ناطح صخرة اليونسكو على الرغم من يقيني من أن فاروق حسني كان لن ينجح في انتخابات اليونسكو، بل حتى موافقتي على على ترشيحه كانت مبدأ مرفوضا، حيث دعانا أحد المفكرين الأدباء الذين أجلهم في اجتماع بداية ترشيحه إلى تنظيم حملة على النت لمناصرته لكنني اعتذرت لظروف شخصية، والحقيقة أنها كانت قناعات شخصية مني، لم أجهر بها في ذلك الاجتماع، هذه القناعات فسرها كثير من المفكرين المصريين الذين التزموا الصمت حفاظا على الهيبة المصرية في الخارج، وحتى لا يقول المغرضون إن المصريين لا يريدون مرشحهم فما لنا نحن بمناصرته!
والحقيقة التي لابد من الإقرار بها أن انتخابات اليونسكو تمثل منعرجا خطيرا في السياسة المصرية والعربية على السواء، ليس لأنه فشل أو نجح، ولكن لأنه لأول مرة تتفق الإرادة العربية على شيء توافقي، ويدعمه كثير من الدول الأفريقية، بل وتعزز الدول العربية موقفها بالإغراءات المالية، لكن يبقى أن الضعيف ليس له مكان في زمن الأقوياء، فالتكتل الأوروبي الذي كان متوقعا قد فعل ما أراد وأرادت سيدته أمريكا التي غازلت البعض بالشراكات الاقتصادية، وهددت أيضا بقطع الدعم عن المنظمة الدولية. فما استفاده العرب في هذه الجولة أكثر مما خسروه فعلا، على الأقل عرفنا النوايا الأمريكية تجاه العرب والفقراء وليس المسلمين فقط، وتجاه قضايانا.
الشيء الغريب والمثير هو حالة الذهول التي عاشها كثير من أصحاب الأقلام في مصر جراء هزيمة فاروق حسني، لكن إذا أنعمنا النظر جيدا، فإننا لن نستغرب ذلك أبدا، فاللوبي الصهيوني لن يترك منظمة تحافظ على الآثار والثقافة لرجل عربي مسلم، حتى ولو كان مسلما اسما، لأنها تعلم أنه سوف يجعل إسرائيل تواجه مأزقا دوليا صعبا عندما يتوجه بالدعوة إلى الحفاظ على عربية القدس، والتنديد بالتغير الجغرافي والديمغرافي في المدينة المقدسة، مما يجعل الدولة الصهيونية في مواجهة مع المجتمع الدولي وليس مع العرب والمسلمين فقط.
إن ما غاظني تصريحات فاروق حسني عندما قال إنه إن لم ينجح فسوف يترك الوزارة، ولكن بعد هذه الخسارة عاد ليقول إنه يملك مشروعات عظيمة وكبيرة لوزارة الثقافة.
ولعل حالة حالة الذهول التي يعيشها كثير من المفكرين أنهم كانوا يعتقدون أن همّ فاروق حسني سوف ينزاح عن منصبه الذي ظل فيه 23 عامًا، بل منح فيه جوائز لأناس أساءوا لدينهم تحت دعوى حرية الفكر، مع أن رجلا تنازل عن ثوابته الثقافية لا يستأهل فعلا هذا المنصب، فبعد أن باع ما باع عاد بخفي حنين.
المشكلة التي يعانيها المثقفون المصريون أنهم في حالة الجمود السياسي منذ 23 عاما، لم يفكروا يوما أن يهزم وزيرهم في اللحظات الحاسمة، كما أن فكرهم السائد هو تزوير الإرادات والانتخابات، ولو أن إرادة الشعب حرة طليقة لما جلس حسني على كرسي الوزارة هذه الفترة، لكن ثقافة المؤامرة التي تحدث عنها معظم الكتاب فهي من صنع خيالاتهم، ففاروق حسني توقف رصيده عند 27 صوتا حصل عليها، هي في الحقيقة جل ما استطاع أن يحصل عليه، وهي بالفعل التي صوتت له في الجولات السابقة، وبعدها لم تستطع الدبلوماسية المصرية والعربية استقطاب أي أصوات أخرى، فلماذا نتحدث عن المؤامرة إذن.
إن الحزب الذي لم يعتد أن يهزم في أي انتخابات سواء بتزوير الإرادة أو بالتزكية الموهومة يرفض دائما أي نتائج انتخابات، مع أن الانتخابات في حقيقتها هكذا، وكل دولة في اللعبة السياسية تخطب ود من يلبي مصالحها، لكن لما غاب تزوير الإرادة ظهر بالفعل حجم التأثير العربي والمصري خاصة، وإذا كانت هذه هي النتيجة الحتمية، وأنها مؤامرة فيتجرع الحزب الحاكم ما يفعله مع خصومه- إذا كانت مؤامرة- مرة واحدة ومن الكأس التي أذاق منها الشعب آلاف المرات، في الانتخابات التشريعية والمحلية والنقابية بل والرئاسية على السواء.
التعليقات (0)