مين الراجل اللى واقف وراء «توشكى»؟!
المصدر: الأهرام العربى
بقلم: دينا توفيق
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=499647&eid=2862
لا تستطيع أن تصدق بعد ثورة 25 يناير أن المجلس العسكرى وحكومة عصام شرف والسلطات الرقابية وعلى رأسها النائب العام يتغاضون عن جريمة إهدار 14 مليار جنيه من المال العام فى مشروع توشكى، باعتبار أن فشل المشروع كان وراءه فقط إزاحة الدكتور كمال الجنزورى عن مقعد كرسى رئاسة الوزارة. خصوصاً أن المشروع قد ولد مبتسراً ميتا بناء على دراسات الجدوى التى أجريت عليه كمشروع مطروح للمناقشة منذ عصر جمال عبدالناصر وحتى عصر مبارك.
تلك الفترة التى امتدت من بينها دراسات جدوى من جانب البنك الدولى ووزارة الزراعة الإيطالية، وأثبتت بل وأكدت فشل المشروع اقتصادياً. إلا أن مبارك والجنزورى أصرا على تنفيذ المشروع والترويج له "بزفة بلدى" كمشروع عملاق ضخم، وأنه مستقبل مصر وأنه الخطوة التى ستضع مبارك على قائمة حُكام مصرالذين يشهد لهم التاريخ بإنجاز حقيقى يفوق تأميم قناة السويس وحرب 73 وبناء الأهرامات.
ثم كانت تلك الدعاية الضخمة التى صاحبت مشروع توشكى حول الخروج من وادى الدلتا الضيق إلى جنوب الوادى، واستصلاح 600 ألف فدان وزراعة الصحراء، والاكتفاء الذاتى من الحاصلات الزراعية، وتوفير فرص عمل للشباب. وبعد أن كان مشروع توشكى أحد أعظم صروح التنمية الإستراتيجية المرتقبة، أصبح بعد إعلان الوزير حسب الله الكفراوى عن تقييمه للمشروع هو أحد رموز صروح الفشل الذريع، الأمر الذى أزعج النظام وجعل السيد عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية السابق يبلغ المسئولين السابقين بالتوقف عن الحديث حول فشل مشروع توشكى!
أما الشىء الذى يجعلك تصاب بالجنون وأستميحكم العذر من قولى إنه أصابنى بالعته أن الدكتور الجنزورى عاد إلى كل الشاشات والميكروفونات والصحف مشتاقاً للفرصة، متطوعاً ليعرض خدماته ولمدة سنتين فقط لإنقاذ مشروع توشكى حتى لو كلفه ذلك الترشح لرئاسة الجمهورية!
بالله عليكم. هل يُلدغ المسلم من جُحر واحد مليار مرة؟! فالرجل يبدو أنه يحاول ترويج نفسه مرة أخرى بخديعة جديدة لقناع قديم، أويحاول الهروب من محاكمته من جريمة إهدار المال العام هو ومن تلوه فى رئاسة الوزارة فى عصر أروع وأنزه عصور الفساد، خصوصاً أنه وفى سوق الكلام يُعد متمرساً قديماً وقد ادخره بعد صمته الطويل الطيب وعودته وقد عاد لصبغ شعره ليقدم ويفرد عضلاته فى التخطيط ربما لاستمرار الكارثة كرُبان سفينة الخلاص الصحراوية، دون أن يدلنا على تفاصيل خارطة الطريق الجهنمية لإنقاذ 14مليار جنيه دفنوا فى صحراء توشكى من أجل مشاريع وهمية للاستثمار فى جلسة فضائية مع الأمير الوليد بن طلال أثناء الاستمتاع بقناة روتانا. ولكن هل نستطيع أن "نغمض عيننا" عن هذا المشروع العبقرى أوالمزيف؟! ولمصلحة من فشل؟ وفى مصلحة من أقيم؟! وهل هناك جهة ما محايدة فنية وقانونية واستشارية تستطيع أن تحقق وتجيب عن لغز توشكى فتُكرم الأنبياء فى أوطانهم أوتعاقب الجهلاء والسفهاء منا، وتدفع بالمشروع أوتدفنه إلى الجحيم وتقدم المسئولين عنه لمحاكمة عادلة قبل أن يعود الجنزورى العبقرى المظلوم ويصبح رئيس جمهورية مدافن توشكى والثورة ومصر؟! والآن هل نكتفى عن التخبط وسوء الإدارة والتخطيط أم علينا أن نتحمل مزيداً من الأكاذيب من ذات الوجوه التى شاركت فى مذبحة مصر طوال ثلاثة عقود؟ بعد أن رأينا بالأمس القريب، رئيس مجلس الشعب "السابق الدائم" د. فتحى سرور يخرج عن صمته فى حديث صحفى قبل سجنه ليتبرأ من النظام الذى استخدمه كأعظم ترزى للقوانين فى العالم. وصولا إلى اليوم الذى رأيناه يخرج وهو رئيس مجلس الشعب لمدة عشرين عاما من سرايا النيابة إلى محبسه متدثراً و"مغطى بالملاية"!؟ مثله مثلما يخرج الجنزورى الصامت من بيته إلى العاشرة مساء ويسير النائم ليتكلم فى 90 دقيقة، وينطق الأصم فى مصر اليوم ولو لديه مزيد من الوقت "هيفوت" على الحياة اليوم أوعلى الأقل سيكون موجودا بتصريح مجانى أوتعليق تليفزيونى من هاتفه الجوال ليتسلى ويُسلى بحكايات وبطولات وآراء قبل أن ينام لعله يعود إلى مهام منصبه فى الصباح بناء على رغبات المشاهدين فى نهاية السهرة؟
أما قصة توشكى ووزير الإسكان والتعمير الأسبق، حسب الله الكفراوى فهى أنه بعد تركه للوزارة وهو عضو فى لجنة دراسة المشروعات الكبرى، وجد مشروع توشكى للمرة الرابعة فرفض فكرة تنفيذ هذا المشروع لعدم جدواه اقتصادياً فقال له الجنزورى "مشى حالك" فاستقال من اللجنة وأرسل خطاباً لمبارك عن طريق مستشاره د. أسامة الباز يؤكد فيه فشل المشروع. وكان أساس اعتراض الكفراوى أن كمية المياه التى يحتاجها الفدان فى توشكى تكفى لزراعة أربعة أفدنة فى الوادي، كما أن التكلفة الزراعية فى توشكى مرتفعة للغاية وتمثل إهداراً للجهد والمال. ولكنه فوجئ بالرئيس السابق يعقد مؤتمراً صحفياً يمتدح المشروع ويشيد به باعتباره مشروع المستقبل(!)
ويصف الوزير الكفراوى الوزير الجنزورى بأنه مكابر وليس صاحب فكرة توشكى، ويحكى بأنه قد اتصل به هاتفياً وطلب منه ألا يهاجم المشروع، لأن رئيس الوزراء السابق متورط فيه. وأن عمر سليمان دخل على الخط وحدث الكفراوى هاتفيا أيضا قبل 25 يناير مباشرة وكان له نفس طلب الجنزورى وهو الصمت والكف عن مهاجمته لمشروع توشكى. ولم يوضح الكفراوى من هو اللاعب الخفى الذى كان وراء مشروع توشكى وهل اعتبر مكالمة عمر سليمان تهديداً مستتراً وملوحاً بفتح ملفات ضده أوباستخدام عمليات نوعية حياله من رئيس المخابرات المصرية أم مجرد رجاء شخصى من صديق فى إطار مكالمة ودية؟
حتى جاء الجهاز المركزى للمحاسبات فى تقريره يصف قضية توشكى بأنها خطيرة. فالمشروع أُنفِقت عليه 10 مليارات دون دراسة جدوى. ويقول أنها أعدت فى مايو 1998 أى بعد بدء تنفيذ المشروع بنحو 17 شهراً.
وأخيرا فالسؤال المفتوح الآن للسيد النائب العام فى عصر ثورة 25 يناير ألا يقلقك أويضايقك أويستفز سيادتكم جرائم إهدار المال العام فى مشروع توشكى؟ وهل من سلطاتكم فتح ملفات التحقيق حوله أم أن د. كمال الجنزورى فوق المساءلة أم أن هناك "راجل غامض" يقف وراء المشروع؟
- وإلى الأسبوع المقبل نفتح ملف توشكى لنحاول أن نعرف هل هو أفشل أم أعظم مشروع عرفته مصر منذ عصر محمد على حتى عصر المخلوع والجنزورى وحوار صريح مع د. محمود أبوزيد وزير الرى الأسبق.
التعليقات (0)