جلسوا متصنعين الأدب والخشوع.. بعد أن قيل لهم عليكم دائما بالخنوع.. فإذا قيل لكم: قفوا، عليكم بالوقوف.. وليس شرطا تسوية الصفوف. وإذا قيل لكم: لاتقرأوا.. عليكم بتمزيق الحروف... أما إذا قيل: أطيعوا، فعلى كل منهم أن يتحول إلى خروف.. ولا بأس من أن يكتسي بالصوف.. لكن لابد أن ينزع قرنيه.. حتى لا ننزع منه عينيه.
تزاحم المتنافسون.. وتنافس المتزاحمون.. فيمن يجلس في الصفوف الأولى قبل سواه.. وهكذا غاب العقل أوتاه.. وفجأة رفع الحراس والحُجَّاب.. مافي أيديهم من حراب.. وقال أحدهم بصوت منغم مسموع:.. الكلام الآن ممنوع..، لأن سيدنا المهاب.. سيدخل حالا من هذا الباب.. فعليكم بالوقوف بكل أدب.. حتى لا تصبحوا مثل دعاة الشغب.. وعليكم أن تصفقوا بانتظام.. حتى يشعر سيدنا بما تضمرونه له من احترام.. وإذا أشار لكم بالجلوس.. فعليكم أن تجلسوا حسب البرنامج المدروس.. واحذروا أن يندس بينكم أي مهووس.. حتى تعيشوا في أمن وسلام.. بفضل همة سيدنا الهمام.
بعد طول ترقب وانتظار.. دخل المهاب مبتسما وسار.. حيث أجلسه حشد من الأعوان.. بكل راحة واطمئنان.. على كرسيه الفخم الوثير.. بعد أن وضعوا خلفه مخدة من الحرير.. وهكذا بدأ الحفل.. وامتد إلى منتصف الليل.. حيث قامت راقصة لولبية.. بأداء حركات استعراضية.. ومع كل حركة من الحركات.. كانت القلوب تتحول إلى جسور للتنهدات.. والحق أنه لم يكن في تلك الحركات مايدعو للاستهجان.. لأن الكل يبحلق فيما أبدعه الرحمن .. وفي أجواءهز الوسط المبارك..
لايجوز لأحد أن يتشابك.. إلا مع الشياطين.. بعد أن يقدم الطعام للمساكين.. وعندما انتهى الرقص بالفرفشة.. ألقى أحد الشعراء قصيدة مزركشة.. وقد لوحظ أن الشاعر قد نزع قرنيه.. وأنه كان دائما يسبل عينيه:
قِفّْ للمعظم.. وَفِّهِ التسبيلاَ كاد المعظم أن يكون عميلاَ أرأيت أجملَ أو أحنَّ من الذي يأتي وتمسكُ كفُّهُّ منديلاَ إن الذي جعل الحياةَ جميلةً بالرقص يحيا مشرقاً وجميلاَ يسخو علي الشعراء بالذهب الذي يُجري اللعابَ ويوجبُ التطبيلاَ ما أصدقَ الشعر الذي إنْ قلتهُ في مدح غيرك يستحيل رذيلاَ أنتَ النَدى للورد يابدر الدجى والوردُ أنت إذا سخوتَ مُنيلاَ
بعد أن فرغ الشاعر من قصيدته.. جلس منتعشا ومزهوا جوار صديقته.. أما السيد المهاب فقد سأل عن معنى كلمة «عميل».. وهل هي هجاء رذيل.. أم مدح جميل.. وهنا تدخل أحد الأعوان.. وقال له إنها كلمة تدعو للاطمئنان.. وبعد أن اطمأن السيد المهاب.. تقرر أن تدار الأكواب.. تمهيدا لتوزيع العطايا ورش الذهب.. وهنا دخل القاعة من اكتسى وجهه بالغضب.. وأخذ يتحدث عما يواجهه الجميع من خيبة. خاصة وأن النكبات تتوالى نكبة بعد نكبة..
ظل الرجل الغاضب يشير إلى سفينة.. تتقاذفها الأمواج وهي مستكينة.. ولم يفهم الهمام مايقال.. لكنه خرج من القاعة في الحال.. وهو يسأل هامسا عن معنى نكبة.. وهل هي مدح أم سُبّة؟.. وأثناء خروجه نادى على أخلص الأعوان.. وقال له: اقرأ الآن.. هذا البيان:
نادِ المثقفَ.. واعطه بقشيشا وإذا تلكأ.. وَفِّه التلطيشَا فأنا أحبُ نفاقَ كل مثقفٍ يرضى السكوتَ ويعشق التطنيشَا ويقول: ما أحلى الجوائز في يدي إن جلجلتْ برنينها.. لأعيشَا والبهلوانَ أحبه.. متراقصاً متأبطاً ألعابه وحشيشَا أو خائفاً من حضرتي إن لم أُطِقْ ألعابه.. فتوقَّعَ التفنيشَا لكنَّ هذا الوغد ليس كغيره يجري لجائزةٍ فيصبح طيشَا فلترجعوه إلى الحظيرة ضارعاً أو فانزعوا أفكاره والريشَا أو فاسجنوه إذا تناسى سطوتي أو أمعنوا في بيته تفتيشاَ إن الثقافة آفةٌ تجتاحنا فتكدر السهراتِ والتحشيشَا سأظل في كرسيَّ لَوْحاً ثابتاً فلقد صبغتُ ملامحي ورنيشاَ!
|
التعليقات (0)