نحن أسرى لجُثث
يجب أن نعترف ونقولها بصراحة إلى متى وقضايا الزمان والمكان أسيرة لشخصياتِ قضت نحبها وباتت ترقد بين اللحود منذ زمنِ طويل ، إلى متى وتلك الجُثث تتحكم في مصاير الناس ، إلى متى وهيّ جاثمة على العقول قبل القلوب ، إلى متى وأقوالها مقدسة لا يستطيع أحدُ نقدها و التشكيك في صحتها وإن حاول أحدُ فالويل ثم الويل له ، شخصيات قديمة عاشت بأزمنةِ مُختلفة بيننا وبينها مساحة زمنية وفكرية وحضارية شاسعة ومع ذلك باقية وتتمدد في أوساطنا الثقافية والاجتماعية والعلةِ ليست فيها بل فيمن جعل من أفكارها ومعتقداتها مُسلماتِ لا فكاك منها ، لو آردنا إحصاء تلك الشخصيات لذكرنا بعضاً ونسينا آخرين لكن سيذكر العقل ما يحضره فأبن تيمية وإبن حنبل وإبن قدامة والبخاري ومُسلم وإبن عبدالوهاب وغيرهم بشر يخطئون ويصيبون ينسون ويسهون تغلب عليهم العاطفة في بعض الأحيان ويتحررون منها أيضاً وهذا أمرُ طبيعي لأنهم بشر فلماذا ارثهم الفكري الذي خلفوه باقِ ولماذا لا يوجد غير نسخ مكرره لا تخرج عن تحليل وتفسير ما قالوه ؟
العلة تكمن في الجهل والعصبية التي بلغت حداً لا يُطاق ، تلك الشخصيات يقابلها شخصيات أكثر علماً ومرونه قديماً وحديثاً أعلام وليست أسماء ومع مكانتها وعلو كعبها تبقى الأسماء في المقدمة و الأعلام في المؤخرة ؟
النقد البناء أداة لكشف الحقيقة وإزالة الغموض ، وكل إسمِ من تلك الأسماء وغيرها قديماً وحديثاً له مكانته في الفضاء الإنساني فهو محل إحترام وتقدير كسائر البشر وهذا ما يجب أن يعيه المتعصبون الذين لا يألون جهداً في المنافحة عن تلك الأسماء وإتهام من ينتقدها أو يتساءل عن سر تعظيمها بأبشع التُهم واقذر العبارات ، آمه تقودها جثث تحت الثراب آمه نائمة آمه لا تستطيع اللحاق بركب الحضارة آمه تعيش على الهامش وتقتات على فتات الأخرين آمه بحاجة لمن ينتشلها من تحت الأنقاض لكي تحيا حياةً طيبة كما تُريد هيّ وليس كما يُريدون هم ؟
الدين محفوظ الى قيام الساعة وبالكتاب المُقدس "القرآن الكريم"آدلة على ذلك وبه أيضاً كل شيء يهم الفرد روحياً وسلوكياً ومع ذلك يتحدث الكثير بلسان تلك الأسماء القديمة وبمن سار على نهجها من المتأخرين ويترك كلام الله ، هنالك مشكله عقلية يعاني منها المسلم مشكلة تسببت له بالكثير من المشاكل فهو يعيش حاله من الإنفصام العقلي والنفسي ، يتقيد بقول فلان من الناس ويتمسك بتأويلات المتأولين ويتعصب لرأي لا يكاد يقترب من الصواب قيد انمله ويعتقد أنه بذلك يتقرب إلى الله ، الحالة الفكرية والثقافية التي يعيشها عالمنا العربي اليوم جامدة لا يمكنها تقبل الأخر ولا يمكنها المساهمة في بناء حضارة ولا يمكنها الإسهام في تلاقح الحضارات وبناء الإنسان ، الجمود مرض ولتخلص منه يتوجب على العقل تكسير القيود التي تحد من إنطلاقه فتلك القيود مهما كانت مسمياتها ليست سوى بدع أبتدعها السياسيون ورجال الدين لكي لا يخرج القطيع من الدائرة المرسومة مُسبقاً ، نحن اليوم في أمس الحاجة لإعادة قراءة التراث وتنقيحة والتحرر من سطوة عقل الماضي على إنسان الحاضر ودعم جهود التنوير وأصوات الاعتدال التي ليست في غياهب المقابر بل تعيش بيننا وتفهم ما يجري من تحولات وتبذل الجهد للتوفيق بين بني الإنسان بغض النظر عن التفريعات الجزئية التي لا يؤمن به عقل وقلب سليم .
حياتنا اليوم أشبه ما تكون بحياة الأموات فكل شيء فيها مرتبط بما قاله فلان ورواه إبن فلان وهذه كارثة بشرية لا نظير لها في عالم الإنسان فساكنوا المقابر هم الأحياء ونحن اموات على قيد الحياة إرضاءً لجهل البعض وإستسلاماً لتشدد آخرين .
@Riyadzahriny
التعليقات (0)