الشاعر والكاتب الموريتاني: المختار السالم
هذه الورقة البيضاء مخيفة لأن لونها الفوسفوري يجعل القلب يتفحم قب
ل أن تتفحم الحروف كالجثث المشوية في هذا الزمن الغزاوي الرهيب...
من اليوم فصاعدا على النساء البيضاوات أن يسترن بياضهن الفوسفوري.. فقد تغيرت لعبة الألوان، واللون الأبيض أكل في غزة يوم انتشر اللون الأحمر..
يا غزة انتصري على الفسفور،
وعلى بقايا منتدى بلفور...
يا غزة انتصري، فأنت القبر الوحيد
لكل هذا المعتدي المخمور..
السيف والقبر الوحيد تعانقا
في مفردات صمودك الأسطوري..
أرأيت تلك الطائرات تصب جحيمها في جوف طفل جائع...؟!
وتقول للشعراء والبلغاء إن هديرها أعلى صدى للسامع...
جاؤوا صباح النار؛
جاؤوا طائرين ومبحرينْ...
في مركب الحقد الدفين.. مسارعينْ..
وأمام عربدة الكلابْ..
نام المفدى في حجابْ..
ترك الفريسة للذئابْ..
لكنه في نومه المنحوس دسّ لسانه بين الضبابْ..
لقد صار "المعتصم" أحوج للنجدة، المشكلة أن "المعتصم" يصاب بالخوف من غزة، ومن عيوب غزة أنها لا تخاف، ومشكلة غزة إصرارها على الموت وهي لا تموت لا بالحصار ولا بالنار..
يتحالف البحر والجو والبر ضد غزة، لكن غزة هي الضحية التي لا تموت...
لقد سافح الجيش الصهيوني العار فكانت النتيجة الطبيعية هي المجازر والمحارق..
سجل يا تاريخ أن الصدور العارية هزمت الطائرات والدبابات والسفن وكل ترسانة محور الطاغوت..
هي غزة لا تـنهزمْ....
فيها صممْ..
عن قرع أجراس الظـلـمْ...
في سماء غزة ثلاثة فصول: الطائرات والدبابات والصواريخ.. تختلف غزة زمنيا عن فصول القضية المعروفة، وتختلف جغرافيا عن باقي أجزاء الأرض.. فهي موجودة في كوكب العنقاء، والناس في غزة يأكلون القنابلْ، ويلبسون الفوسفور، وينامون في قبورهم..
أطفال غزة، ونساء غزة، وشيوخ غزة، وبيوت الناس في غزة، وبيوت الله في غزة، ومقاتلي غزة، وصواريخ غزة كلها أحلام في زمن الكوابيس.. بقعة نهارية في عولم ليلية..
ليس من حق "المعتصم" – الصغير– دخول غزة، لأنه استجابة للنداء بالمقلوب... استجاب لنداء الجلاد...
لا يهمنا أن يكون "المعتصم" متزوجا بأربع زوجات وألف جارية، فذرية "المعتصم" لن تحكم غزة، وصولاته لن تجلب المعزة، وعلاقاته السرية والعلنية بـ"ليفني" لا تتيح له غير التمتع باتفاقيات مكتوبة بلحم الوجه.
إن من يتـمســحون بـ"حيض" ليفني لن يقيموا وزنا لدم غزة..
لا يهمنا أن تربت "تسيبي ليفني" على كتف هذا الحاكم أو ذاك، فمن تواطأ.. تواطأ عن سبق مهانة وذل.. ومن انحاز لحضن غزة الساخن بالكبرياء والكرامة والعزة نرى ذلك مكتوبا في جبهته قبل أن يسيل من على لسانه..
بين المحارق الممتدة من 1948 إلى 2008، لا يوجد غير فارق التوقيت والسلاح،.. نفس الأسلوب ونفس النوايا الذئبية الصهيونية مع الاعتذار للذئاب عن تشبيهها بالصهاينة...
آخر درس ينكشف في الانتخابات الإسرائيلية أن كل مهاجر صهيوني يعطي بطاقة تصويته مقابل جثة مواطن فلسطيني...
وآخر درس لدعاة أو رعاة الاعتدال أو الابتذال أن رئيس أمريكا يعزي في قطة ويهدر دم غزة... تلك قيم "أمة الحرية الأسطولية"..
من أهدر دم غزة، الجميع أهدروه.. ألئك الذين غرسوا حرابهم وألئك الذين أشهروا صفارات الإنذار من خطورة المقاومة..
إنه تحول سريالي من المقاومة إلى الخوف من عواقبها والعمل على منعها وقتلها بأي طريقة ولا حاجة للحياء في "ماخور الحكم" الحضاري أو الاحتضاري...
لكن غزة انتصرت، وهي لن تهدي انتصارها لغير الأطفال والنساء والشيوخ الذين يعيشون زمنها بأبهى صوره وأبلغ معانيه..
البشر في غزة أشلاء، والحجر حطام، والشجر مقطوع، دموع، ودماء، وصراخ، مقابر، ومشاعر، دمار في دمار، ودماء على الدماء، وجثث تحت الأرض وجثث فوق الأرض، أطفال يتشبثون بجثث أمهاتهم، وأمهات يبحثن عن أكفان لأطفالهن لا عن الألبان..
الطفلة التي قطعوا قدميها تبتسم، تتحدث بهــدوء... واثقة هي من أنها تزوجت بالقضية، وأن مهرها كرامة غزة..
يا للبراءة في أبهى معانيها، وللجريمة في أقصى منافيها..
يا للسيوف التي أغمادها قدما طفلة ضحكت عنها مآسيها..
يا لتلك اللحظة الفوسفورية التي تمزق القلب والأحشاء،
لولا أنك انتصرت يا غزة..
وقلت لعرب الحرير،
والتوقف عن المسير،
والنوم في السرير،
أنه لا راحة قبل التحرير،
وأن نساء غزة لا يلدن غير الشهيد، ولا يفقدن غير الشهيد..
في غزة ممنوع الدخول على غير العرب،
ممنوع الحياة على غير ذرية هاشم الحقيقية..
في غزة منوع انتحال الهوية العربية,..
في غزة وزير الداخلية العربي يترفع شهيدا وهو يقاومْ..
في غزة مجد "القواسمْ"..
ونبل جميع العواصمْ..
فيها ينام قرير العين "أحمد ياسين"..
فيها أجمل السنين،
وأروع النساء الحور العين،
وكتائب المقاومينْ..
وفيها كتاب الله المبينْ.
....
في غــزة توجد غــزة..
التعليقات (0)