة جداً، والأولى لنا أن نصطاد سمكنا بأنفسنا، ونخصصه لدعم الاكتفاء الذاتي الغذائي. كما أن تحويلات مغاربة الخارج تسير في تقهقر قد يكون مستداماً بفعل تغيّر الأوضاع عبر العالم. في حين إن الفوسفاط لم يعد مصدراً موثوقاً به بفعل التقلبات التي يعرفها سعره على الصعيد الدولي، بما في ذلك مشتقاته، علمأً أننا نؤدي "بيئياً" ثمناً أغلى مما نحصل عليه من تصدير المواد الكيماوية المصنعة. وقس على ذلك الاستثمار الأجنبي الذي في نهاية المطاف يكلفنا أكثر مما نجني منه بفعل غياب رؤية تنموية مضبوطة المقاصد ومحددة الأهداف. ولم يبق إلا المساعدات الخارجية والديون. فالأولى سائرة نحو النضوب بفعل الأوضاع التي تعيشها الدول المانحة، هذا علاوة على الثمن الباهظ الذي نؤديه للاستفادة منها، أدناه الخضوع والخنوع لما يريده المانحون، أما الديون، فطامتها أدهى وأمر، لأنها ترهن مستقبل أكثر من جيل، كما أنه لا يجب أن يغيب عنا أن الديون تسبّب في النيل من استقلالنا بطريقة جديدة. فإذا كانت الديون سابقاً أدخلت علينا الاستعمار، فإنها اليوم تدخل علينا الاستعمار الجديد غير المنظور.
إن هذا الوضع، تشير إليه مختلف المؤشرات الدولية، رغم أن بعضها يستوجب شيئاً من التصحيح والتصويب، لكن جوهرها يظل عاكساً لجزء كبير من الواقع الفعلي.
في ظل هذه الوضعية، ما زالت الفوارق الاجتماعية تزداد تباعداً وحدة، تكريساً لمقولة إغناء الغني وتفقير الفقير. ففي فجر الاستقلال، عندما كانت النخبة مازالت على ارتباط بالشعب ولم تكن بينهما فجوة ثقافية ومصلحة كما هو عليه الحال اليوم، لم تكن هناك هوّة في الأجور بين النخبة وعامة الناس. لكن بين 1956 و 1960 اتسعت هذه الهوة إلى أن وصلت ما هي عليه الآن. وتزامن هذا التصاعد في الفوارق وتعميق الهوّة مع انتشار مهول للفقر واتساع دوائره، إذ أصبح 10% من المغاربة أغنياء والباقي فقراء، وأكثر من 4 ملايين عائلة تقطن في مساكن غير لائقة في أكثر من 2000 حي صفيح.
على الصعيد السياسي، في مجال الديمقراطية تراجع المغرب ثلاث درجات على سلم معايير الديمقراطية حسب تصنيف المجلة البريطانية "إكونوميست انتيجلنس" إذ احتل المرتبة 119 عالمياً من أصل 123 في تصنيف سنة 2010 (قبل تفعيل الدستور الجديد طبعاً) كما حصل المغرب على أسوأ تنقيط بخصوص معيار الأداء الحكومي (2,22 نقطة)، إذ احتلت الحكومة المغربية الرتب ما قبل الأخيرة عالمياً.
على الصعيد السوسيو ثقافي، احتلت بلادنا الرتبة 155 عالمياً في مجال الأمية (50% تقريباً من الساكنة)، ورتبة متأخرة بين دول المغرب العربي في مجال التعليم.
ويحتل المغرب الرتبة 80 بعد أن كان في الرتبة 72 بخصوص محاربة ظاهرة الفساد. وحسب منظمة الشفافية الدولية، بالرغم من توقيع المغرب في 9 فبراير 2003 على اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمحاربة الرشوة، تحتل بلادنا الرتبة 77 في أواخر 2010 بعدما كانت تحتل الرتبة 70 سنة 2003 وصعد المغرب من الرتبة 63 إلى الرتبة 48 في تصنيف المؤشر العالمي الذي يصدره الصندوق الدولي من أجل السلام ومجلة السياسة الخارجية.
وبخصوص حرية الصحافة، حسب تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود"، احتل المغرب الرتبة 106 بعد أن كان مرتباً في الصف 89 من أصل 169.
وعلى الصعيد الاقتصادي، وصلت مديونية المغرب إلى أكثر من أربعمائة ونصف مليار درهم حسب التقرير الصادر في مارس 2011، مسجلة بذلك ارتفاعاً قارب 1% وهو ما يمثل 58.90% من الناتج الداخلي الخام. هذا في وقت تراجعت فيه الاستثمارات الأجنبية بنسبة تقارب 29%، وانخفضت احتياطات الصرف بما يقارب 3,5%.
واحتل المغرب الرتبة 96 ضمن 161 دولة في مجال حرية الاقتصاد حسب تصنيف جريدة "وال ستريت جورنال" لمؤشر حرية الاقتصاد. ويحتل الرتبة 68 ضمن 102 دولة على سلم مؤشر الفقر، واعتبرت بلادنا ثالث بلد إفريقي في مجال تهريب الأموال حسب تقرير هيئة السلامة المالية العالمية الأمريكية. وحسب إحصائيات منظمة العمل العربية حول التشغيل والشباب والهجرة والتنمية البشرية في البلدان العربية لسنة 2010، تقع بلادنا ضمن المراتب المتأخرة. وكذلك الأمر بخصوص مؤشر متوسط إنتاجية العامل من الناتج الصناعي للدول العربية من بين 21 دولة.
واحتل المغرب الرتبة 129 في ترتيب برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية.
إنه واقع متشائم حقاً، ولم يبق أمامنا إلا تفاؤل الإرادة. لكن هذا التفاؤل يستلزم رؤية شاملة لما نريد وإلى أين نريد أن نصل
التعليقات (0)