مواضيع اليوم

نبش التاريخ بين شلومو زاند ومنصف المرزوقي

اسرائيل .

2009-06-27 08:51:05

0

نبش التاريخ بين شلومو زاند ومنصف المرزوقي

كثيرة هي المقالات والمؤلفات العربية التي تنبش تاريخ اليهود وتتناول المراجع اليهودية ، الدينية والدنيوية ، بنبرة نقدية شجاعة تارة ، وحادة لاذعة تارة أخرى ، غير ان هذه الجرأة على نقد المراجع الدينية والتاريخية ما تلبث ان تخبو بل تتلاشى لدى هؤلاء الكتاب العرب عندما يتعلق الأمر بنقد التاريخ العربي والاسلامي .. بل يتم تجريم وتكفير كل من تسول له نفسه نبش التاريخ العربي الاسلامي وإخضاع مسلماته وطابوهاته للتدقيق والتصحيح (راجع في هذا الشأن مدونات ايلاف وما يلحق ببعض المدونين من أذى وقدح وتجريح وتشهير لمجرد نبش التاريخ العربي والمرجعيات الاسلامية) .....

في مقالنا هذا اخترنا ان نتحدث عن كاتبين معاصرين، أحدهما اسرائيلي والآخر عربي، بهدف تسليط المزيد من الضوء على هذه الظاهرة ، ليس من باب المقارنة بين التاريخ اليهودي والتاريخ العربي او مناقشة مؤلفات الكاتبين المذكورين ، بل لتسليط الأنتباه على مسألة محددة هي حرية التعبير والكتابة ، مستندين في تناولنا هذا الى مقالة للكاتب التونسي نشرت على موقع الجزيرة ، نقتبس منها بعض الفقرات ، ليس بغرض الأنتقاء لذاته بل لتوجيه العناية الى الظاهرة التي نحن بصددها.

يقول الكاتب التونسي منصف المرزوقي في مقاله (وهل لنا نحن أيضا تاريخ مفبرك؟) :

[ ما من شكّ في أن كتاب "كيف تمّ اختراع الشعب اليهودي" للمؤرخ اليهودي الإسرائيلي شلومو زانت الذي أثار جدلا واسعا في إسرائيل وترجم إلى 26 لغة في أقل من سنة، نزل بردا وسلاما على كل القراء العرب ومنهم كاتب هذه السطور ...........
السؤال الذي يطرح بعد قراءة هذا الكتاب هو هل نحن أمام ظاهرة خاصة يختص بها اليهود أم هل نحن أمام قانون عام؟ أي أن كل تواريخ الأمم التي تدرس في المدارس الثانوية مفبركة من الألف إلى الياء .............
ثمة ما يدفع إلى القول بهذه النظرية. خذ فرنسا مثلا, ففي كل مدارس البلد ومستعمراته، درّس ملايين الأطفال منذ نهاية القرن التاسع عشر وطوال القرن العشرين أن الفرنسيين ينحدرون من الغاليين Gaulois.(وهم القبائل الأصلية التي حاربت الغزو الروماني ثم انقرضت بصهرها في بوتقة كل الشعوب الغازية)........
ما لا يعرفه عامة الناس وبالطبع الأطفال، أن ولادتهم من رحم الغاليين كان بقرار سياسي صدر بعد حرب 1870 التي خسرها الفرنسيون تجاه الألمان وكان كرههم حادّا إلى درجة أنه لم يكن مقبولا أن تواصل كتب التاريخ القول بأن الفرنسيين ينحدرون من الفرنجة الذين أعطوا اسمهم للبلاد، مما يعني أنهم حفدة شعوب جرمانية أي ألمانية .........
قس على نفس المنوال بخصوص التاريخ الذي درسه الأطفال الروس تحت ستالين أو الأطفال الألمان تحت حكم هتلر. الثابت إذن أن التاريخ المكتوب ليس صورة مطابقة للأصل عن الماضي -ولو بثغرات ووضوح متفاوت- وإنما هو دوما تفويض له لتفسير وتبرير أو خلق وضع خاضع لأجندة سياسية مسبقة. هذا التفويض الذي درسه صاند بعمق بخصوص الصهيونية عملية إعادة كتابة الأحداث, والمنهجية هنا هي الإسقاط والإضافة والتضخيم والحشو وحتى الكذب المتعمّد .........
أخطر من هذا بالنسبة لنا نحن العرب السؤال وهل تاريخنا نحن أيضا مفبرك؟ وآنذاك كيف فبرك ومن قبل من ولأي أغراض سياسية أو عقائدية؟ .......
لكن ثمة ظاهرة متينة تدعم شرعية الشكّ في الروايات الرسمية القديمة لتاريخنا انطلاقا من ظاهرة لا جدال فيها بما أنها تتطوّر تحت أعيننا .........
كل ما نقول ولنا كامل الحق فيه، إنه نظرا لاكتشاف عالمية فبركة الشعوب لتاريخها، وخوفنا من أن نكون نحن أيضا نتحرّك وفق أساطير وأوهام، فإننا نطالب بحقنا في تفحّص أهم أجزاء تاريخنا عبر نقاش حرّ ومسؤول وخارج التهديد والقمع لكي نزيح عنه شكّ الفبركة، أو لكي نفرز ما هو حقيقي عن ما هو مفبرك، كما هو الأمر في الأحاديث النبوية التي حارب الفقهاء طويلا لتخليصها من كل ما هو مدسوس ...
الدليل نحو مناطق الظل مستوى تشنّج السلطات السياسية -والغوغاء الفكرية التي تتحرك بأمر أو تلقائيا بفعل الاغتراب الذي وضعه فيها التاريخ المفبرك- لمنع كل بحث جدّي فيها. مثل هذه الردود المتشنجة وكأنّ الشعار "كاد المريب أن يقول خذوني" أصدق دليل على أن فيما تريد الدفاع عنه شيئا مشبوها، فالحقيقة تفرض نفسها بنفسها ولا حاجة لها لأي عنف.
بعض الميادين التي يجب تفحصها بعين جديدة.
1- هل كانت الجاهلية فعلا فترة الظلام الفكري والروحي المطلق التي تقدمها الرواية الرسمية للتاريخ المجيد، وكيف يقرأ المؤرخون الرسميون وجود حضارات عربية راقية مثل التي أسسها النبطيون في الشمال واليمنيون في الجنوب قرونا قبل الإسلام، أم كيف يمكن أن توصف بالجاهلية وهي فترة تفتح وتشبّع العرب بالحضارات المحيطة بها بل وأعطتنا أيضا الدين الجديد؟ أخيرا لا آخرا, ماذا نعرف عن الحركات الإصلاحية التي سبقت ظهور الإسلام ونحن نستشفّ وجودها من وجود شخص مثل صعصة بن ناجي بن عقل الذي انطلق في عملية فدي الموؤدات قبل ظهور الإسلام بستين سنة أو من وجود عرب نصارى ويهود وحنيفيين رفضوا الوثنية؟
2- هل شكّل فعلا ظهور الإسلام الزرّ الذي ضغط عليه التاريخ لينقلب الظلام الذي كان العرب يعيشون فيه إلى نور ساطع، أم هل أن الظلام لم يكن بالسواد الذي وصف به والنور بالقوة التي قيلت عنه وأن التحول نحو المجتمع الأفضل كان بطيئا وتدريجيا وصعبا ونسبيا ولا يزال إلى اليوم غير مكتمل؟
3- هل كان الفتح العربي بالمثالية التي تصفه بها كتب التاريخ الرسمي وهل كان فتحا أم غزوا كالذي مارسته كل الشعوب، وماذا يعني أن بعض قادة الفاتحين أو الغزاة حاولوا منع الدخول إلى الإسلام حتى يتواصل تدفق الجزية لأن من بين قواعد التاريخ سرعة تغليب الأقوياء المصالح على المبادئ التي يدعون الدفاع عنها؟
4- إلى متى سنواصل تدريس أطفالنا أن الخلفاء الأمويين والعباسيين كانوا يهدون الجواري والغلمان ويخصون الرجال ولا نلفت نظرهم لبشاعة هذا التاريخ، وهل فكرنا نحن يوما في الاعتذار عن تاريخنا الطويل مع العبودية؟ ] ..

 

أكتفي بهذا القدر من مقالة الكاتب التونسي منصف المرزوقي ، منوها الى ان كاتبنا تم فصله من الجامعة التونسية عام 2000 لأسباب سياسية ليدرّس في جامعة باريس 13، ويدرس حاليا في جامعة باريس مارن لا فالي. يلفت ايضا الى ان المرزوقي هو رجل سياسي ديمقراطي وحدوي وحقوقي، أسس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وترشح عام 1994 لانتخابات الرئاسة في تونس ، تعرّض للسجن والطرد من العمل ولمحاكمات عديدة وللمنع من السفر سنوات، ويعيش حاليا في المنفى ...؟!

أما المؤرخ الاسرائيلي شلومو زاند فهو أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب في اسرائيل ، ناقد سياسي لاذع ، يساري ، علماني ، وما يخصنا في هذا المقال انه مؤلف كتاب "متى وكيف اختلق الشعب اليهودي" الذي أثار جدلا في الأوساط الأكاديمية والبحثية والجماهيرية في اسرائيل ، لما يتضمن الكتاب من جرأة في نبش التاريخ اليهودي وكسر طابوات ومسلمات تاريخية.

ما لا أفهمه في هذا الصدد هو الزوبعة التي يثيرها العرب حول الكاتب المذكور .. كل ما في الأمر ان الرجل ألّف كتابا ما زال يخضع للنقد والنقاش الحر .. الرجل يعيش في دولة ديمقراطية ، يكتب وينتقد من موقعه كأستاذ في واحدة من كبريات الجامعات الاسرائيلية ، وينشر مقالاته وأفكاره عبر وسائل الأعلام الاسرائيلية ، ويلقي محاضرات تباعا حول كتابه في كل مناسبة ومن على كل منبر لا يعترضه أحد ، ولم يتم فصله من الجامعة بسبب مواقفه اليسارية المعلنة المناهضة لسياسات الحكومة، ولم يحاكم او يودع في السجن بتهمة التحريض او تشويه التاريخ اليهودي او تسفيه الديانة اليهودية ، ولا يعيش في المنفى لأنه محسوب على المعارضة ، ولم يتم إخراجه من الملة اليهودية .. ولم .. ولم ...

على كل حال ربما نورد مستقبلا قبسا من النقاش الجاد الدائر في الأوساط البحثية والجماهيرية في اسرائيل حول كتاب شلومو زاند ، لكن وبنفس الوقت جدير ان نذكر ان هذا النقاش الهادئ لا يعني ان الدنيا قايمة قاعدة في اسرائيل بسبب هذا الكتاب ، فمثل هذه المؤلفات، بكافة ألوانها وأطيافها، هي مشهد مألوف في اسرائيل لا يرافقه تشنج جماهيري او انفعال في المحافل الأكاديمية ...

أخيرا ، أقول للذين يتلقفون مثل هذه المؤلفات الاسرائيلية ويغرقون بها الشبكة الألكترونية نسخا ولصقا :
سأحارب لكي تقولوا رأيكم بحرية حول كتابات شلومو زاند وغيره من الكتاب الاسرائيليين ، لكن هذا لا يعني البتة ان تنزلقوا الى الأصطياد في الماء العكر .. نعم لنبش التاريخ بجرأة وشفافية .. نعم لكسر الطابوات وتحطيم الأصنام .. لكن اذا كنتم حقا من دعاة النبش والنقد فلماذا ترتعد فرائصكم عندما يتعلق الأمر بالقرآن والحديث والمسلمات التاريخية الاسلامية .. وأختم بقول الشاعر : لا تنهى عن خلق وتأتي بمثله .. عار عليك اذا فعلت عظيم ...

دمتم بخير

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات