مواضيع اليوم

نامتْ... لتقولَ لهُ احبُّكْ . قصّة قصيرة

سعيف علي

2009-08-26 07:18:36

0

نامتْ... لتقولَ لهُ احبُّكْ تحوير

قصّة قصيرة

سعيف علي

 

نامت تتوسده. لم يكن معها لكنه يعيش في مخدتها، ويضع كل يوم زهراً، و نواراً، ونيلوفراً، ونيرولي، وقشور برتقال.. عطور الشرق.. وبخوراً.

فتحت درجها... أخرجت لفائف الرسائل التي وصلتها الأسبوع الماضي، بعد أن وضعت صورتها وعنوانها في ركن التعارف والصداقة على جريدة اليوم.. كانت الرسائل من كل مكان: الجزائر، مصر، قطر، عمان.... كانت تحب أن تكتب على الورق وتحب القلم… تمضي بها الساعات الطويلة في كتابة رسالة واحدة إلى أصدقاء كثيرين يحبون التعارف.. ظلَّ ساعي البريد يمرّ كل صباح، وهو يكاد يسقط من الدراجة. كان المنزل في أعلى الهضبة الشمالية للقرية.. كانت تبعد حوالي خمسة أميال عن مركز البريد.

كان شاباً قوياً، حسن الملمح، مغرماً بتصفيف شعره.. كان لا يتكلّم إلا لِمامًا ويده تمرّ على التصفيف يتعهد زواياه ويسوِّيه. وكانت تراه ينظر إلى المرآة العاكسة ليرى ماذا فعلت الريح بشعره. اعتادت أن تنتظِره كل صباح وتعد له بعض الحلْوى وعصير البرتقال. كان يأخذه على عجل.. يسلمها الرسائل وهو يصيح في لعْب: هذه الجزائر.. (هذه السودان.. هذه سوريا.. وبلاد أخرى كثيرة لا تعْلمينها).. كان يضحك ثم يمضي.

انتظرت في ذلك الصباح مجيئه، لكنه لم يأت.. انتصف النهار فهمَّت أن تذهب إلى مركز البريد لتتفقده.. لكنها لم تكن تستطيع الخروج. كان الغداء على النار وموعد رجوع أبيها من العمل قد اقترب. أحست بانقباض.. بدا عليها التوتر وهي تنادي أختها: (هل شاهدت ساعي البريد يأتي بالرسائل؟). كانت تعرف الإجابة لكنها كانت تريد أن تتكلم مع أحد.. أخذت رسائل البارحة، لكنها لم تستطع أن تقرأها أو تعيد أي حرف فيها. كانت تشعر بالكثير من التوتر وتحسّ بأن اليوم طويل.

دخلت إلى حجرتها.. بكت. كانت تحبه وكانت ترسل صورها إلى ركن التعارف في جريدة اليوم لكي يأتي إليها كل يوم ليشرب العصير... كانت تحبه!.

نامت لتقول له أحبك. لم يكن معها. لكنها كانت تبحث عن اسم يناديه إليها. نامت... كان اسمه على مخدتها تطريزٌ من خيط مذهب، خاطته بحروف اكتشفتها هي ولا يعرف قراءتها إلا هي.

ذهبت في الصباح الباكر تسأل عن الرسائل في مكتب البريد.. كان عم حمادي رئيس المكتب يجلس وراء البلور الفاصل، وهو يصرف المعاشات ويضحك في ابتسامته العادية.. اقتربت منه، سألته عن رسائلها فدعاها للانتظار قليلاً، ثم دخل غرفة مكتبه ودعاها للحاق به.. دخلت إلى مكتبه، كانت تريد أن تسأله عن سامي ساعي البريد. لكنه سبقها.. مدّ لها لفافة من الرسائل كانت كبيرة.. فجاءتها الكمية.. كانت لفافة كبيرة. لكنه قال بصوت خافت: (وجدنا كل هذه الرسائل في درجه الخاص عن طريق الصدفة. أنا آسف يا صغيرتي. تحدثت مع أعرافي وصدر أمرٌ بإيقافه عن العمل وتحويله إلى التحقيق).

لم تتكلم.. لم تستطع أن تنبس ببنت شفة؛ أخذتها الغِرة فلم تقل شيئاً. تسلمت الرسائل ووقّعت على وصل الاستلام. عادت إلى المنزل رمت الرسائل... كانت تريد أن تعرف لماذا خبّأها عنها. هل كان يريد أن يطلع عليها. عادت إلى الرسائل لترى التواريخ. لكنها لم تكن بعيدة. لماذا فعل هذا؟. لم تفهم لكنها أرادت أن تقول لرئيس مكتب البريد أنها سامحته.. وأنها لا ترى ضيراً من أن يحتفظ بها عنده. أرادت أن تكذب.. أن تقول أنها طلبت منه أن يحتفظ بها.. لكنها لم تستطع.. كان رئيس المكتب زوج عمتها.

دخلت إلى حجرتها.. بكت. كانت تحبه وكانت ترسل صورها إلى ركن التعارف في جريدة اليوم لكي يأتي إليها كل يوم ليشرب العصير.. كانت تحبه. ازدادت اليوم شوقاً إليه.

نامت لتقول له أحبك.. توسّدت الرسائل التي أخفاها عنها وتغطيها منه يده الصغيرة التي كانت تتحسسها وهو يعطيها الرسائل وعينه السابحة في لون شعرها... كانت تعرف انه يختلس إليها النظر... كانت تعرف انه كان يتظاهر بترتيب شعره في المرآة العاكسة لينظر إليها.. نامت يَتخَطَّفها الشوقُ إليه.

حاولت أن تعرف مصيره وأن تستفسر عنه لكن الإجابات. كانت دائماً مبهمة. حتى الساعي الجديد لم يكن يكثر الكلام... كان يرجع إلى طريقه كأنه يفر...  توقَّفت عن كتابة الرسائل ولم تعد تضع اسمها في بريد التعارف…

نامت، لم تنمْ ورأت في نومها البحر ورأت حمرة المرجان، وتمنت أن يكون مخدَّتها..

مازالت تنتظر ساعي البريد كل صباح لتقول له: صباح الخير، وهي تمضي بابنتها الصغيرة إلى البستان، لتقطف زهرة ثم تذروها في ريح الشمال التي كانت تهب بين الفينة والأخرى في غير انتظام وتنادي ابنتها.

هل رأيت يا سامية كيف تطير الزهور؟

سعيف علي

saifdrif@gmail.com


 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !