ميلاد
مسودة رابعة : إشراقة
تستيقظُ ؛
وحيد أنت . وغربة تهبط عليك كالليل . دفؤك يتلاشى ويستأثر بك صقيع أليف . النور المتسلل من بعيد يتشكل جسر عبور للضفة الأخرى. الثقل على كتفيك يتساقط مع تقدمك . تسمع بقايا همس يجتذبك ، تتبعه دون اختيار. انتقالك يصبح بخِفّة أكثر مع اقترابك منه ، وحين الوصول للطرف - حيث الجسر كان ينتظرك - تختفي الرؤيا ، ويدٌ تمتد من تلك الضفة التي تبتغي ، تناديك ملحة لأن تطأها . ترددٌ يكاد يبتلعك ، أ تسير حيث الضوء أم تقتفي أثر العودة وكلاهما مجهول يرعبك .. ؟!
تنفض الارتباك ، تطوي دربك قاصداً الضياء غير متعثرٍ بالخوف . الصوت يعود يحثّك بأن تقترب .. اقتربْ فإن عبوراً إلى حيث النجاة ينتظرك !
تقف عند الهوة والظلام يغلّفك ، تتقدم خطوة وتشدّك للوراء أخرى ، تتراءى لك وجوهٌ عند الأفق ، وتشعر وقع أقدام تقترب خلفك / تتعقبك ، تحس ثقلاً يقع على ظهرك ووركيك ، قوة تدفعك للأمام فتعود أدراجك خائفا ، تدفعك أكثر ، فتعرف أن العودة ما عادت ممكنة ، ويقين في داخلك يدلّك على الخلاص في الضفة الأخرى !
رخيم الصوت يعود يهامسك لتلتحم الطمأنينة وإيّاك .. اطمئنْ ؛ فإن سلاماً عليك ومحبة حولك .
تقفز أخيراً.
تحلّق ، وكلما ارتفعتَ أكثر يصلك الترحيب نسمات تغمرك ، تعبر نجوماً مضاءة تحاول التقاطك ، كالشهاب تجول حرَّاً .. طائراً تستمتع بالعلوّ واللاحدود . تعبر طفلاً نائماً يدثّرهُ الدمع ، تقبّل صدره . ثم امرأة تعارك المشيب والحزن ، تمسح على شعرها ، وتستكمل التحليق مارّاً بجموع تلوِّح لك ، تستقبلك بابتساماتها لتخلق ابتسامتك ، تطربك موسيقى فضائك ، والرقص على مروج الهواء تتقنه بينهم .
أي زمن مرّ على بهجتك .. ؟
يصيح المنادي أن أوان الحلم قد حان ، وها أنت تتلوّن ، تصافح أطيافهم ، تعانق النور ، تغتسل بالحب ، وتستشعر الدفء يتسلل لكلك .
حالِكٌ محيطك . وحدة تتيح لك الرسم للقادم . ضوء بعيد يومض ويخبو ، ويدٌ تمتد تدعوك للاقتراب ... خوف وبرد يتسربان لأنحائك ، تغريك المغامرة بغموضها ، ثقل يستبقيك وقوة مجهولة تدفعك من ظهرك ووركيك و ..
تقفز مجدداً !
من المجموعة القصصية "ذات سكرة"
التعليقات (0)