نتائج الحرب في الإسلام . للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .
1_ النصر من عند الله :
قال الله تعالى : (( وما النصر إلا مِن عند الله ))[ الأنفال : 10] .
إن تحقيق الانتصار في المعركة ليس إجراءً ميكانيكياً تلقائياً يعتمد على العبقرية الفردية والأخذ بالأسباب . فالنصرُ هِبَةٌ ربانية يمنحها اللهُ لمن يشاء من عباده . أما التخندق في الإجراءات المادية البحتة ونسيان القدرة الإلهية ، فهذا يؤدي إلى الهلاك الحتمي بسبب الغرق في الأسباب دون النظر إلى قدرة المسبِّب _ تعالى _ . والمسلمون في عصور مجدهم وانتصاراتهم لم يكونوا يعتمدون على العُدّة والعتاد ، وإنما يعتمدون على الله تعالى آخذين بالأسباب وعواملِ النصر المادية . فالنصرُ _ حقيقةً _ منحةٌ إلهية ، وإذا تخلى اللهُ تعالى عن عباده فلن يستفيدوا من عبقريتهم ولا قوتهم .
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى
فأول ما يجني عليـه اجتهاده
وقال القرطبي في تفسيره ( 4/ 194 ) عن الآية : (( يعني نصر المؤمنين ، ولا يدخل في ذلك نصر الكافرين ، لأن ما وقع لهم من غلبة إنما هو إملاء محفوف بخذلان وسوء عاقبة وخسران )) .
2_ النصر حليف المظلوم :
قال الله تعالى : (( ذلك ومَن عاقب بِمِثْل ما عُوقِب به ثم بُغِيَ عَلَيْه لَيَنصُرَنهُ اللهُ )) [ الحج : 60] .
وهذه بشارةٌ للمظلوم _ الذي بُغِيَ عليه وتم الاعتداء عليه ظلماً _ بأن اللهَ تعالى ناصرُه ، فالبغي يصرع أهلَه ، والظلمُ مرتعه وخيم . وفي لباب النقول للسيوطي ( 1/ 148 ) : (( عن مُقاتِل : أنها _ أي الآية _ نَزلت في سَرِية بعثها النبي صلى الله عليه وسلم ، فلقوا المشركين لِلَيْلتَيْن بقيتا من المحرم ، فقال المشركون بعضهم لبعض : قَاتِلوا أصحابَ محمد فإنهم يُحرمون القتالَ في الشهر الحرام ، فناشدهم الصحابة وذكّروهم بالله أن لا يتعرضوا لقتالهم ، فإنهم لا يستحلون القتال في الشهر الحرام ، فأبى المشركون ذلك وقاتلوهم ، وبَغوا عليهم فقاتلهم المسلمون ونُصروا عليهم )) .
3_ الهزيمة :
قال الله تعالى : (( إن يَمْسَسْكُم قَرْحٌ فقد مَس القومَ قرحٌ مِثْلُه )) [ آل عمران : 140] .
فإذا أصاب المؤمنين قتلٌ وجراحٌ ، فقد أصاب المشركين مثلُ ذلك . والمسلمون غير معصومين من الهزيمة أو التعرض للإصابات من شتى الأنواع. ففي المعركة يحصل كل شيء ، لا سيما أن المقاتِلين هم بشرٌ يُصيبون ويُخطئون ، وقد يرتكبون بعض الأخطاء مما يؤدي إلى تأخر النصر عنهم أو هزيمتهم . فإذا انتصر المسلمون فبفضل الله تعالى لِيُعْلِيَ دينَه ويُعِز عبادَه ، أما إذا انهزم المسلمون فهذا درسٌ لهم لكي يُراجعوا أنفسهم ويقفوا على مواطن الخلل فيهم .
وقال القرطبي في تفسيره ( 4/ 214 ) : (( والمعنى : إن يمسسكم يومَ أُحد قرحٌ فقد مَس القومَ يومَ بَدْر قرحٌ مثله )) اهـ .
وقال ابن حجر في العُجاب في بيان الأسباب ( 2/ 759و760 ) : (( عن عكرمة قال : ندم المسلمون كيف خَلوا بينه _ أي خالد بن الوليد وقد كان مشركاً_ وبين رسول الله، وصعد رسولُ الله الجبلَ ، فجاء أبو سفيان فقال : يا محمد ، الحرب سِجال _ الحديث _ ، قال : ونام المسلمون وبهم كُلوم _ أي جروح _ ، ففيهم نزلت _ الآية _ )) اهـ .
قال الله تعالى : (( أَوَ لَما أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتُم مِثْلَيْها قُلتُم أنى هذا قُل هو مِن عند أنفسكم )) [ آل عمران : 165] .
والآيةُ تتحدث عن المصيبة التي حَصلت للمسلمين يوم أُحد إذ قُتِل منهم سبعون ، واللهُ تعالى يُذكِّرهم بأنهم يوم بَدْر قَتلوا سبعين مشركاً وأسروا سبعين . فمجموع القتلى والأسرى يوم بَدْر مِثْلَي قتلى المسلمين يوم أُحد . وما الهزيمةُ التي حصلت لهم يوم أُحد إلا بسبب مخالفتهم للأمر النبوي الشريف القاضي ببقاء الرماة على الجبل . فهذا الإثمُ الذي ارتكبوه قاد إلى انكسارهم أمام أعدائهم .
وفي مسند أحمد ( 1/ 30 ) : قال عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _ : (( فلما كان يوم
أُحد من العام المقبل ، عُوقِبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء ، فقُتل منهم سبعون ، وَفَر أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكُسرت رُباعِيته ، وهُشمت البيضةُ على رأسه ، وسال الدمُ على وجهه،وأنزل الله تعالى: [ أَوَ لَما أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتُم مِثْلَيْها ] الآية، بأخذكم الفداء )).
فنحن نلاحظ أن الوقائع المؤلمة التي حدثت للمسلمين يوم أُحد كانت عقوبةً لهم على تقصيرهم. وأخذُهم للفداء يوم بَدْر فتح بابَ العقاب الإلهي يوم أُحد ، فقُتل منهم سبعون ، وتفرق الصحابة _ رضي الله عنهم _. وقد كُسرت أسنان النبي صلى الله عليه وسلم، وهُشمت خُوذته ، وسال الدمُ على وجهه الشريف . وهذا يشير_بلا ريب _ إلى تأثير الذنوب في تعكير صفو الحياة ، وإشاعة الحزن والكآبة في النفوس ، وتحويل الواقع إلى أزمات متفاقمة ، وهزائم متكاثرة .
4_ الغنائم والأنفال :
قال الله تعالى : (( يسألونكَ عن الأنفال قُل الأنفال لله والرسولِ )) [ الأنفال : 1] .
والسؤالُ عن صاحب غنائم يوم بَدْر ، فجاء الجواب بأن الغنائم لله والرسولِ صلى الله عليه وسلم ، والحكمُ لله تعالى ويُنفِّذه النبي صلى الله عليه وسلم على أرض الواقع . فعلى المؤمنين أن يلتزموا بالشريعة ، ويبتعدوا عن حظوظ النفس المادية والتفكيرِ في اقتسام الغنائم .
وقال أبو السعود في تفسيره ( 4/ 2) : (( النفْلُ الغنيمة ، سُمِّيت به لأنها عطية من الله تعالى زائدة على ما هو أصل الأجر في الجهاد من الثواب الأُخروي )) اهـ .
وعن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بَدْر : (( مَن قَتل قتيلاً فله كذا وكذا )) ، أما المشيخة فثبتوا تحت الرايات ، وأما الشباب فتسارعوا إلى القتل والغنائم ، فقالت المشيخة للشبان : أشركونا معكم ، فإنا كُنا ردءاً لكم ، ولو كان فيكم شيء لجئتم إلينا فأبوا ، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فنزلت [ يسألونكَ عن الأنفال ] ، فَقُسمت الغنائم بينهم بالسوية.
{ رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 241 ) برقم ( 2876 ) وصححه ، ووافقه الذهبي . }.
واللهُ تعالى يُرشد صحابةَ رسوله صلى الله عليه وسلم إلى حتمية خضوعهم للحكم الإلهي الذي يُطبِّقه النبي صلى الله عليه وسلم ، فهم ليس لهم من الأمر شيء ، وعليهم التركيز في القتال لإعلاء كلمة الله تعالى ، والابتعاد عن التناحر من أجل متاع الدنيا الزائل ، فدخولُ الأمور المادية _ المتمثلة في اقتسام الغنائم _ بين صفوف المؤمنين سيؤدي إلى تشتيت كلمتهم ، وبث الضغائن والأحقاد فيما بينهم ، والابتعاد عن جوهر الجهاد الذي يعني الإقدام على الآخرة وإعطاء الظّهر للدنيا .
وقال الله تعالى: (( واعلَموا أنما غَنِمْتُم مِن شيء فأن لله خُمُسَهُ وللرسول ولذي القُربى واليتامى والمساكين وابنِ السبيل )) [ الأنفال : 41] .
والغنيمةُ هي ما يناله المسلمون من الكفار قهراً . وقد أرشد القرآنُ إلى كيفية توزيعها . حيث تُقسّم خمسة أقسام ، فيُعطَى الْخُمْس للنبي صلى الله عليه وسلم وقرابته ( بني هاشم وبني المطلب ) واليتامى والمساكين وابن السبيل ( المنقطع في سَفره ) . أما الأربعة أخماس فتُعطَى للمجاهِدين الذين وضعوا أرواحَهم على أكفِّهم من أجل إعلاء كلمة الله تعالى .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل عن الغنيمة : (( لله خُمسها ، وأربعة أخماس للجيش )).
{ رواه البيهقي في سُننه ( 9/ 62 )برقم ( 17791 ).وصحّحه ابن كثير في تفسيره ( 2/ 410).}.
أما تخصيص القرابة _ الذين يُعْطَوْن من الْخُمْس _ ببني هاشم وبني المطلب ، فلأنهما متلازمان ووحدة واحدة . وعن جبير بن مطعم قال : لما قسم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سهم القربى من خيبر بين بني هاشم وبني المطلب جئتُ أنا وعثمان بن عفان ، فقلتُ : يا رسول الله ، هؤلاء بنو هاشم لا يُنكَر فضلهم لمكانك الذي وصفك اللهُ _ عز وجل _ به منهم ، أرأيتَ إخواننا من بني المطلب أعطيتَهم وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة ، قال : (( إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام ، وإنما هم بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد )) ، ثم شَبك بين أصابعه .
{ رواه أحمد في مسنده ( 4/ 81 ) برقم ( 16787) . وقال الشوكاني في نيل الأوطار ( 8/ 147 ) : رواه البرقاني وذكر أنه على شرط مسلم . }.
فقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن سبب إعطاء بني المطلب من الْخُمْس عدم مفارقتهم له لا درجة قرابتهم . فالعِبرةُ هنا في الملاصقة والدعم لا رابطة الدم .
وقال ابن كثير في تفسيره ( 2/ 410 ) : (( وأما سهم ذوي القربى فإنه يُصرَف إلى بني هاشم وبني المطلب ، لأن بني المطلب وازروا _ أعانوا _ بني هاشم في الجاهلية وفي أول الإسلام ودخلوا معهم في الشِّعب غضباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحماية له ، مسلمهم طاعة لله ولرسوله ، وكافرهم حمية للعشيرة وأنفة وطاعة لأبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما بنو عبد شمس وبنو نوفل _ وإن كانوا بني عمهم _ فلم يوافقوهم على ذلك ، بل حاربوهم ونابذوهم ، ومالؤوا بطون قريش على حرب الرسول )) اهـ. لكن السؤال الذي يطرح نفسَه: أين يذهب السهمان( سهم النبي وسهم قرابته ) بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ . وقد خاض العلماء في هذه القضية . وفي مستدرك الحاكم ( 2/ 140) : عن محمد ابن الحنفية _ رحمه الله _ قال : (( اختلف الناس في هذين السهمَيْن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قائلون : سهم القربى لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال قائلون : لقرابة الخليفة ، وقال قائلون : سَهْم النبي صلى الله عليه وسلم للخليفة من بعده، فاجتمع رأيهم على أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله ، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر _ رضي الله عنهما _ )) .
5_ المدد الإلهي :
قال الله تعالى : (( يُمْدِدْكُم رَبكم بخمسة آلاف من الملائكة مُسَومين )) [ آل عمران : 125].
وهذه الآية مشروطة بصبر المؤمنين وتقواهم . فلما ثَبَتوا يوم بدر أمدهم اللهُ تعالى بخمسة آلاف من الملائكة مُعلّمين بعلامات. فالصبرُ مفتاح النصر. وهنا تبرز ضرورة الثبات في المواقف الشديدة، وتدريب النفس على الصمود عند الأزمات . والكلامُ يظل سهلاً ، لكن العِبرة بالأفعال . وبالطبع فإن الممارسة والتدريب العملي على الثبات يؤدي إلى صناعة أفراد قادرين على المواجهة الفعلية .
وقال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 89 ) : (( من التسويم الذي هو إظهار سيما الشيء )) . اهـ .
واللهُ تعالى ليس بحاجة إلى الملائكة ليمنح النصرَ للمؤمنين ، لكنه _ سبحانه _ أراد إعطاء درس واقعي للصحابة حول الأسباب والمسبِّبات . وقد قال القرطبي في تفسيره ( 4/ 190 ) : (( نزول الملائكة سبب من أسباب النصر لا يحتاج إليه الرب تعالى، وإنما يحتاج إليه المخلوق فليعلق القلبُ بالله ، وليثق به فهو الناصر بسبب وبغير سبب )) اهـ .
وفي الدر المنثور للسيوطي ( 2/ 310 ) : (( عن علي بن أبي طالب قال : كان سِيما الملائكة يوم بَدْر الصوف الأبيض في نواصي الخيل وأذنابها )) .
وقال الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمةَ الله عَلَيْكم إذ جاءتكم جنودٌ فأَرْسَلْنا عَلَيْهم رِيحاً وجنوداً لم تَرَوْها )) [ الأحزاب : 9] .
وكان هذا عام الخندق ( 5 هـ ). حيث اجتمعت الأحزابُ لقتال النبي صلى الله عليه وسلم، وهم قُرَيْش ، وغطفان ، ويهود قُريظة والنضير . لكن الله تعالى لا يتخلى عن رسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته _ رضي الله عنهم _ فأرسل على الأحزاب ريحاً قَلبت أمورَهم رأساً على عقب ، والريحُ من جُند الله تعالى .
قال ابن كثير في تفسيره ( 3/ 620 ) : (( ثم أرسل الله _ عز وجل _ على الأحزاب ريحاً
شديدة الهبوب قوية حتى لم يبق لهم خيمة ولا شيء، ولا توقد لهم نار، ولا يقر لهم قرار حتى ارتحلوا خائبين خاسرين ))اهـ . لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( نُصِرْتُ بالصبا ، وأُهلكت عاد بالدبور )).
{ متفق عليه . البخاري ( 1/ 350 ) برقم ( 988)، ومسلم ( 2/ 617 ) برقم ( 900 ) . }.
والصبا هي الريحُ الشرقية ، أما الدبورُ فالريحُ الغربية . وفي هذا الحديث إشارةٌ إلى قصة الأحزاب الذين هزمهم اللهُ تعالى بالريح ، وإمداد المؤمنين بالملائكة الذين زَلزوا الأعداءَ ، وألقوا في قلوبهم الرعبَ لكنهم لم يُقاتِلوا .
وقال القرطبي في تفسيره ( 8/ 93 ) : (( وهم الملائكة يُقَوون المؤمنين بما يُلقون في قلوبهم من الخواطر والتثبيت، ويُضعِفون الكافرين بالتجبين لهم من حيث لا يرونهم ومن غير قتال لأن الملائكة لم تُقاتِل إلا يوم بَدْر )) .
http://www.facebook.com/abuawwad1982
التعليقات (0)