وقد أصاب بعضُ المهاجرين الأوائل ممن ركبوا موجة الزعامة العشائرية ـ إن صح التعبير ـ شيئا من النجاح ، تأسيسا على ممتلكات لهم نقلوا مجالها الأساسي من الزراعة وتوابعها على النمط البدائي البسيط ، إلى أنواع متعددة من النشاط التجاري المحلي الذي ظل تحت سقف متواضع ، فيما بقيت الغالبية تتأرجح بين درجات محددة من الطبقة المتوسطة ..
فعمل هؤلاء في أعمال ومهن كثيرة ومتنوعة ، بدءا من الفندقة والخانات إلى البيع بالأمانة في سوق الهال ، مرورا بسوق العواميد ، والمحلات والأعمال البسيطة والصغيرة والطفيلية على مساحة المدينة ، والمدن الأخرى البعيدة ..
وكان من رجالات الرعيل الأول :
حنيف طبرة ، حج شعبان شحادة ، حج علي شحادة ، حج عباس هلال البلوي ، كاظم دولي ، حج إبراهيم عباس شربو ، حج يونس عبد العزيز ..
وكذلك كان للمرحوم الشيخ عباس حج خليل دور في العمل التجاري في حلب ، في حي العواميد ، وذلك في أواخر الأربعينيات ، تلاه في مطلع الخمسينيات عدد آخر ، منهم :
حج محمد فتح الله رشيد ، حج أحمد الأبرص ، حج علي صالح ضو ، حج سعيد رسولو ، حج هلال الطشت ، حج إبراهيم زم ، حج محمد زم ، حج إبراهيم التقي ، حج هاشم سعيد شربو ، حج أحمد أمون الرحل ، حج محمد الهاني ، حج يوسف رسولو ، حج محمد الشحمة ، حج مصطفى القوقو ، حج يوسف القوقو ، علي مهدي ، محمد طاهر ، حج جنيد ، يوسف النجار ، علي موسى حداد ، حج عبد السلام نصر الله ، محمد عبد الله زم ، يحيى كور علي ، حج يحيى زم ، سعيد يونس ....وآخرون ...
وهؤلاء ليسوا جميع من عمل في المدينة ، لكن هذا ما استطعت التوصل إليه ، وإن كان هناك آخرون ، قصدوا مدنا أخرى غير حلب ، كالحسكة ودمشق مثلا .. وربما طرطوس واللاذقية ، وكذلك المدن الأصغر ، كعفرين والقامشلي ..
ومن الرعيل الأول الذين غادروا نبل لهذه المدن والمناطق ، أذكر على سبيل المثال :
حج يوسف البلوي ، حج حسن محمد مسط ، حج نايف خرفان ، حج حسين غريب .. وغيرهم
• وثمة فئة أخرى من مواطني الضيعة ، كانت وجهتهم أكثر انفتاحا وبعدا ، فامتلكوا السيارات الشاحنة ، وجابوا سورية من أقصاها إلى أقصاها ، سائقين ومعاونين وحمّالين وعتالين ، فكان لهم دور تنموي ( اقتصاديا واجتماعيا ) ، تأثرا وتأثيرا ، فساهموا في كسر حواجز العزلة التي كانت موجودة لتفصل بين ( الفلاح ـ بمعناها المتخلف ـ ، والمدني المتحضر ) وسرّعوا في نمو ونضج الوعي الاجتماعي ، والانفتاح على المجتمعات المجاورة والبعيدة ، حتى غدا الانطلاق نحو المدينة مظهرا يوميا وعاديا ومألوفا ومرغوبا بل ومحبوبا أيضا .. وهؤلاء كثيرون جدا ، ولم تتوفر لي معطيات أخرى لأذكر أسماء أوائل من امتهن هذه المهن ..
۞۞۞
أما رجال الدين ، فكان لمعظمهم الدور القيادي والريادي في الحياة الاجتماعية والنهضوية ، التي غلب عليها الطابع الريفي البدائي ، فاستطاع بعضهم أن يكون ذا تأثير فعال في قيادة التوجهات الدينية ـ والمعرفية ضمنا ـ نحو حياة أكثر التزاما وشفافية من خلال قدرتهم على التكييف والتوليف بين المشروع الديني والحياة الدنيوية ، عبر المساجد والمناسبات الدينية والاجتماعية والمجالس والسهرات التي يلتقي فيها الوجهاء برجال الدين والفعاليات الأخرى ، فيتبادلون الآراء في المناحي الحياتية ، ويتصدون لحل كثير من المشاكل والخلافات التي تعرض عليهم ، فينصاع المتخاصمون لأحكامهم ويلتزمون بتنفيذها ...
كما كانت بيوت رجال الدين مقصدا لكثير ممن يطلبون المشورة والنصح ، أو الفتاوى في المسائل الدينية ، وظل الناس مقبلين على رجال الدين فترة لا بأس بها ، قبل أن ينصرف الكثيرون ، لغياب الرعيل الأول من رجال الدين من جهة ، وتنامي شؤون الحياة وتوسعها وتشابكها من جهة أخرى ..
وقد سمعت عن الشيخ أحمد الرحل الذي كان له قصب السبق في تعليم وتحفيظ بناته السبع القرآن الكريم منذ أواخر القرن التاسع عشر ..
ثم ذهاب الشيخ إبراهيم الضرير وأخيه الشيخ إسماعيل إلى العراق لدراسة العلوم الدينية ، ربما في ثلاثينيات القرن العشرين ، وكذلك الشيخ عباس حج خليل ، والسيد عبد الأمير محي الدين ، والشيخ سعيد حج خليل ، والشيخ إبراهيم نصر الله ..
وممن كان لهم الفضل الكبير والبارز والدور الريادي في الحياة الدينية في الضيعة سماحة الشيخ المرحوم إبراهيم الضرير الذي أسّس ( جمعية الإعمار والإحسان ) وجعل مقرها مدينة حلب ، بهدف إعادة إعمار مشهد الإمام الحسين عليه السلام أو مشهد النقطة ، وذلك منذ عام 1961،
فاستطاع أن يجمع حوله عددا من الفعاليات الاقتصادية والزعامات الاجتماعية النبلية التي ساهمت في دفع عجلة بناء المشهد قدما على مدار أكثر من ثلاثة عقود ، وأنقذته من بين ركام وحطام ورماد وبقايا ومخلفات ، حتى صار بنيانا ضخما ، وصرحا معماريا جميلا ومهمّا ، روعي فيه الشكل الهندسي الأساسي للبناء ، مسترشدين بمخططات قديمة كانت موجودة لدى الجهات الحكومية ..
ورغم أن وتيرة العمل كانت ترتفع وتنخفض ، تبعا لتوفر السيولة المالية المحدودة غالبا ، إلا أن ما أنجز كان كبيرا جدا ، وبكل المقاييس ..
وكان بيت الشيخ إبراهيم الضرير ـ رحمه الله ـ مقصدا للكثيرين من العلماء الأفاضل ورجال الدين والشخصيات الحكومية والضيوف وطالبي المشورة أو الفتوى ، وكان مجلسه مجلس علم وفقه وتقوى ..
وبعد وفاته ـ رحمه الله ـ تصدى للمهمة الشيخ إبراهيم نصر الله ، فقام بها على الوجه الأكمل ، بل وتطور العمل كثيرا ، سواء في الجمعية أو في أعمال إكمال إعمار المشهد وتوسعته وتحسين البنية التحتية فيه ، واستكمال المباني الملحقة والوجائب والمكتبة والحوزة العلمية ، حتى تضاعفت مساحة البنيان مرات ومرات ، وصار المشهد منارة مضيئة ، بما يقوم به من دور ديني واجتماعي ريادي ، وبالخدمات الصحية والتعليمية والثقافية والتوجيهية والدينية المختلفة ، التي يقدمها لرواده وضيوفه من الزوار على مدار الساعة ..
وقد شهدت هذه الفترة نموا مضطردا على كافة النواحي المتعلقة بالمشهد ( كمبنى ، وكدور ديني طليعي ) ، بعيدا عن التزمت والتعصب ، حتى كثر رواد الصلوات اليومية ، وكذلك رواد صلاة الجمعة التي تقام في رحاب المشهد ، فتبدو الصورة مبهجة وهو يغص بالمؤمنين من كل حدب وصوب ..
وكانت العلاقات الودية ، طابعا سائدا في هذه المرحلة ، مما أضفى على العمل الديني طابع الانفتاح والتآخي والمحبة مع الجميع ، فأعطى ذلك دفعا كبيرا للعمل الدعوي والتوجيهي ، واستقطب الراغبين في دراسة العلوم الدينية ، والالتزام بها وبمتطلباتها..
۞ الجزء القادم من ( نبليات ) سيكون عن رواد المتعلمين والعسكريين .
۞ أرجو من الإخوة القراء إغناء الموضوع بما لديهم من معلومات في هذا الجانب ، من خلال تعليقاتهم أو تعقيباتهم المحترمة لدينا دوما ..
الثلاثاء /30/آذار الخير/2010
التعليقات (0)