مواضيع اليوم

ميكانزم وئد الثورات !؟

صادق البصري

2011-02-08 20:25:08

0

ميكانزم وئد الثورات

هناك صوت جميل يكسب القضية تعاطفا وودا لاشعوريا ،وصوتا قبيحا يلغي وجودها بالمرة. تابع العالم إحداث تونس الأخيرة،ذلك البلد ألمغاربي الوادع ،إذ اختار شعبه وبإصرار رائع التغيير السياسي ، بعد ثلاثة وعشرين عاما ،تحت وطأة الظروف الاقتصادية والمعاشية القاسية ، خرج إلى الشارع صارخا لقد فاض الكيل بعد أكثر من عقدين تحت حكم أخفى طيلة سنوات حكمه لهذا الشعب حقيقة بؤس المواطن والمشاكل المتفاقمة المستترة طيلة تلك السنوات من بطالة مستشرية ورشا وفساد إداري مع حظر لحرية الرأي ووسائل الاتصال،كان اليأس في التغيير ينموا كالفطر السام في قلوب التونسيين حتى غدا نشيدا يماثل اذا الشعب يوما أراد الحياة ، حينها كانت نكتة سمجة يرددها المتقاعدون على مصاطب المقاهي ومجالسهم، وبالمقابل انتفاع زمرة من المقربين من حاشية الرئيس وأقربائه وعماد سلطته .
وكان رأس السلطة قد اعترف في أيامه الأخيرة بتلك الأخطاء معلنا ندمه وكلنا تابعنا ذلك ولكن بعد فوات الأوان ،وفات أولئك الحكام المعتقون إن أساليبهم القديمة في تحصين عروشهم بالقوة والذراع الأمنية والبوليسية الضاربة لن تجدي نفعا أمام زحف الجياع حين يهتف هاتف الثورة وينتفض الأحرار، وأمام عالم أصبح ليس كما يقولون كالقرية الصغيرة لا بل كالبيت الصغير بلا أبواب ونوافذه مفتوحة على بعضها البعض ،عالم بدين أنساني موحد وهم بشري مشترك ..
هرب الرئيس وهرع يبحث عن مأوى يقيه غضبة الشعب المقهور، هرب متنصلا من مسؤولياته ،ذلك الشعب الذي فاجئنا وسرعان ما صارحنا بصدق مأساته التي امتدت لعقود من الزمن وهو يرزح تحت وطأة قيادة متفردة بالكذب على شعبها ولا يشغلها شاغل سوى تامين مكاسبها ومصالح تابعيها من حاشية ومقربين ..
ذلك الشعب الذي قربنا إليه لنشاطره سعادة تحوله السريع ولنمنحه الاعتراف مقرين له بواجب احترام إرادته .. أولم تكن هي ذاتها عقدة الكثير من شعوبنا المبتلاة بالرئاسات المعتقة والملوك المؤبدين ، اوليس حلمنا كشعوب وتطلعنا للخلاص كان وما زال حلما مستحيلا حتى وأن مات الدكتاتوريون أو هربوا !؟ والأمر المستغرب هو إن الشعوب الجائعة في بلداننا هي من تصنع الثورة وتسقط سافحة دمائها في شوارعها ، وهي ذاتها التي تقدم تلك الثورات البطولية على طبق من ذهب لبدلاء وسماسرة مستنسخون يسرقون تلك الثورات لأجندات لاتختلف عن أجندات بل أبشع من أطيح بهم ممن سبقوهم ،وهي طامة كبرى حتى بتنا لانثق بالثورات وشعاراتها ولانجني منها سوى السجون والجرب في زنازينهم ، والموت الزؤام على أيدي عصاباتهم ..
إن مانخشاه حقا هو ذلك الصوت النشاز الذي يهدر في آخر الصف مؤذنا بانحراف مسار التغيير وتجيير نتائجه لصالح قوى وتجمعات ساقتها المطامع السلطوية وجمعها صراخ الغوغاء والمتصيدون ، غايتها وئد التغيير في مهده ، والإطاحة به بتفريغه من معانيه السامية ، وهي إشارة أن لأنفع من ثوراتكم احرثوا البحر ، وقطف ثماره من اجل مصالح فئوية وحزبية وعشائرية أو طائفية تاركة الشعب يلعق جوعه ويندب السراب ، وهذا ما شهدنا ه عراقيا حيث إن التجربة العراقية في التغيير أصبحت علامة فارقة لشعوب المنطقة تنبئ عن الخطر في استحداث أي تغيير ، لما فيه من دموية وانتقام وصراع واستغلال للسلطة وتبعية وفساد ودونية وتقسيم للبلاد إرضاء لطموح زعامات دينية وقومية ،والشعوب المتطلعة للتغيير في غنى عن هكذا مشاريع وهي أسوة سيئة لايرتضيها شعب واع يحلم بالتطور والازدهار تحت حكم أحزاب وحكومات ثيوقراطية .
وكأن أحزاب الدين السياسي هي قدرنا المتربص بنا في كل تغيير تحلم به شعوبنا وكأنها أعُدت لوئد كل تطلع للمستقبل وهي بالمرصاد لكل تطلع جدي نحو الانعتاق ،وقد دأبت على تسويق مشاريعها العقيمة في ربوع بلداننا المبتلاة بين مطرقة دكتاتوريات متسلطة مزمنة وسندان أصوليات دينية متطرفة ظالمة تحكم باسم الحق الإلهي ، متخذة من سلطتها حكما مؤبدا قامعة أي تحرك ينشد التغيير ،وذلك هو الخطر الحقيقي على أية ثورة أو انتفاضة للتغيير قد تحدث في ربوعنا الوحشية ،ومحنتنا تكمن في إن بلداننا تقبع ضمن مجالات دولهم الحيوية كما يصرحون وهو صراع محموم بين قطبين يتسلحان بموروث ديني وتعاليم مختلفة يحرصان كل الحرص على بثهما في عموم بلداننا من خلال صراعهما القديم الجديد ، تساند كل منهما ثروات بترودولارية طائلة يقتطعونها من لقمة شعوبهم لإسناد مشروع صراعهم الأثير ..
فقد رسم المشروع الإيراني الشيعي ميكانزم خارطة نفوذه وحددها بعناية وبالضد منه يهرول المشروع السعودي بمؤسساته الوهابية ، وراح كل منهما يختار نقاط ضعف البلدان وثغرات الولوج إليها وتأسيس جماعات ضغط بهيئة تيارات وأحزاب مهمتها التبعية لهذا الطرف أو ذاك بإغراءات المال والدين والطائفة (سايكس بيكو)جديدة ودائرة صراعهما هي للأسف بلداننا الفقيرة منها أو المضطربة وتلك المتعددة المذاهب والأديان ، انظرالى العراق أو لبنان أو الصومال اوفلسطين ،واليمن ،السودان أو أفغانستان أو باكستان أو حتى نيجيريا وماليزيا ، ستعرف سبب اضطراب تلك البلدان وعدم استقرارها إلى مالا نهاية ، انه مشروع صراع النفوذ،وقد فشل لحد ألان في دول أخرى من منطقتنا ويسعى هذا المشروع لاحتوائها في بذر الفرقة والكراهية واستغلال الأزمات الاقتصادية الملحة في تلك البلدان ويعول على الوقت في بسط نفوذه ، ويتحين الفرص لحكمها وتسلطه عليها من خلال تلك الأحزاب الدينية المزروعة ومن تلك البلدان مصر ،سوريا ،الأردن ،البحرين ،الجزائر..نقول لكي لانندم إننا باركنا ثورة جياع تونس لتكون النموذج والعلامة الفارقة التي تجسد إرادة الشعوب في نيل حقوقها ،يجب تحصين ثوراتنا مستقبلا إن هي جاءت شعبية في المحافظة على خط شروعها وشعاراتها وتحديد مطالبها ، وإبعاد الدين السياسي والطفيليين قدر المستطاع لأنه الصوت النشاز و السبب المعد سلفا لإفشالها ، ومعاقبة تلك الدول الثائرة بإلغائها كدول معترف بها وجعلها إمارات منبوذة ليس لها مكان في خارطة الحياة ولكم في كل ماتقدم عبرة يا أولي الألباب .

 

 

                                    صادق البصري

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !