لكـل منبـر إعلامـي خـط تحريـري والمنبـر العمومـي خطـه التحريـري تحـدده فئتـه المستهدفـة مـن الشعـب، وبـذلك فاللازم أن تكـون أمـواج الإذاعـة الوطنيـة رهينـة أدواق مستمعيهـا، وليسـت رهينـة مـزاج المشرفيـن عليهـا.
هـذا الاستهـلال لـه ما يبـرره فـي زمـن تحقيـق شـرط الجـودة الإعـلاميـة، حيـث إن مـدخل الجـودة اليـوم يبـدأ بتقـويمات وتوجيهـات النقـاد ومـلاحظـات وحاجيـات المستمعيـن (المستهـلك الإعلامـي)... وهـو مـا حاولـت أن تقـوم بـه الإذاعيـة فاطمـة أقـروط فـي فتـرة زمنـية مضـت، مـن خـلال بـرنامـجهـا الأسبـوعـي "مـرآة الأثيـر" والـذي كان يتخـذ مـن إثـارة نقـد وتقييـم البرامـج التـي تقدمـها الإذاعـة الوطنيـة مـوضوعا لـه، برنامـج وإن حـاول التقويـم لكـن لـم يوفـق إلـى حـد بعيـد فـي فـرض سلطـة المستـمعيـن لرسـم محـددات الخـط التحـريـري لمـرفـق إعـلامـي عمـومي مـن المفتـرض فيـه أن يكـون ملكـا لمستمعيـه مـن الشـعـب فـي أفـق تحسيـن جـودة البرامـج الإذاعيـة.
والجديـر بالذكـر بأن هـذا المسلـك، وعلـى الرغـم مـن صـدق حجيتـه فإنـه لـم يجـد سبيلـه لصنـع الخـط التحريـري الشعبـي للإذاعـة الوطنيـة فـي عـدد مهـم مـن البرامـج الـتي نـزعـت منـزعا غيـر الـذي يرضـاه لـها مواطنـوها.
البـرنامج اليـومي الصبـاحـي "اللقـاء المفتـوح" الـذي تعـده وتقـدمـه الصحفيـة فاطمـة المايـة وأميـنة العلـوي العبـدلاوي، جعـل مـن أحـد أهـم فقـراتـه الأغنيـة أداة ترفيهيـة عـن المستمعيـن إضافـة إلـى الفقـرات الخاصـة بالنسـاء كالموضـة والطبـخ والنصائـح الجماليـة والتربيـة الغذائيـة...، وهـي فقـرات مهمـة تتخـللها استـراحات غنائـية، المثـير فـيها هيمنـة وطغيـان الأغنيـة التطريبيـة الشعبيـة أو مـا بات يسمـى بالأغنيـة الشبابيـة علـى حسـاب الأغنيـة المغربيـة الأصيلـة، وهـو الأمـر الـذي أثـار حفيظـة عـدد كبيـر مـن المستمعيـن الـذين اشتكـوا ذلك باتصـالات مكثـفة قـدمـت علـى الهـواء مباشـرة فـي البرنامـج الـذي تعـده وتقدمـه الصحفيـة فريـدة الرحمانـي، وتحتفـي فيـه بالأغنيـة المغربيـة. فقـد عبـر جميعهـم عـن الطريقـة اللامفهـومـة فـي التضييـق علـى الأغنيـة المغربيـة الأصيـلـة، وذلك بتغييبـها لصـالح الأغـانـي الشعبيـة خـلال الفتـرات الصباحيـة.
كمـا عبـر عـدد مهـم فـي شكاواهـم هاتـه ما لـم تتفهمـه معـدتا برنامـج اللقـاء المفتـوح حيـن يكثـف مـن تقديـم أغانـي شعبيـة مـوغلة فـي اللهجـة المحليـة، والتـي لا تتلاءم والسيـاق الدينـي والثقـافـي لأيـام الجمعـة، اليـوم الـذي اعتبـروه عيـدا بالنسبـة للمسلميـن، لأنـه يـوم تعبـدي حسـب تعبيـرهم.
ولقـد اقتـرح إثـر ذلك غالبيـة المتصليـن استبـدال تقديـم الأغانـي الشعبيـة (الشبـابيـة) بأغـاني تتناسـب والقيـمة الشعائريـة التعبـدية ليـوم الجمعـة، كتقـديـم أغانـي دينيـة لفـنانـين مغـاربـة رواد، والـذيـن تغنـوا كثيـرا بالأغنيـة الدينيـة فأبدعـوا أيما إبـداع، أمثـال الفنـان عبـد الوهـاب الدكالـي، وعبـد الهادي بلخيـاط وفتـح الله لمغـاري والفنـانة القديـرة نعيمـة سميـح ولطيفـة رأفـت واللائحـة طويـلة.
اقتـراحات ولـدت تعاطفـا كبيـرا مـن قبـل المستمعيـن، فسـرته تـوالي وكثافـة اتصـالاتهـم للدفـع فـي اتـجاه تعـديل استـراتيجيـة بـرنامـج اللقـاء المفتـوح بمـا يتناغـم والطبيـعة الخاصـة ليـوم الجمعـة، لقيمتـه الدينيـة التعبـدية، ولاحتـرام مشاعـر الناس.
وأمـام هـذا الإلحاح لـم يكـن بـد للزميلتيـن المشرفتيـن علـى برنامـج اللقـاء المفتـوح سـوى الرضـوخ لرغبـة المستمعيـن وصـارت حلـة البرنامـج الصباحـي اللقـاء المفتـوح خـلال يـوم كالجمعـة تقديـم الأغانـي الدينيـة لا غيـر، وبـذلك تكـون اتصـالات المستمعيـن المكثفـة قـد أعادت الإذاعـة الوطنيـة إلـى جـادة صـوابـها، بأن فضلـت فـي النهايـة احتـرام مشـاعـر مستمعيـها، ونسجلهـا نقطـة حسنـة لها، إذ تفاعلـت إيجـابا ومـن منظـور دمقـرطة المؤسسـات الإعلاميـة، وتطبيـق فلسفـة القـرب والحكامـة الجيـدة فـي تدبيـر أنشطـة هـذا المرفـق العـام، وتولـد عنـه استحسـان لعـدد كبيـر مـن المستمعيـن.
التعليقات (0)