ماهر حسين .
عبر التاريخ الحديث لعالمنا العربي تعتبر العاصمة بيروت والدولة لبنان مكان للحرية وللتعبير عن الرأي ولحرية التفكير وبل أن بيروت شكلت العاصمة والفرصة لكل معارض ولكل صاحب فكرة أو موقف لُيقيم فيها وليعبر عن رأيه وليدافع عن قضيته ...في لبنان تجد أفكار غريبة وعجيبة وتجد قضايا متنوعة وتجد كذلك أصحاب قضايا ومواقف ..تجدهم بلبنان بكل مكان ..فهذا معارض لحكومة وهذا معارض من حزب وهذا متهم بالخروج عن القيم الاجتماعية ووو ... هذه بيروت الحرية والفكر والتعبير عن الرأي ...استمرت بيروت ولبنان مكانا" لكل الأفكار حتى عهد قريب فلقد أستمر هامش التعبير عن الرأي والمرتبط بالحرية مرتفعا" وبغض النظر عن نوع الحكم القائم في لبنان فهامش الحرية هذا مرتبط بالدولة وتركيبتها وطبيعتها المرحبة بالآراء والأفكار والضيوف .
لبنان معروفة ..فلبنان مطبعة العالم العربي ...حيث يمكن طباعة كل كتاب ويمكن نشر كل رأي ....بيروت كانت مطبعة العرب ...
طبعا" للبنان معزة خاصة لدى الفلسطينيين فلقد كتب شعراءنا في بيروت ما يفوق أحيانا" ما كتبوه للقدس وهذا العشق والحب مرتبط بمرحلة من أبرز مراحل الصمود العربي عندما أثبت الفدائي الفلسطيني والعربي في حرب عام 1982 قدرته على الصمود وحيدا" مؤمنا بقضيته وقادرا" على البقاء .
منذ سنوات بدأ التحول ببيروت ...بدأت بيروت تصبح مدينة عادية ..مدينة جميلة وعادية ...تراجع المسموح وتزايد الممنوع ...الاحتلال السوري ...التناحر الطائفي ...سيطرة أحزاب شمولية ...قوة السلاح ...التبعية وولاية الفقيه ...كلها أسباب لتراجع الحريات وهناك أسبابا" أخرى ولكن بالمحصلة حدث تراجع .
بيروت ولبنان كانت تسيطر على زائرها وضيفها وتجعله يتحدث لغتهـــا ...ويعيش تفاصيلها ...ويحب أماكنها ويعشق طعامهـــا ...ولكن بيروت ...بدأت تتغير ...أصبحت أحيانا" تتحدث لغة الزائر ...وتعشق لغته ومأكله وبل إنها تحاول استنساخ مدن وأماكن الزائر ...ليراها في لبنان ...فزائر لبنان الكريم ...لا يرى لبنان إلا من خلال وطنه وطائفته ...رأينا هذا...رأينا (خوش امديد ) في كل مكان ورأينا الغناء بالفارسي والترحيب بالفارسي ورأينا كيف تناغمت لبنان كلها مع الزائر وجعلته يشعر بأنه في وطنه ....كم هو خطير هذا فلبنان وبيروتهـــا كانت مكانا" لنرى المختلف ولنستمع إلى ما هو مختلف ...
بيروت ولبنان تتغير ...تتراجع عن الحرية وتضيق على أبناءها بفعل السلاح والممنوع ...بيروت ولبنان كلها تتغير تتأثر بالأخر ولا تؤثر وتحاول أن تتحدث لغة الغير ....
منذ أيام في بيروت تم منع فيلم ...فيلم (الأيام الخضر) ...الفيلم إيراني للمخرجة هانا مخملباف ...تدَخل الأمن العام اللبناني ومنع عرض الفيلم ...الفيلم الإيراني الممنوع يتحدث عن التظاهرات الاحتجاجية التي تلت تزوير الانتخابات التشريعية بإيران !!!!
الأمن العام اللبناني يعتقد بأن هذا الفيلم خطير على الأمن ...في لبنان هناك قضايا أمنية خطيرة منها السلاح ...استخدام السلاح ...تهريب السلاح ... المحكمة الدولية وتداعيات أي قرار على البلد ...العنف الطائفي الذي يتفجر بين لحظة وأخرى ...الاختراق الإسرائيلي للأحزاب وللمؤسسات ...ما يحدث من تداعيات لحديث السيد عن وجود عملاء بصفوف حزب الله ومعنى ذلك ...قضايا وقضايا ...ومع كل هذه القضايا ...هناك ..(الأيام الخضر ) ممنوع من العرض ...ممنوع في لبنان ...
الممنوع في لبنان سيكون أكثر وأكبر ...فلبنان الآن وبظل الحكومة الجديدة وبظل ما يحدث بسوريا سيكون رهينة من جديد للغير ...فقد تكون لبنان ورقة للتخفيف عن هذا النظام ولدعم ذاك النظام ...فبعد تراجع فرصة التغطية على ما يحصل بسوريا من خلال فتح الجولان ...قد يجد لبنان نفسه مضطرا" للاشتباك من اجل الغير وللتخفيف عن الغير ...
لبنان بات يفقد الكثير من تأثيره والكثير من هامش حرية أبناءه ...وبل انه بات يفقد جاذبية المقاومة وبشكل خاص بعد الخطاب الأخير للسيد ...خطاب المناشدة لشعب سوريا لكي يبقى بدون حرية ولكي يبقى محكوما" بالقمع ...نداء غريب وعجيب ...وبل أن الخطاب اعتبر على طريقة (الجراثيم) بان الشعب يخون فلسطين إذا طالب بالحرية في سوريا ..وبالمقابل تحدث بخطابه عن البحرين ..وطالب وناشد وهدد!!لا أفهم كيف وقع السيد بكل ما يمتلك من ذكاء في هذا المأزق المكشوف !!!لا أجد سببا لذلك سوى التبعية التي توجب عليه هذا القول ..والطائفية .. ولن يجعلنا هذا طائفيين فنحن نحترم الجميع ونحب الجميع ونرى الأوطان مدنية لا يحكمها طائفة ولا لون ولا عرق ولا دين !!!!
بالنهاية نتج عن خطاب السيد تراجع شعبيته وكما أشرت بهذا تراجعت الحريات بلبنان ...وتراجعت قدرة لبنان على التأثير ...وغابت عن لبنان جاذبية المقاومة ....حقا" أن بيروت جميلة ولكنها عادية .
ُمنع في لبنان ..تعبير عن حقبة جديدة قد يدفع ثمنها اللبناني ...من حريته ومقدراته ...
التعليقات (0)