مُهمَلٌ كجوْربٍ
(مزيدًا .. من التَّوبيخِ)
"يا مُرشدي ؛
انظرْ إنْ كانتْ قوَّتي كافيةً ،
قبلَ أنْ تبعثَني في هذا الشَّوطِ المريرِ"
دانتي أليغييري
الكوميديا الإلهيَّةُ | الجحيم : 2
I
أيُّها الوغدُ ؛
أنتَ تستلُّ قدميْكَ من جُيوبِ المُشاةِ ،
يُرهبُكَ النِّيامُ على حدِّ الهوَسِ ،
في صدرِكَ أُرجوحةٌ لمْ تُحسنْ استغلالَها في طفولتِكَ ..
بعتَها و اشتريتَ بثمنِها كُتبًا لـ (بورخيسَ) ،
و في ظهرِكَ كائنٌ لا يحترمُ جلوسَكَ على مقعدٍ جلديٍّ أنيقٍ ..
ينهشُكَ !
و في رأسِكَ وكرُ صعاليكَ لا يغفلونَ عن قَرصِ أفخاذِ العابراتِ ،
و في قُبَّعتِكَ تغفو غَجريَّةٌ لمْ تغتسلْ منذُ شهريْنِ ،
و في لسانِكَ متجرٌ للشَّتائمِ ؛
أنتَ مقرفٌ ..
و لكنْ سأستمرُّ في محادثتِكَ !
II
لكنَّكَ مُهمَلٌ كجوْربٍ بعدَ ليلةٍ صاخبةٍ ؛
تدهسُكَ الأُمنياتُ كطفلٍ خدعَهُ والدُهُ قائلاً :
- قطيعُ الأيائلِ يطيرُ !
جلستَ تنتظرُ (بابا نويلَ) و لمْ يأتِ ..
لأنَّهُ يضاجعُ عشيقتَهُ في أقصى الشَّمالِ .
تدعو اللهَ كلَّ ليلةٍ قبلَ النَّومِ
- و هو أمرٌ محمودٌ و أقدُّرهُ عاليًا –
و لكنَّ اللهَ في إجازةٍ ؛
فلا تُقلقْ منامَهُ بثرثرتِكَ .
تخدعُ نفسَكَ ألفَ مرَّةٍ ..
و تقولُ بأنَّ حبيبتَكَ الأميرةَ ستعودُ ؛
لتمسحَ بكفِّها نُدوبَ عمرِكَ لتبدوَ أبيضَ بلا سوءٍ .
تحدِّثُ صديقَكَ عن إمكانيَّةِ جعلِ السَّماءِ أقربَ ،
و يحدِّثُكَ عن كوْنٍ افتراضيٍّ يُشبهُ جلبابَ الفجرِ ،
و كلاكُما غبيٌّ !
تنشدُ أشعارَكَ فيتهامسَ الحضورُ اللِّئامُ :
"نحنُ لا نفقهُ كثيرًا ممَّا تقولُ"
توسِعُكَ الحياةُ ركلاً ؛
كمعلِّمةٍ صارمةٍ - تجاوزتِ الأربعينَ بلا زواجٍ - تؤدِّبُ تلاميذَها .
ما زلتَ تنتظرَ ؟
أنتَ رهنٌ للأمزجةِ ؛
مُتْ .. سيكونُ أجدى !
III
مَن أخبرَكَ بأنَّ الوطنَ يحتاجُكَ ؟
ألمْ أقلْ بأنَّكَ أخرقُ !
الوطنُ - يا عزيزيَ الغبيُّ - مجرَّدُ أبٍ سكِّيرٍ ..
يلعبُ القِمارَ لآخِرِ قُرطٍ ذهبيٍّ في خِزانةِ أمِّكَ الغافلةِ .
الوطنُ - الذي تتحدَّثُ عنهُ - مريضٌ نفسيًّا ؛
يثأرُ منَّا لأنَّهُ تعرَّضَ للاغتصابِ ألفَ مرَّةٍ ..
حتَّى تحوَّل إلى شاذٍّ ؛
فدعْ عنكَ فادحةَ التَّغرُّبِ و حنينَكَ الأبكمَ ،
دعْ عنكَ هذا السِّجنَ الكبيرَ ،
و تبوَّلْ على حدودِ الوطنِ كي يتبعَكَ كإناثِ القطيعِ !
أمَّا إذا كنتَ شاذًّا مثلَهُ ؛
فهذا شأنُكَ .. اهرَعْ إليهِ ليضاجعَكْ !
IV
تشتاقُ إليهمْ لأنَّكَ أوَّلُ النَّاجينَ مِن محنةِ الذَّكاءِ ،
و غباؤكَ كافٍ كي يصيبَ نصفَ العالمِ بتمزُّقٍ عاطفيٍّ !
انظرْ إلى وجهِكَ ؛
أنتَ أشبهُ بعشيقةٍ خُرقتْ بَكارتُها و لا تملكُ أجرةَ الرَّفَّاءِ .
انظرْ إلى أسمالِكَ أيُّها الرَّثُّ ؛
هل تسمِّي تلكَ القطعَ اللاَّئقةَ بمهرِّجِ (سيرْكٍ) رخيصٍ .. ملابسَ ؟
أيضًا ؛ حدِّثْني عمَّا في جيوبِكَ الخاويةِ .
انظرْ إلى يديْكَ ؛
هذهِ ليستْ خطوطَ كفِّكَ ..
إنَّها قاطرةٌ محمَّلةٌ بالشَّقاءِ قد مرَّتْ و خلَّفتْ هذهِ الآثارَ اللَّعينةَ .
انظرْ إلى عينيْكَ .. ما بكَ ؟
تبدو كمُراهقةٍ يتيمةِ الأمِّ ؛
داهمتْها الدَّورةُ الشَّهريَّةُ للمرَّةِ الأولى ..
و لا تعرفُ ما يجري !
انظرْ إلى حذائِكَ المتسكِّعِ ؛
لو نطقَ لكانَ أبلغَ مِن كلِّ مؤرِّخي الوطنِ .
انظرْ إلى المرآةِ فقطْ ؛
حينَها تكلَّمْ عن الاشتياقِ ..
و التَّرفِ الذي لا يليقُ بأسنانِكَ !
V
- ربَّما لأنَّك أكثرُ إنسانيَّةً منِّي ؛
أو قُلْ لأنَّني أقلُّ وسامةً منكَ سأستمعُ إلى شكواكَ ..
هاتِ ما عندكَ !
- تُرى هلْ يعلمونَ بعذاباتِنا ؟
- لمْ أُخطئْ حينَ قلتُ بأنَّكَ أكثرُ إنسانيَّةً ؛
و لكنَّني أخطأتُ حينَ لمْ أقلْ بأنَّكَ أضيقُ من الطَّريقِ المؤدِّيةِ إلى المَنفى ،
ما هذا الهراءُ ؟
و ما شأنُنا بهِمْ ؟
لا تفكِّرْ بهِمْ و عشْ يومَكَ ...
- لنْ أسمحَ لكَ بالمزيدِ مِن الشَّتائمِ .. أجبْني فقطْ !
- سأفعلُ حينَ أجدُ سؤالاً ؛
و ليسَ فشلاً تكدَّسَ بينَ شِدقيْكَ و لفظتَهُ لتعكِّرَ يوميَ ،
اخلعْ نعليْكَ !
- لنْ أفعلَ ؛
عسى أنْ يتغيَّرَ وجهُ القادمِ !
كُتبَ النَّصُّ بينَ صيف | 2005 - ربيع | 2006 .
منشورٌ في كتابيَ الشِّعريِّ الثَّالثِ :
أعادتْ ترسيمَ المَعنى بخَلخالٍ | 2008 .
اللَّوحةُ بعنوانِ :
النَّائحةُ
للَّشكيليِّ العراقيِّ :
صبيح كلَش
سعد الياسري
أيلول | 2011
السّويد
الموقع الشّخصيّ
التعليقات (0)