لم أكن متابعا عن كثبٍ للتطورات التي طرأت على مدينة نبل ، طيلة العقد الأول من هذا القرن .. فهي ـ كغيرها ـ أصيبتْ بعدوى تحويل واجهات البيوت إلى دكاكين ، يشغلها أنصاف العاملين ، والمتعطلون عن العمل وبعض ربات البيوت ، حتى صارت الشوارع ـ الرئيسية والفرعية وفرعية الفرعية ـ مليئة بالمحلات المتنوعة ..
كما هُدِّمت المباني القديمة ، ليُشادَ عليها مبان أخرى ، تناسب المرحلة الجديدة .. وتفي بأغراض الطلب المتزايد على البيوت والمحلات ..
منذ أن وعيت على الدنيا وأحوالها .. هذا هو شهر رمضان الأول الذي أقضيه كاملا في " ضيعتي " إضافة لما سمح لي به وقت العمل ، بقضاء اليوم الأول من العيد ..
إنه عيد بطعم الفرح البريء ، وبنكهة حليب الأم وحنانها ..
عيد ، توَحَّدَ في أحشائه معظم المسلمين في أقطاب الأرض ..
فكانت تكبيرات صلاة العيد تهز الوجدان ، لإحساسكَ أنها تطغى على مساحة الأرض كلها ، لتلامس فضاء الله الواسع والرحب ..
طقوس رمضان الخير :
وأنت تسير في شوارع وطرقات وأزقة مدينة نبل قبيل الظهر ، في رمضان ، لا يقابلك إلا كبار السن الذين ناءت بهم فِراش السنين ، يتقلبون على جنباتهم ، مستوحشين لفقدان الشريكة ، أو لتجاهل الأولاد ، أو لانشغال هؤلاء بظروف الحياة التي لا ترحم ..
ويقابلك كثير من الوافدين إليها ، جالبين منتوجاتهم ليبيعوها ، أو ليتسوّقوا ما يحتاجون ، ثم يعودون .. أو قد يكون الوافدون قادمين لمراجعة المستوصف أو إحدى العيادات الكثيرة ، والصيدليات ..
وقد كان نقل الكراجات إلى المكان الجديد ، عاملا مهمًّا في تغيير وجهة الناس ومقصدهم ..
فاستفاد أناس ، وخسر آخرون .. وهذا حال كل تغيير ..
فمَن ليس يمتلك سيارة خاصة ، صار ذهابه إلى حلب مشقة كبيرة ، وعبئا ماديا ، ويحتاج إلى متسع من الوقت ، وصبر أكثر ، في صيف لاهب كهذا ، فكيف إذا ترافق مع شهر الصيام ؟؟!!
واستعاض كثير من الناس بالأسواق المحلية عن مشقة الوصول لأسواق حلب وزحامها ، وصعوبة سيرهم بالسيارات ، أو إيجاد مكان لوقوفها ..
ساعدهم في ذلك توفرُ معظم حاجيات الناس ومتطلباتهم ، في العرض والتنوع والجودة والأسعار المنافِسة ، بما لم تشهد له نبل مثيلا .. وكل ما تحتاجه وما لا تحتاجه .. بل وأكثر ..
وفوق هذا ، ظلت معظم الأسواق والمحلات والبسطات المتنوعة ، تستقبل زبائنها ، غالبا ، على مدار الساعة ..
وقد تخلـّصَ الرجال من حمل ثقيل كان يقع على كاهلهم ، إذ يتوجب عليهم مرافقة أسرهم لو كان التسوق في حلب .. أما مع تغيّر المكان ، صار الأمر أسهل ، فتصطحب الأمُّ أولادَها ، لتتسوَّق من المحلات المنتشرة ، بسهولة ويسر وأمان كبير على الأولاد ، من فقدانهم في زحمة أسواق المدينة .. وحتى لو رافق ربُّ الأسرةِ أسرته ، فإنه لن يعانيَ هنا من الزحام ، وبُعد المسافة ، وموقف للسيارة ..
ومن القرى القريبة والمجاورة ، يأتي كثير من المتسوقين ، في أي وقت ، وبأي واسطة نقل .. فهي متوفرة 24/24 ، إذا لم يكن لديهم وسيلة خاصة ، كالسيارات أو الدراجات النارية ، أو غيرها ..
ويمكن لرب الأسرة الوافدة أن يمضيَ وقته في مطعم أو مقهى ، ريثما تنتهي أسرته من التسوق ، إذا لم يكن راغبا بمرافقتهم ..
وصار ممكنا أن تتسوق كلَّ ما تحتاج من مكان واحد هو " السوبر ماركت " الذي وفـّر أغلب متطلبات العائلة في هذه المناسبة ، وفي مكان واحد ..
وشاعَت موضة " توصيل الطعام " الذي تطلبه هاتفيا ، إلى حيث تطلب .. وغدَت المطاعم المكان المفضل للسهر وتعاطي النرجيلة ، والتسلي مع الأصدقاء .. مع توفر مكان خاص للعائلات وأطفالها .. حتى موعد السحور ، فيتسحرون ثم يغادرون إذا شاؤوا ..
والذين لا ينامون إلا مع طلوع الشمس ، فلن يستيقظوا إلا قبيل غروبها ..
أما الساحة الرئيسية ، تحت الجامع ، والطرق المؤدية إليها ، فحدِّثْ ولا حرج ، عن ازدحامها قبيل المغرب بساعة ، وبعد العشاء .. وعن امتلائها بكل أنواع البضائع ، فاحتل أصحابُ المحلات الأرصفة وأجزاءً من الساحة ، لعرض بضائعهم على بسطاتٍ كبيرة ، تتوهج بالإضاءة ، وبالتوكل على الرّزاق الكريم .. وتتكدس بالحلويات والراحة والملبّس والشيكولاتة والمكسرات والفواكه ..
وما تبقى من فراغ في الساحة ، تملأه بسطاتٌ لبيع السوس أو الكعك أو المعروك ..
كل الناس عجلى ، وعصبيون ، وأرواحهم في رؤوس أنوفهم ـ كما يقولون ـ ولا أحد يحتمل أحدا ..
كم ذكرني هذا المشهد ، بشبيه له ، كان في باب اجنين وسوق العواميد ، حيث كنا نذهب خصيصا لمشاهدة ذلك المهرجان الفني الملون بكل أنواع الطبيعة ومأكولاتها ومشروباتها ، ولحومها ، وفواكهها ، وخضراواتها .. فإذا كان يوم العيد صباحا ، رأيت المكان كأنه خارج للتو من حرب نووية مدمرة ..
حقوق لمدينتنا علينا :
إن مدينة نبل ، أهم مركز حيوي ، في منتصف الطريق بين حلب وإعزاز .. ولعلها مع ازدياد نشاط الطريق الدولي باتجاه تركيا ، لا بد من أن تكون جاهزة لمزيد من حيوية الدور المستقبلي .. وهذا منوط بشكل كبير على قدرتنا بجعلها مركز استقطاب ، يحتاجه مستخدمو الطريق الدولي ، ولا يستطيعون الاستغناء عنه ..
لكن المدينة ( نبل ) صارت تحتاج إلى بنية تحتية أكثر قدرة على مواكبة أهمية المدينة من ناحية ، وسرعة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسكانية فيها ..
فهي أحوج ما تكون للمشاريع الطرقية ، إنشاءً وتصليحا وتعبيدا وصيانة وتنظيفا وإنارة ، وترحيلا وإزالة لكل معيقات انسيابية السير والمرور في الطرقات والشوارع ، مهما كانت بعيدة أو فرعية ، كي تؤدي الشوارع دورها في خدمة وتخديم المواطنين جميعا ، في ظل تكاثر سرطاني لوسائل النقل الخاصة ، والسيارات العابرة للقارات ..
ويجب إيجاد حل نهائي للحفر والخنادق العرضانية ، التي يحفرها بعض المواطنين عن سابق إصرار وتصميم ، وهم ليسوا بحاجتها فعلا ، لردع بعض السائقين المتهورين من تجاوز السرعة ، وكذلك المراهقين من مستخدمي الدراجات النارية .. " كما يقولون " ..
ثم ، ومع وجود ظاهرة التجاوز على الطرقات ، لصالح الأبنية هنا وهناك .. فإن الأمر سيزداد سوءا مع تفشي هذه الظاهرة .. إذ يلجأ بعض المواطنين لتوسيع ما داخل جدرانهم على حساب الشوارع والطرقات العامة .. وهذا تجاوز خطير على الممتلكات العامة .. ولا يجب السكوت عليه أينما وُجد ..
ولئن تمَّ التغاضي عن التجاوزات الشاقولية في بعض المباني ، فذلك لا بأس به من حيث الضرورة " عدم توفر الأراضي المخصصة للبناء " مع مراعاة الضوابط الفنية الهندسية الأخرى ..
وهي ( مدينة نبل ) تحتاج إلى رؤية هندسية علمية للتوسع ، وإخراج الدوائر من ساحة المدينة ، لأبنية جديدة تبنى في مكان ما شرق المدينة مثلا ، على غرار مكتب المياه ، بحيث تراعي هذه المباني ، أهمية الخدمات التي تقدمها للمواطنين ، مع لمسة جمالية كان يراعيها مبنى البلدية الحالي حين أنشئَ قبل عشرات السنين ..
فاكتظاظ الساحة العامة ، وازدحامها ، يجعل من المارِّ بها ، ماشيًا أو بسيارته ، وكأنه يعبر في حقل ألغام ..
والحال هذه ، فالنافورة الآن ، دشمة كبرى ، تزيد الطين بلة .. يعني نحن مخنوقون من ضيق الساحة ، ونضع في وسطها مزهرية تحتل ربعها على الأقل .. ما هذا التفنن ؟؟
أنا لست مع إزالتها من حيث المبدأ .. أنا أدعو إلى تجميل الساحة ، وتحسينها لتؤدي الخدمة المناسبة لروادها ، ولتكون واجهة جميلة نفتخر بجمالياتها وأناقتها ونظافتها وترتيبها وتزيينها ..
بمعنى : أنا مع تنظيم الساحة ، وتنظيفها وترتيب أرصفتها ، وإخلاء جوانبها من التجاوزات التي يستغلها أصحاب المحلات غالبا .. وإيجاد حل نهائي لسيارات نقل الركاب بكل أنواعها وألوانها ..
وقد بات من الضرورة القصوى ، العمل على فتح الشوارع المغلقة لسبب أو لآخر ، ولاسيما الشوارع الدائرية المحيطة بالمدينة ، لتخفيف الضغط عن المركز وما حوله ..
ولعل كلامي هذا ليس بجديد على أحدٍ من المسؤولين في البلدية ، وبالتأكيد هم تواقون أكثر مني لفعل المناسب ..
" ولأنْ نشعلَ شمعة ، خيرٌ من أنْ نلعنَ الظلامَ ألفَ مرة " ..
وحول موضوع تأمين مياه الشرب ، ، فذلك أمر حيوي وفي غاية الأهمية لمدينة يزداد عدد سكانها ن وتتوسع مشاريعها ..
وحتى الآن ، فشلت ـ مع الأسف ـ كل الجهود لتأمين المياه النظيفة والسليمة ، لجميع المناطق ، مع توفر المخزون الكبير لها .. وما زالت التراكتورات التي تنقل المياه من الآبار الخاصة سيدة الموقف ، وتمخر عباب الشوارع ليلا ونهارا بلا توقف ، لسد النقص الحاصل في الشبكة العامة .. وهذا يحتاج إلى حل جذري ، يراعي التوزيع العادل للكمية المتوفرة من المياه العامة ـ على الأقل ـ ..
ثم ، إن المركز الصحي الحالي ما عاد يفي بالغرض ، وصار من الضروري بناء مستشفى كبير ، يخدم المدينة والقرى المحيطة ..
وإذا كانت مشكلة الهواتف الأرضية قد حُلـَّت ، أو تضاءلت ، أو تراجع الاهتمام بها ، بعد التكاثر المذهل في الخطوط الخليوية ، إلا أن خدمة الإنترنت الموجودة حاليا ما عادت مواكبة للحاجات المتزايدة ، والطلب المستمر على الخدمة السريعة في عصر السرعة ..
إنه ، ولإنجاز أي عمل ، لا بد من توفر أدواته ومعطياته .. وقبل كل ذلك ، لا بد من توفر الإرادة والعزيمة ، والتصميم على خدمة الوطن والمواطن .. ولا أرى أحدا غير راغب بذلك ..
إن مدينة نبل ، مدينتنا ، ونحن أبناؤها ، ونحن المسؤولون في دوائرها الخدماتية كلها .. فهل نحن راضون عن أنفسنا ؟؟
الخميس ـ 28/10/2010
التعليقات (0)