مُدن مشوهة
مساحةُ شاسعة تبدو من الفضاء وكأنها قارة اما إذا تمعنت فيها عن قُرب فستراها صغيرة مزدحمة مبانيها في أحياء ومتباعدة في أحياء أخرى لا يميزها حديقة أو منتزه صحراء حتى المدن عادت لطبيعتها صحراء خالية إلا من مباني اسمنتيه وبشر يحركهم في الغالب العقل الباطن ، متناقضات كثيرة تعصف بالمجتمع فحماية البيئة لم تُنقذ المسطحات والمدرجات الزراعية بالجنوب ولم تُكافح التلوث بالمدن الكبيرة وتحولها لجنةِ عبر الاستفادة من المياة الرمادية التي تُمثل لغيرنا نهرِ جاري لا نهاية له ، مدننا وليست وحدها فقط فهناك القرى والهجر بحاجة لأنسنة أنسنة تُعيد لها حيويتها وهدوءها ورونقها وجمالها وصفاءها أنسنة تقتل التوتر الذي أُصيب به غالبية سُكان تلك البقع الصحراوية وتردم الفجوة بين الواقع والحلم وتفتح نوافذ الأمل والمستقبل أنسنة تحول كل شيء مصطنع ومُجسم لحقيقة حقيقة خالية فالعقل البشري على ذلك قادر إذا فكر وقدر الأشياء بمقاديرها الصحيحة ، طُرقنا السريعة وشوارعنا الداخلية ومسطحاتنا الخضراء اليتيمة ومبانينا الشاهقة وأزقة الحواري ومداخل القرى والهجر جميعها في الهمِ سواء ونتساءل لماذا يُصاب مجتمعنا بالوهم ومختلف الأمراض النفسية والتنفسية ونحن نعبد الله في كل وقتِ وحين ، النفس البشرية جُلبت على حُب الحياة والطبيعة والجمال وهذه فطرة حتى الأطفال يرددون عبارة "الله" إذا اعجبهم شيءُ ما فلماذا لا نجعل الجمال حقيقة لا خيال في كل شيء في طرقنا وحدائقنا ومقر أعمالنا وداخل احياءنا وتصاميم مبانينا التي كُتب عليها أن تبقى أسيره لوزارةِ تُسمى وزارة الإسكان ووزارة البلديات التي بينها وبين جمال التصاميم وحُسن الإدارة والتنفيذ مسافاتِ شاسعة.
في ستينيات القرن الماضي برز مفهوم العمارة النفسية وهو مفهوم يعبر عن التعاون المشترك بين علماء النفس والمهندسين والمصممين المعماريين لتحقيق الاحتياجات النفسية لساكني وقاطني المباني بمختلف استخداماتها ، ذلك العلم ظهر في بريطانيا لكنه لم يصل إلينا فنحنُ لدينا خصوصية وخصوصيتنا حولت مدننا لسجونِ بلا سجانين !
إذا تأنسنت المُدن والقرى والهجر فإن الإنسان سيكون أكثر إنسانية من ذي قبل والبداية تكون من الكُتل الأسمنتية والمنتزهات والحدائق والطرق التي لا يربطها بأسمائها أي رابط فني أو جمالي ، لندع المدن تتنفس ولندع الفرد يعيش في بيئةِ صحية نظيفة لندعه خصوصاً وأن ظروف الناس المعيشية بدأت في الانحدار نتيجة لسوء التخطيط في الماضي فالفرد يدفع ثمن سوء التخطيط العمراني وسوء التخطيط في ملفاتِ أخرى فرفقاً بالنفوس التي تُحيط بها التشوهات من كل جانب ولا ينقصها لتموت سوى التفكير في الإنتحار وذلك كُفر أقل بكثير من كُفر من شوه الجمال والحياة بطُرقِ شتى ..
@Riyadzahriny
التعليقات (0)