مواضيع اليوم

ميلاد: مسودة ثانية

هبة بوخمسين

2009-06-27 14:32:42

0

مسودة ثانية : وطـــن شــاهق

 

زحْفُ الليلة الأولى .


يغفو أمْسُكَ على مزيج من نشيج انتحاب ، ترتيل آيات ، ونمنمات أصوات متداخلة .
مشدوه القلب تتأمل لا تواجده ، تلتقي صباحا يرتدي سوادهم ، ثقل يجثم على صدرك ، ورغم ضآلتك تحاول لاهثاً فهم ما يجري حولك. لكم هي قاسية استحالة فتح باب غرفته ! ودائرة التساؤلات تجرّك مفكراً بوسيلة تفضي إلى دار السعادة التي ضمتكما.

لأن حبّه ليس كأيٍّ من عواطفهم ، وحنانه مغدق على قلبك الصغير ، يحتضنك رغم أن قاموسه يجهل معنى الاحتضان عُمراً ، ويقبل جبينك وخديك وكفّيك كما لم يفعل يوماً. بتوجس تصافح الحزن ، رفيقاً جديداً تستقبله مرغماً وأنت الذي لا ترضى إلا صحبته هو. ليس هنا الآن من يحملك إلى حيث الفرح ، للشاسع من المساحات الأقدر على احتواء تقافز طفولتك وصياح اغتباطك ! , صِدق حدسك ؛ فسماع وقع خطواته – رغم إنهاكها – تُلاحق نزق ضحكاتك ما عاد ممكناً .

( " بابا الكبير " ليس هنا الآن ، إنه ... ) ويدلونك على " السماء " التي يسكن جنتها. هكذا يخبرونك عن " بابا " الذي تحب ، الذي فضّل السماء على عناق ذراعيك الصغيرتين وأباح سمعه للريح على تلعثم أحرفك.
- كيف استطاع ذلك ؟!

وحدك ، ودقّات الساعة التي وعدك أن يلقنك قراءتها ، يوم أهداك واحدة بألوان تشبه البهجة التي تحاول استحضارها " اللحظة " . الدقّات ذاتها ، التي استمعت لها بقلق من الجهاز الملتصق بخيوطه الكثيرة إلى صدره ، همس لك البارحة فقط ..
- استمع ، هذا قلبي يداعبك !
وابتسمت بعد وجوم أيام من الشوق اليائس .
كثير هذا الهم الذي تستنشقه ، غليظ ومكبِّلٌ لأضلعك . " بابا " الذي تشمّ عطره ولا تراه ، تسمع رنين ضحكه على شقاوتك ، ولا تقع عينيك على إدماع عينيه سعادة بك ! , وجهه يهرب بملامحه الأحبّ ، بخطوطه التي قبّلتها إصبعك كثيراً .

موصدٌ باب دار السعادة جيداً .
يقبض على ليال وحكايات تعرف تماماً – رغم طفولتك – أنه يبتدعها فقط ليدلِّلك ! فما معنى أن يستجيب لغريب رغبتك ليحكي لك قصة (الشوكة والسكين) ! وقصة (الخالة والأستاذ) ! وحكاية ( الجني والوحش والمارد) !

- لِمَ تُحب " بابا الكبير " .. ؟
سألتك طفلة ذات غيرة ..
- لأنه حلو !
جاءت الإجابة بيضاء ، كبراءتك .. !

وحدك ، تنقر بأصابعك الصغيرة طاولة لطالما نقرها هو ، بذات النغم الذي اعتاده خلال أمسيات انتظار طويلة لأنباء تهمّهُ ، كان نقرك صداه ، واليوم أنفاسك المتلاحقة تجيب توتر أصابعك .
من يعلمك بعد الـ " أربع سنوات " ما ستقوله في ذكرى ميلادك القادم إجابة على السؤال عن عمرك ؟ أين سترسو أسئلتك الملحة وميناؤه مغلق ، وإجاباته - الحاضرة دوماً - قد أبحرت !
هذه المرة ليست كمثيلاتها ، رائحة الغياب حقيقية ورغبة محتدمة أدمعت عينيك لأنك بالفعل قد اشتقته ! تهامس الفقد علَّ رحمة تطالك :

- " ولهت عليه " !


لكنك تعرف أنه ما عاد في الجوار حتى ، ويعود سرُّه الهامس وقت همّ والداك بالرحيل بصحبتك :
- قريبا ، أسكن قلبك !

غارقاً بأدمعك ، تنفرد بقلقك ، ولهوهم يتيح متّسعاً لتداهمك إغفاءة ، تحمل إليك جسده مستريحا على أريكته ، في مكان ما علمته قبل ذلك ، وميقات نهار خلته دائماً ، تأتيه من جنبه واضعاً كفّك الصغير على كتفه ، يستدير وابتسامته ، تتوسد حضنه حيث يحبك أن تكون ، تحاول التقاط كلماته وهو يمسح على رأسك ، يبوح لك بأن مع كل تنهيدة نفس عميق منك ، تأكد من أنه يعانق قلبك ويحتضن نبضك بكله . يخبرك عن خدعة تتيح لك الالتقاء به دوناً عن البقية أجمعين :
- أغمضْ عينيك ، تذكر كل جميل أقمناه معاً ، وأكون معك ، غافياً في قلبك .

يهديك مفتاح السعادة ، ثم يتلاشى نهاره لتصحو على نهارك مطلقا تنهيدة نفس عميق !

 

من المجموعة القصصية "ذات سكرة"




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !