ميوعـة قرار مجلس محاسبة المتحرّش الدبلوماسي
مصعب المشرّف
30 ديسمبر 2017م
جاء قرار مجلس المحاسبة المصلحي في وزارة الخارجية المشكل لمحاسبة الدبلوماسي السوداني المتهم بقضية التحرش الجنسي في داخل " بار نون " في نيويورك .... جاء مخيباً للآمال ومتسماً بالميوعة ومتشبع ومتأثر بضغوط وتدخلات مراكز قوى ونفوذ من هنا وهناك دون داعي سياسي أومبرر أخلاقي ..... وبما يشير إلى رفض النظام الحاكم لكافة المناشدات والنصائح بضرورة معاقبة كوادر الحزب الحاكم جراء إرتكابهم جرائم وتجاوزات مالية وأخلاقية ، على مختلف درجاتهم ومسمياتهم ؛ سواء التي في الحزب أو الدولة.
جاءت قرارات مجلس المحاسبة المشار إليه على النحو التالي:
1) تخفيض درجة الدبلوماسي المذكور إلي الدرجة الوظيفية الأدني مباشرة.
2)نقله بشكل نهائي من البعثة وحرمانه من الترقي والنقل للبعثات لمدة ثلاث سنوات
3)إنذار نهائي بالفصل في حال ارتكابه أي فعل مخالف لنظم وقوانين ولوائح الخدمة العامة.
يُفهم من ذلك أن العقوبة الصادرة ليست سوى إجراء مؤقت لن يستمر أكثر من ثلاث سنوات ... ويعود بعدها الدبلوماسي كادر الحزب إياه لمناصبه الدبلوماسية الرفيعة في وزارة الخارجية ....... ويا بــلاش.
الأفعال والفضائح الجنسية للقادة وكبار المسئولين كانت وستظل على الدوام محل إستهجان وتلتصق على الدوام بمرتكبيها . ولا مجال للظن بأن الزمن كفيل بمحوها.
قبل تفشي ثورة المعلوماتية. ومنذ تكوين نادي الخريجين.. ثم وبدايات الحكم الوطني عقب الإستقلال في يناير 1956م ؛ ظل المجتمع السوداني يتداول إلى يومنا هذا الكثير من الفضائح الجنسية لكبار المسئولين سواء النسائية أو المثلية .. وإستمرت الألسنة تتداول وتلوك القصص والروايات بالتفصيل الممل ... وكانت لمعظم تلك الفضائح والسير الذاتية لبعض الشخصيات والرموز التي تورطت أسماؤهم بها ... كان لها تأثير فعال في المساس بسمعة الأحزاب التي ينتمون إليها . وكذلك التقليل من هيبة الأنظمة الحاكمة التي يشغلون فيها مناصب قيادية عليا.
واليوم في عصرنا هذا .. بمعطياته هذه من حرية تداول المعلومة ثم وتوافرها للرايح والغادي بشفافية في الشبكة العنكبوتية .... فقد أصبح من رابع المستحيلات التعويل على ضعف ذاكرة الشعوب . أوالملل والفتور بعد فترة من تداول السيرة التي تراكم فوقها غبار السنوات.
وعليه فإن المؤكد الجازم أن تفاصيل فضيحة الدبلوماسي السوداني في بار نون بنيويورك وغيرها من فضائح أخرى؛ ستظل متجددة موثقة تستعيدها محركات البحث الألكتروني على الشبكة العنكبوتية جيلاً بعد جيل.
والأن في ظل هذا الواقع المعلوماتي الألكتروني الحُـر ، الذي لم يعد فيه مجالاً للسيطرة عليه من جانب مؤسسة أو حكومات مهما بلغ شأنها وسطوتها وأموالها .. فإن المتوقع أن تسبق سيرة الدبلوماسي السوداني هذا ... تسبقه سيرته إلى كل مكان يتم إبتعاثه إليه في الخارج بعد إنقضاء عقوبة الثلاث سنوات.
هذا الدبلوماسي المشار إليه هو الآن قد أصبح بالـفعـل مصدر سخرية وعدم إحترام كل سوداني . وذلك على وقع أن أي متداول في الشبكة العنكبوتية قد قرأه عنه وسمع به ، ونقل هذه المعلومات إلى أصدقائه وقروباته ومدوناته وصفحاته ومنتدياته ... وزملائه في العمل ... وزوجته وأفراد أسرته في بيته ... وأمه وخالاته وأبيه وعماته ... وكافة أقربائه وحتى حبوباته.
حتى الشعوب العربية التي كانت فيما مضى لا تسمع كثيراً بتفاصيل ما يجري في ساختنا الداخلية قد وصل إليهم الخبر بحذافيره عبر شبكة المعلوماتية ، وتداوله في منتدياتهم ... وسحبوه على الواقع القومي العام وداخل بلدانهم.
بمعنى إذن أن الخبر قد أصبح في متناول الجميع .. والجميع يتناوله ويعرضه كل فرد منهم بطريقة تختلف عن الأخرى . وبما يضيف إليها المزيد من الألق والسحر والتجديد والتشويق.
ولذلك لا يُستغرب اليوم أنه وبعد نشر قرار مجلس المحاسبة وحيثياته على الملأ ..لا يستغرب أن وسائط المعلوماتية والتواصل قد أضافت معلومة أخرى تؤكد أن هذا البار والملهى الليلي مشهور بأنه واحد من الأمكنة المخصصة لتردد وتجمع المثليين.
وعلى ضوء أن حادثة بار نون ومن قبلها حادثة مترو نيويورك قد إنتشرت أخبارها وطبقت الآفاق ما بين الملايين من سكان العالم بفعل وسائط الترجمة الألكترونية في الشبكة العنكبوتية .. عليه فإن من السذاجة بمكان أن تتخيل وزارة الخارجية السودانية من جهة . وأمانة حزب المؤتمر الوطني الحاكم من جهة أخرى .. من السذاجة التخيل بأن النسيان سيطوي الحادثة ، وأسماء المتورطين بها أو حتى أسماء الأمكنة. وسواء بعد ثلاث سنوات أو 30 سنة قادمة.
وفي أي مكان وركن من أركان الكرة الأرضية يبتعث إليه هذا الدبلوماسي بعد إنقضاء فترة عقوبة الثلاث سنوات .. فإنه سيصبح على أقل تقدير مدعاة للهمس والغمز واللمز ، وللسخرية منه ومن وزارة الخارجية والسفارة والبعثة التي إنضم إليها .. وهو ما سيؤثر سلباً على أدائه وقراراته ... وسيجعله حبيس مكتبه ورهين سمعته الغارقة في الوحل.
ليس مهما اليوم ماذا سيحدث لهذا الدبلوماسي غداً ... ولكن الأهم هو أن يصبح عظة وعبرة لكل من تسوّل له نفسه بإتباع شهواته دون كابح أو تقدير للمسئولية التي يفرضها عليه منصبه العام.
التعليقات (0)