مواضيع اليوم

مَنْ يُخفٍّفُ العِبْءَ على قطر ؟..

جمعة الشاوش

2012-02-15 14:57:40

0

ما من شكّ أنّ دولة قطر تحوّلت إلى لاعبٍ رئيسيٍّ في القضايا العربية حتى تلك المتداخلة مع اهتمامات ما يسمّى بدول الجوار مثل إيران وتركيا وإسرائيل...ولعلّ مساعي دبلوماسيتها النشيطة كانت تُستقبَل بالاستحسان من جمهور عربي عريض ليس بالضرورة متناغما في ذات الموقف مع أنظمته الحاكمة،وذلك قبل أن تتحوّل الثورات العربية من مقاومة سلمية،كما الشأن في تونس ومصر،إلى مقاومة مسلحة كما أكّدتها ثورتا ليبيا وسوريا...
قطر،رغم حجمها الصغير مساحة وسكّانا،ورغم طبيعة نظامها التقليدي تمكّنت من أن تُسوِّق لصورة البلد الذي يطيب فيه العيش المُوَفّقِ سياسيّا واقتصاديّا والمستقطِب للسّواعد المفتولة ورجال الفكر من كلّ صوب،يرعى المثقفين ويحتضن التظاهرات الفكرية الجادّة التي يتسابق لحضورها كبار الأكاديميين والدّعاة الأجانب من عرب وغيرهم...ولئن كان ذات التوصيف باعثا عن التنويه،فإنّ المثير للدّهشة،حقّا،هو تمثّلها بالكبار في لعب دورٍ إقليميٍّ وحتى عالميّ جعل منها وسيطا "مُتَطوِّعا" في العديد من المحافل والمُلِمَّاتِ والأزمات،بعد أن كانت مُبَادِرة وسبّاقة إلى بعث "إمبراطوريّة إعلاميّة"في بيئةٍ غير بيئتها أسمتها "الجزيرة" وجنّدت لها تقنيّاتٍ متطوِّرة وكفاءاتٍ رفيعة ومكّنتْها من سقف مرتفعٍ من حرّيّة التعبير يتطاول حتى على أميركا ليكشف البعض من عيوبها وجرائم جنودها في العراق وأفغانستان..،ويُشاغب العديد من الأنظمة العربية بكشف انتهاكاتها لحقوق الإنسان والتشهير بحكامها المستبِدّين باستثناء الخوض في الشأن المحلي القطري الذي إن ناله اهتمامٌ فلن يخرج عن المألوف العربيّ في الإشادة والتنويه بمكارم العائلة الحاكمة وأفضالها على الرّعيّة والعرب أجمعين...
برزت قطر لتتحوّل إلى ظاهرةٍ نجوميّةٍ مثيرةٍ للدّهشة وحتى "الحسَد" لكوْن بيئتها لا تختلف في شيء عن سائر إمارات الخليج العربي الأخرى،ورغم ذلك امتدّت طموحاتها لتبحث عن حضور لافت في كلّ محفَلٍ بما في ذلك الحقل الرّياضي حيث استطاعت أن تنتزع الفوز باستضافة كأس العالم لكرة القدم سنة 2022...
قطر هي تلك الإمارة التي صارت لا تكاد تخلص من مؤتمر أو تظاهرة دولية أو قمّةِ قادةٍ سياسيين إلا لتستقبل غيرها...على أرضها يلتقي الفرقاء من القيادات السودانية والصومالية والفلسطينية وتتوسط في تخفيف التوتر بين إيران ودول الخليج العربي،وبين بشار الأسد وحسني مبارك...والقائمة تطول بصرف النظر عن النتائج المسجّلة ثم تداعياتها...
ما من شكّ أنّ قطر إمارة غنيّة بموارد نفطها وغازها وقادرة على الضّخّ بسخاءٍ من أجل بلوغ ما ترسمُه من أهداف أو ما أريد لها أن ترسمَه...لكنّ السؤال المُحيَّر:لماذا كلُّ هذا العبء الثقيل الذي تنوء بحمله جزيرة قطر المسترخيّة على ضفاف الخليج ؟..ألمْ يكُن مُمْكنا لها أن تنشغل بشأنها الدّاخلي المُرفّهِ لتستمتِعَ بنعمه دون انزعاج ولا إزعاج ؟...
لا داعي للإجابة عن السؤال،في الحين،ذلك أنّ الأقاويل والتحليلات شتّى...ولأنّ المشْغَلَ الضاغط أهمّ وأبقى...
المسألة التي تبدو،اليوم،لافتة في الدّور الذي اعتادت لعبه دولة قطر في العلاقات الدولية الإقليمية،بشيء من النجاعة لم يَعُدْ ممكنا اضطلاعها به بنفس النجاح،لا لأنّ همّتها فترت أو كفاءتها تآكلت،إنّما لأنّ الشكوك وحتى الشبهات غدت تنال بجدّية من طبيعة الدور الذي تلعبه،بل تُنَغِّصُ عليه وتُعطّله...والمفارقة أنّ الذين يُرَوّجون،راهنا،للتشكيك في نواياها ويتّهمونها بأنها واجهة عربية لتمرير أجندات أجنبية،ليسوا،فقط، تلك الأنظمة الاستبدادية التي كانت تُجافيها لأنها تُشاغبها،بل هم،أيضا،من الجماهير العربية التي كانت،لوقت قريب،تستحسن مساعيها ووساطاتها وتطلب المزيد منها...هم ممّن كانت قناتها الفضائية "الجزيرة" تتواصل معهم وتتبنّى قضاياهم "ليومٍ موعود"،ولمّا جاء ذات اليوم خذلوها بعد أن بدا لهم أنها كانت تستثمر في مصداقيتها لديهم وحماسهم لغاياتٍ،ليست بالضرورة كما كان يتراءى لهم،بعد أن اختلط فيها "الحابل بالنابل"...
في الوقت الذي اشتعلت فيه ثورات الرّبيع ليمتدّ لهيبها حارقا إلى سوريا ولتشتدّ قضايا الشرق الأوسط تعقيدا،وفي الوقت الذي كشّر اللاعبون الكبار في العالم عن أنيابهم بنهمهم المعهود "لاقتسام الكعكة" العربية،بدت قطر،كمن،يفقد ماء وجهه في لعب دور الوسيط للمساهمة في "لعبة" التخفيف من حدّة الأخطار المحدّقة بالعرب وبالتالي ولادة شرق أوسط جديد دون أن تأتي ذات الولادة على الجنين والأمّ،أي دون أن تحترق المنطقة المشتعلة بأكملها...
وإذا كانت الجراح العربية المزمنة والمتعفّنة لا سبيل لتعاطي علاجها إلا بالحكمة العربية،في الوقت الذي تنشغل فيه مصر انشغالا تامّا بمعالجة تداعيات ثورتها التي تحفّ بها مخاطر شتّى،وفي الوقت الذي تتحسس فيه السعودية طبيعة الدور الجديد وغير التقليدي المفروض عليها بحكم التحدّيات التي تستهدفها،فإنّ المعالجة المطلوب أن تكون عربيّة أو بواجهة عربية،باقتناع وتشجيع أمريكي وغربي،أصبحت تحتاج إلى بلدٍ عربيّ غير قطر ليلعب نفس الدّور أو ليُخفّف عليها عبئًا غدت تتأذّى منه دون أن يمضيَ إلى الهدف المرسوم...فمن عسى تكون هذه الدولة العربية ؟.. هل تولد من رحم دول الرّبيع العربي بتأطير قطريّ تركيّ،أم من خارج ذات الرّحم ؟...




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !