مواضيع اليوم

ناشط مسيحي عربي ينصف الاسلام

اوس العربي

2010-08-24 15:42:40

0

دين التواصل والتكامل
كلمـات عـن الإسـلام والأصوليـة

رغم أنه آخر الأديان السماوية، وأكثرها قطعا مع ما شاب غيره من التباس في فهم الله، وإبرازا لمركزيته في منظومته العقدية، وتركيزا على تعاليه وتجرده عن كل ما هو بشري أو دنيوي، فإن الإسلام بقي دين تواصل وتكامل مع الأديان السماوية الأخرى من جهة، ومع الواقع، في بعديه الراهن والتاريخي من جهة أخرى.
قدم الإسلام فهما فريدا هو نسيج وحــده لهويــته الخاصة: صحيح انه «الدين الحق»، إلا أنه لا يقتصر ـ في الوقت نفسه ـ على ما أنزل على سيدنا محمد، بل يشمل صحيح الأديان السماوية الأخرى، الذي يرى فيه جزءا أصليا، تكوينيا، من رسالة إلهية / كونية، سبق بعضها نزول الوحي على الرسول العربي. بهذا الفهم التواصلي / التكاملي، لم يأت الإسلام ليجبّ ما قبله من أديان، كتابية كانت هذه أم غير كتابية، وإن لم يقبل كل ما جاءت به، وأفرد مكانا خاصا في دعوته لرسالتها التوحيدية، ولدعوتها إلى عبادة الله ومكارم الأخلاق ورعاية البشر بما هم مخلوقات الله، فضلا عن الإيمان باليوم الآخر وبمقولة الثواب والعقاب. بانطلاقه من نظرة تقوم على التواصل والتكامل مع الأديان الأخرى، أمر المؤمنين بإجلالها والإيمان والعيش في سلام مع أتباعها، واعتماد ما قالته كتبها المقدسة بوصفه «قولا حقا» هو أيضا دليل على صحة ما بين أيديهم من دعوة محمدية ورسالة إلهية.
دمج الإسلام صحيح المسيحية واليهودية في دعوته ورسالته، واعتمد، بعد التدقــيق والتصحيح، قصصا أورداها ورموزا قدماها، أعلى هو من شأنها وعظمها وكرس بعض نصه الإلهي لشخوص بعينهم بلغ تكريمــها الذروة في سورة مريم، المخصصة لأم سيدنا عيسى، ليس في الإنجيل ما يماثلها من تعظيم لشأن العذراء، «سيدة نساء العالمين»، ومن وصف لحالها وشخصها وظروف حملها وولادتها، ووصف لمن أنجبته، فالسورة نص إلهي خلدهما وأدخل حبهما وإجلالهما إلى قلوب المؤمنين، الذين يتقربون منهما بالدعاء والرجاء وإطلاق اسمــهما على بناتهم وأولادهم، على أما أن تشملهم العذراء بعطــفها فيكن جديرات بحمل اسمها المبارك. باعتماده هذه القصص، وما قدمه حولها من قراءات دينية ونفسية وفلســفية، وبــحواره معها، جعل الإسلام الفصل بينه وبين الأديان السماوية الأخرى، أو وضعه في مواجهتها، أو استخدامه لنفيها أو الإقلال من أمرها وأهميتها، كفرا ومعصية وخروجا عليه هو نفسه، رغم أنه قال كلمته صريحة حولها، ووضعها حيث رأى من تطور الفكر الديني والوحي الإلهي، فصار برعايته لها وما اعتمده من صحيحها كلمة الله الأخيرة إلى عباده، وكتب لها بفضله البقاء والرعاية، ليس فقط لأنه أوصى بعدم المس بأتباعها وبكتبها المقدسة، وإنما كذلك لأنه نهى عن إخراجها من نسيجه، أو فصلها عنه، فأتاح لها الدوام ما ظل هو باقيا، والاحترام ما بقي أتباعه مخلصين لرسالته.
يوصلنا هذا إلى مسألة راهنة يجب الوقوف عندها، تتصل بالتعارض الذي يقيمه الأصوليون عامة، وغلاتهم خاصة، بين الإسلام وبين بقية الأديان السماوية، بذريعة ترى أنه آخر الأديان وأكملها، فلا بد من أن يكون قد جبّ وألغى ما قبله، ولا مفر من اعتبار أتباع الأديان الأخرى، الذين لم يلتحقوا به بوصفه «الدين الحق»، كفرة يتنكرون لكلمة الله الأخيرة، التي نزلت في أبهى صورها على سيدنا محمد، وكان عليهم، لو كانوا مؤمنين حقا، الإيمان بالدين الذي حملها، والتسليم بما فيها من سمو وكمال على ما عداه من أديان. ليست هذه الدعوة إلى القطيعة بين الأديان من الإسلام، لسببين:
ـ تعارضها مع حقيقته، التي دمــجت بنصــوص صريحة بعض مقولات ومعتقدات الأديان الأخـرى في رسالته وعقيدته، فجعلت غير المسلم مسـلما وإن بصورة غير مباشرة وجزئية، وفرضت ضرورة التسـامح مع معتقداته الخاصة، بما في ذلك القسـم الذي ليس من صحيح دينه، الذي كان للدعوة المحمـدية رؤية وفهم مغايران لرؤيته وفهمه، وقصص تختلف في سردها وقراءتها عن سرده وقراءته. لم تقل الرسالة النبوية بالقطع مع الأديان الأخرى، بل قالت بضرورة تفهمها وإبداء التسامح حيالها ـ من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ـ ورأت فيها عناصر من إسلامية كونية سبقت نزول الدين الحنيف ومهدت لقدومه. إلى هذا، ليس من الإسلام استبعاد أديان نزلت على أنبياء هم أخوة ،كما ورد في حديث شريف صحيح (إنما الأنبياء إخوة). وإذا كان الرسول (ص) قد وصل إلى درجة الحرب في علاقته مع يهود المدينة، فإنه لم يحارب في أي وقت اليهودية كدين، وحارب الذين حاربوه من أتباعها. صحيح أن الإسلام قال رأيه في اليهودية، إلا إنه لم يدنها أو يتعرض لها كدين سماوي وكتابي، ودعا إلى الإيمان بالصحيح منها، انطلاقا من دعوته التي تدمج ما هو صحيح منها فيه.
ـ تعارضها مع الممارسة النبوية خلال حياة الرسول، والإسلامية بعد موته. هناك رواية عن سؤال طرح على سيدنا محمد حول من سيدخل الجنة من الناس. تقول الرواية، إن كانت صحيحة (وهي على الأرجح صحيحة) إن سيدنا محمدا لم يترك إنسانا لم يدخله الجنة : هذا لإيمانه، وذاك لعمله الصالح، وذلك لأنه مات قبل أن يدرك الإسلام، فلا ذنب له في كفره أو شركه بالله ... الخ. هذا هو الإسلام، دين تسامح وتواصل وتكامل، حقق رسالته بالحوار مع مخالفيه في العقيدة والدين، وحملها إلى أقاصي الأرض داعيا إلى عمارتها ككون سخره الله للإنسان، خليفته في الأرض، الذي يتساوى أمام خالقه في إنسانيته كمخلوق، بحسب معايير تتصل بالإيمان والعمل الصالح، يفتقر الكافر أو المشرك إلى أولاها (الإيمان)، لكنه قد لا يفتقر بالضرورة إلى ثانيتها (العمل الصالح)، لذلك يمكنه أن ينعم بدوره برحمة الله ومغفرته .
التواصل والتكامل هذان في النص فرضا التواصل والتكامل في الممارسة: في علاقات المسلمين بغيرهم من المؤمنين، الذين يأمرهم الله أن يكونوا «إخوة» ـ إنما المؤمنون إخوة ـ، و«كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا». وأنتج سياسة قامت على رعاية المؤمنين بغض النظر عن ديانتهم، فمنع سيدنا عمر تغيير أنماط الإدارة الدينية والمدنية في الأراضي المفتوحة، وأبقى على علاقات الملكية السائدة فيها، وأمر الفاتحين بالبقاء خارج حواضر البلدان المفتوحة، وبإبقاء كل شيء على حاله من أمورها. وكان سلفه، أبو بكر، الخليفة الراشدي الأول، قد أمر قادة جيشه باحترام مدونة تضم مصفوفة متنوعة جدا من النواهي والأوامر عليهم الالتزام ببنودها وتطبيقها خلال وبعد دخولهم إلى المناطق المفتوحة، تصون أملاك سكانها، وتبقي على عاداتهم وحرياتهم وأشخاصهم، وتحترم معتقداتهم ورهبانهم وأديرتهم وصلبانهم ونساءهم وأطفالهم وشيوخهم وحتى أشجارهم، لترك كل شيء على حاله بعد الفتح. ومن الثابت تاريخيا أن سكان سوريا ظلوا مسيحيين في أغلبيتهم بعد مرور قرابة نيف وقرن على دخول الإسلام إليها، وأن الدين الجديد لم يجبر أحدا على اعتناقه، رغم أنه حرر المسيــحيين من الظلم، وخاصة الديني منه، الذي نجم عن صراع مذاهبهم الدموي، وعن تسييس الدين بربط الإخلاص لوحدة الامبراطورية بالامتثال لقراءته الرسمية، التي كثيرا ما فرضت بحد السيف، بينما تعرض من خالفها من مسيحيين لاضطهاد شديد، دنيوي وديني، حتى أن مطران حمص، الراغب في نهاية الانقسام الديني والمظالم الناجمة عن سياسة فرض عقيدة واحدة، قال جملة عكـست رأي مسيحيي سوريا في فتح إسلامي/ عربي وضع حدا لآلامهم: «ما عرف التاريخ فاتحا أرحم من العرب». إلى هذا، لم يجد المسلمون سببا، في دينهم أو سياستهم، يسوغ اضطهاد أبناء عمومتهم من عرب المناطق المفتوحة، الذين سارعوا إلى الترحيب بهم، وساعدوهم على طرد الغرباء ورأوا فيهم أخوة ومحررين.
لا تراعي الأصولية طابع الإسلام التكاملي/التواصلي، ولا تقره على تسامحه، الذي تجلى في أكمل صوره يوم فتح مكة، عندما جعل الرسول كل من دخل الكعبة، أو بيت أبي سفيان ـ رأس الشرك وعدو الدين الحنيف ـ أو داره آمنا، بعد أن سأل المكيين: ماذا تظنون أني فاعل بكم، كأنه أراد الاستماع إلى رأيهم كي لا ينفرد برأي، وهو النبي الحكيم. بتضييع هذا الجوهر، تضيّع الأصولية جزءا من هوية الإسلام وماهيته، وتاريخا من التعايش والتآلف في دنيا العرب والإسلام، وتحول الدين الأكثر إنسانية، الذي لم يفرض عقيدته على الذين لم يقبلوها طوعيا، إلى ما يقوله أعداؤه عنه كذبا وبهتانا: دين عنف ودم.
عاش الدينان السماويان الكتابيان بأمان في رحاب الإسلام، وتعايش المسلمون مع أتباعهما، وحاوروهم بالتي هي أحسن، فتخطيا صروف الدهر ومحن الأيام، التي عرفتها منطقتنا، بما في ذلك حرب الفرنجة. يرجع هذا أيضا إلى إيمانه بأن سنة الله في خلقه أن يبقى البشر مختلفين إلى ما شاء الله ـ لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ـ!


ميشيل كيلو / مسيحي عربي سوري وناشط سياسي





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !