الحلقة الجديدة من برنامج "حديث اليوم" تتضمن مقابلة اجرتها مراسلة قناة RT "روسيا اليوم" الناطقة بالانجليزية مع نورمان فينكلشتاين - الناشط اليهودي الأمريكي الداعم لحقوق الفلسطينيين، تحدث فيها عن موقفه كيهودي امريكي ازاء اسرائيل وايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية وعن السياسة الامريكية في المنطقة. ونورمان فينكلشتاين لم يبق أبداً بمنأى عن اثارة الجدل. فهو اليهودي الأمريكي الذي منع من دخول إسرائيل وأبدى دعماً غير محدود للشعب الفلسطيني. وهذا الكاتب والبروفيسور السابق خسر الكثير من الوظائف وتلقى تهديدات عديدة بالقتل من جراء آرائه. ومناظراته الساخنة سجلت في فيلم وثائقي بعنوان "الراديكالي الأمريكي"، وهو ما جرى الحديث معه عنه في بداية المقابلة:
س_ بداية أود أن أسألك عن الفيلم الوثائقي "الأمريكي الراديكالي" وهو فيلم تعددت الأراء في وصفه بأنه يقدم صورة قريبة من شخص مثير للجدل. أخبرني عن الفيلم ولماذا قررت عمله؟
ج - في الحقيقة لم أشاهد هذا الفيلم لسبب محدد ، وهو أنني لم أرغب بمشاهدة نفسي على الشاشة الفضية. لذا فضلت عدم مشاهدته. ولكن العديد من أصدقائي المقربين قد شاهدوه وقالوا أنه يعكس صورة دقيقة لشخصي. لقد اشتركت في عمل هذا الفيلم رغم طلبي بعدم استشارتي حول مضمونه ، لأنني لم أشأ أن يقال عني مستقبلاً أنني سعيت من خلاله إلى الدعاية لنفسي. السبب الرئيسي لمشاركتي في عمل هذا الفيلم هو أن صديقي المقرب الذي تربطني به علاقة قوية لعقود ، وهو "البروفيسور تشومسكي" كان دليلي ومثلي الأعلى. وقد قام بصناعة العديد من الأفلام عن نفسه ومشوار حياته ، فضلاً عن المشاركة بها. لذا أعتقد أن المشاركة في صنع مثل هذا الفيلم لا يعد عملاً خاطئاً أو عبثياً ، فاستمريت في هذا العمل إلى أن أنجزته. وقد اعتقدت أن الفيلم سيتضمن لقطات أكثر عن حياتي في فلسطين وألتقي بعض أصدقائي هناك، إلا أنني منعت من دخول فلسطين عندما توجهنا لتصوير تلك الفترة التي أمضيتها هناك. ولم نتمكن من تقديم صورة وافية أو موسعة بهذا الصدد.
س - منع البروفيسور تشومسكي من الدخول إلى إسرائيل مؤخراً وهو ذات الموقف الذي تعرضت له أنت. فهل تفاجأت إثر مرورك بنفس التجربة؟
ج - لقد تفاجأت بعض الشيء. فبالرغم من العداء الذي يكنه اليهود للبروفيسور تشومسكي بسبب آرائه السياسية ، إلا أنهم لا زالوا يفخرون بأنه يمثل حالة فريدة بسبب عبقريته المشهودة. فهم يفخرون لكونه يهودياً عبقرياً. لقد تفاجأت لأن شخصاً مثل تشومسكي قد منع أيضاً من الدخول. وهذا يمثل - حسب رأيي - تراجعاً في عملية صنع القرار الإسرائيلي ، إن أمكن تسميتها كذلك. فالإسرائيليون يتفاخرون بكونهم عقلانيين ، على عكس العرب الذين تحكمهم العاطفة. ولكنهم الآن يتصرفون بطريقة لاعقلانية ، وهي ذات مردود سلبي - حتى من وجهة نظرهم. فما السبب الذي يدفعهم لمنع دخول شخص في الثانية والثمانين من عمره يعد من أحد العباقرة في تاريخ الإنسانية!
حينما كان الإسرائيليون في الماضي يشعرون بالاستياء ، كان العالم يكيل لهم المديح ويقول: انظر ما أحلى الإسرائيليون. وحينما يرتكبون خطأً ما يشعرون بالحزن عليهم والندم والعذاب. ولكن حالياً ولأول مرة ، نرى العالم يقول لهم: نحن لا نهتم بحزنكم وعذابكم ، بل نحن نعتبركم مسئولين قانونياً عما تقومون به من أفعال، فلا نريدكم أن تصوروا أنفسكم تتألمون وتتعذبون ، أو كما يقال في إسرائيل القتل والبكاء. نحن لا نريد الدموع ، بل ما نريده هو تحمل المسئولية. وهذا ما يجعل إسرائيل تشعر بأنها مهددة ، خاصة بعد التقرير الذي أعده غولدستون واحتمالات محاكمة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية. فلأول مرة يطلب من إسرائيل أن تدفع الثمن ، وليس اظهار استيائها فقط.
س - كان آخر لقاء لنا بعيد حرب غزة مباشرة وقبيل تنصيب أوباما رئيساً. تحدثت بصراحة عمن كان مسئولاً عن الأزمة العسكرية. وقد مر عام على العدوان الإسرائيلي على غزة. فكيف تقيم منجزات إدارة أوباما بهذا الخصوص ودورها في احلال السلام الدائم في الشرق الأوسط؟
ج - في الوقت الذي أطلقت فيه تحليلاتي ، اعتبرت مثيرة للجدل ، بل ومتطرفة لدى البعض. لكن بعد صدور تقرير غولدستون ، وهو أحد القضاة المحترمين ويهودي الأصل وصهيوني باعترافه. بالرغم من ذلك ، أوضح تقريره أن إسرائيل شنت هجوماً متعمداً يهدف معاقبة واخضاع وإرهاب السكان المدنيين. وهذه كلمات قوية جداً: معاقبة واخضاع وإرهاب السكان المدنيين. فيما يتعلق بإدارة أوباما ، فلم أعلق عليها آمالاً كبيرة. وفي الحقيقة واضح جداً أنها غير قادرة على القيام بالكثير. هناك فترات جمود مؤقتة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ، بالرغم من وجود مبادرة أمريكية تسعى من خلالها لحل الصراع وفقاً للقوانين الدولية ، وهو الحل الذي تتبناه بقية بلدان العالم. وإذا ما تركنا القضية الفلسطينية الإسرائيلية ، ستبرز أمامنا قضية إيران. فنحن سمعنا تعهدات باراك أوباما عن التغيير ، لكن الكثير من النقاد يرون أن ما تقوم به إدارة أوباما بهذا الخصوص هو استمرار لنهج الإدارات السابقة. فقد تقدمت الولايات المتحدة بمقترح لإيران في أكتوبر 2009 لايجاد حل للملف النووي. وقد رفضت إيران آنذاك المقترح لأسباب عديدة ، على الأغلب لعدم ثقتها في القوى الرئيسية المشاركة في الأزمة من أصدقاء أمريكا ، بل وحتى روسيا. ولكنها قبلت هذا العرض الآن. وكما كتب المتخصص الأكاديمي الأمريكي د. بارسي في صحيفة "واشنطن بوست" أن باراك أوباما يرفض قبول كلمة "نعم" كجواب على المقترح. لذا لا نرى أي اختلاف حقيقي بين ما يسمى بالنهج الدبلوماسي لباراك أوباما والنهج العسكري لإدارة جورج بوش. فما يريده من إيران هو الاستسلام والخضوع للهيمنة الأمريكية. ربما يقوم باراك أوباما بذلك عبر كلمات أكثر نعومة وبشكل ألطف. لكن السياسة هي ذاتها.
س - هل تعتقد أن هناك رسالة موجهة إلى تركيا والبرازيل عبر صياغة مشروع قانون العقوبات على إيران مباشرة بعد توقيع اتفاقية تبادل الوقود النووي بين تركيا والبرازيل وإيران؟
ج - بالتأكيد. فالولايات المتحدة تشعر بانتقال مراكز القوى التي أصبحت موزعة في أماكن مختلفة من العالم. فتركيا بدأت تنتهج نهجاً مستقلاً في السنوات الأخيرة ، وخاصة حينما رفضت المشاركة في الهجوم العسكري على العراق. كما أن البرازيل تعد من القوى المتنامية. لذلك فإن ما حدث هو محاولة لتحجيم تلك الدول.
س - لنتحدث الآن عن سياسة الأمم المتحدة. سمعنا أنك تنوي التحدث أمام المنظمة الدولية. فما الذي تريد قوله؟
ج - لقد شاركت في الصراع علنياً منذ أكثر من ثلاثين عاماً حينما غزت إسرائيل لبنان عام ألف وتسعمائة واثنان وثمانين. لذا أشعر أن الرأي العام العالمي قد تغير بشكل جوهري بعد تقرير غولدستون عن المذبحة في غزة. ليس فقط على المستوى الدولي ، بل في داخل الولايات المتحدة أيضاً. هناك فرصة حقيقية الآن لوضع حل عادل ينهي الصراع ، وذلك لوجود جمهور مستعد لتقبل تسوية كهذه. ومن خلال تجربتي الشخصية وحقيقة أن والديً كانا من الناجين من معتقلات الهولوكوست النازية ، كما أن الكثير من أقاربي قضوا في تلك المعتقلات. ولم يتبق منهم إلا والدي ووالدتي وأنا واثنان من إخوتي. من هنا تأتي خلفيتي العائلية والمهنية ، حيث ألفت العديد من الكتب حول هذا الموضوع. أعتقد أن من العدل القول على أساسها أنني شخص يمثل جزءاً من الصراع. أقول هذا بكل تواضع.
لقد كنت ممن أظهروا التزامهم الحثيث بالعمل على ايجاد مقترح عادل لحل هذا الصراع ، انطلاقاً من القوانين الدولية. لكن لأكون واقعياً ، لا أملك الرغبة في تحقيق الانتصار على حساب ازالة إسرائيل. ولا أرغب برؤية إسرائيل مستفزة وخاضعة ، ولا خنق إسرائيل حتى لا يبقى خيار لديها سوى الرد العنيف. بل ما نريده هو التوصل إلى حل عادل من شأنه أن يسمح للجميع بالعيش بفخر وسلام وكرامة. نحن نريد تسويةً وفقاً للقانون. وهو الشكل الذي يجب أن يكون عليه العالم. نعم ، في عالمنا الحالي نرى خروقات كثيرة للقانون الدولي. وما نتحدث عنه الآن هو: كيف يجب أن ينتهي هذا الصراع. أعتقد أن الكثير من الناس يفهمون ، ربما ليس من في السلطة ، ولكن الناس العاديين ، يفهمون أهمية سطوة القانون واحترامه. ويمكننا أن نصل إلى شريحة واسعة من الجماهير تتفق معنا على هذا المبدأ ، وأعتقد أنهم مستعدون الآن للاستماع إلينا. ولهذا سأذهب لأتحدث أمام الأمم المتحدة ، على أمل أن نتوصل إلى حل عادل لهذا الصراع.
التعليقات (0)