شهد عام 1976 ما عرف آنذاك بإجراءات رمضان التي استهدفت ضرب الحياة الديمقراطية في الكويت، وتمثلت بحل مجلس الأمة وتعليق مواد الدستور المتعلقة بالمشاركة الشعبية في الحكم، وفرض الرقابة على الصحافة وحل مجالس إدارات كل الجمعيات والنوادي التي اعترضت على تلك الإجراءات، ومن بينها نادي الاستقلال.
ودارت الأيام وتبدلت الأبدان وتقلبت الأحداث، عدل فيها النظام بعد خمس سنوات عن تلك الإجراءات بعد أن فتت الدوائر الانتخابية من 10 إلى 25 دائرة بغية زرع بذور ما نحصده اليوم من تباغض فئوي غير مسبوق، ثم عدنا من جديد في 1986 للدخول في نفس النفق المظلم وبنيّة صادقة للاستمرار فيه إلى أن حلت كارثة الغزو، وينفضّ مولد مجلس السيرك الوثني، وأخيرا عادت الكويت بعد التحرير إلى جادة الصواب الديمقراطي وانتهت حقبة الانقلاب على الدستور إلى غير رجعة.
كل ما سبق وفوقه خطوات إصلاحية مشهودة مثل المشاركة الكاملة للمرأة في العملية السياسية، وتعديل نظام الدوائر الانتخابية إلى خمس دوائر، وفتح باب الترخيص للصحف وجمعيات النفع العام الجديدة، لم تحرك ساكنا في ملف تصفية نادي الاستقلال الذي ظل هو الورقة الأخيرة في ملف إجراءات رمضان، بعد إحياء الجمعية الثقافية الاجتماعية العام الماضي ضمن حسنات شهر عسل تحالف الحكومة مع التيار الشيعي السياسي الذي أحسن كيف يستخلص من حكومتنا الإصلاحية بعض المكاسب، في مقابل غياب مطلب عودة نادي الاستقلال عن أجندة ممثلي التيار الوطني الديمقراطي نوابا ووزراء، حتى في أكثر مراحل تقاربهم مع الحكومة.
إن عودة نادي الاستقلال لن تكون هي العصا السحرية لحل مشاكلنا، ولكنها ستعيد إلى الساحة السياسية والفكرية شيئا من توازنها، بعدما شملت الحكومات المتعاقبة برعايتها أصحاب وتيارات الأطروحات المتعصبة التي نفّرت الناس من الديمقراطية وثقافة التسامح والقبول بالرأي الآخر، كما أن إعادة طرح هذا المطلب عمليا ستكشف للنواب الوطنيين وزنهم الحقيقي لدى الحكومة الإصلاحية، ومدى تجاوز عقليتها المتوارثة لعقدة الانتقام من الدستور وكل الناس الذين ساهموا في وضعه، كما قال آخر رئيس لنادي الاستقلال الأستاذ أحمد النفيسي.
ما طرحناه لم يكن تنفيسا أو تفاعلا مع تصريحات النائب المخضرم أحمد السعدون المطالبة بعودة نادي الاستقلال، بل هو تمهيد لمبادرة أدعو فيها إلى إحياء نادي الاستقلال وتشكيل فريق عمل يتابع ملف الإشهار من الصفر، بعد تأكيد وزير الشؤون السابق بدر الدويلة خلو وزارته من طلب مكتوب يخص إحياء ذلك النادي، وإن تلك الخطوة لن تكون ميسرة طالما لم تؤخذ على محمل الجد والمؤازرة والفزعة الديمقراطية، فاليد الواحدة لا تصفق؟
عتبي على النائب مسلم البراك شديد جدا بعد أن تعامل مع جولة عادية انتصر فيها دون عناء بصورة مبالغ فيها، وهو الذي أطاح بوزراء وحكومات لو كان قد دعا الناس إلى غداء أو عشاء على مجد إبعادهم لكان الأمر مقبولاً نسبيا، ولكن إقامة غداء في مجلس الأمة من حساب قضية رأي أعطى هذه الدعوة دلالات سلبية من النوع الذي لا يُمحى وسيستخدم ضد صاحب الدعوة طويلاً.
قاعة الاحتفالات الكبرى في مجلس الأمة لم تستخدم للمرة الأولى لأمور شخصية من قبل النائب مسلم البراك، فقد سبقه نائبان نظما مهرجانا خطابيا لمؤازرة مجاهدي تنظيم القاعدة المحاصرين في الفلوجة بتاريخ 13 إبريل 2004 في نفس القاعة، ويومها لم يعترض أحد ولم يتحول هذا الحدث إلى قضية، ورسالتي إلى الأمانة العامة لمجلس الأمة: «الحقوا على قاعات مجلس الأمة ونظموا التجمع فيها قبل أن تصبح قاعات أفراح أو ساحة لبطولات الكوت بوستة».
الفقرة الأخيرة: ستقف الكويت يوم السبت القادم على منصة المساءلة الدولية أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لتفتح معها قضايا البدون والمرأة والعمالة وغيرها، والخطوات التي اتخذتها الحكومة الكويتية لمعالجتها، وبقدر ما تمثله هذه المناسبة من أهمية إلا أنها في النهاية خاضعة للمجاملات التي تتسم بها منظمات الدول والاختبار الحقيقي قادم مع التقرير الأميركي عن حقوق عديمي الجنسية، فهل ستنفعنا التقارير التي يعدها موظفون بيروقراطيون في تخفيف حدة الضغط الأميركي علينا؟
التعليقات (0)