ترجمة: محمد عبدالنور
لقد أعلنتُ نهاية السبعينيات عن عودة ديونيزوس، إله العربدة، ملاحظا الدور الذي أداه صعود نزعة العربدة في مجتمعاتنا، وذلك في ذات الوقت الذي اتخذت فيه العربدة تلك معنى مغايرا وكذا شَغلها لمكانة أساسية ضمن إطار القَبَلية الجديدة، المعنى الذي أسس بصورة رئيسية لفعالية الرغبات الجماعية، بما أضاف معنى الذوق الجمالي إلى مفهوم الأخلاق، وقد مات نيشته مجنونا في سبيل بلوغ هذا الشعور لإدراكه المبكر له.
إن لكل عصر تصوراته وأساطيره الخاصة التي يكمن دورها في استعادة وتحيين الصور الأصلية القادمة من أعماق الماضي والتي تم تجاوزها، وهي الآن فجأة تستعيد وجودها في عالمنا الراهن. إلا أن تجدّد بعض الأساطير يسبب قلقا متزايدا للإكليروس الحديث المكون من الساسة والعلماء والصحفيين، الذين يغضّون أبصارهم رافضين وبشكل قاطع التعامل مع هذا التغيّر الذي تمثله أساطير عديدة من قبيل: التطور الخطي، قيمة العمل، النتائج العرضية للإنتاج، كما وصار البحث عن المعنى في العمل منتصرا على خطط الربح وشروط تحقيقه... إلخ.
فعندما يستقيل بروموثيوسفاسحا المجال لديونيزوس، مالذي سيعنيه الإبداع إذا لم يكن غير الوعي بكامل المقاييس الإنسانية المتعلقة باللهو والأحلام والتمثلات الجماعية؟ إن أكثر من نصف المستعملين للأنترنت ينزعون نحو التواصل الودّي والجنسي، والفلسفي والديني بما يعمل على انزياح مفهوم العمل إلى معنى غير الذي يضفيه عليه المعنى الكلاسيكي.
العقل الذاتي (l’ego cogito) يفسح المجال شيئا فشيئا أمام العاطفة الذاتية (l’ego affectusest) المتأثرة بالآخر والمقدّس والطبيعة والمزاج، وهذا يعني أن نفكر في تغير حياة هيمنت عليها مادية عصر الأنوار والقرن التاسع عشر نحو طريقة مغايرة للعيش المشترك، حيث تستعيد الحياة اللامادية قوتها ونشاطها في مجالات السياسة والاجتماع والاقتصاد.
إن الأجيال الشابة تتمثل هذا المنظور الجديد للطبيعة والمجتمع ويظهر ذلك في موافقها المتحررة، وإن إبداعيتها المتعددة الأشكال والمنبثقة من صميم هذا العصر لتؤكد الشبابية الخالدة لهذا العالم. هذا الذي يتجسد في في النموذج الديونيزي، هذا الطفل الخالد الذي يمثل الوجه الرمزي لمابعد الحداثة.
· ميشال مافيزولي، العضو الشرفي للمؤسسة الجامعية الفرنسية، نشَر (ظل ديونيزوس 1982) و (إنسان المُتَع2012)
· محمد عبدالنور: أكاديمي جزائري، باحث بمركز البحث في اليومي والراهن (CeaQ) جامعة باريس ديكارت
· المقال نشر في العدد الـ21 الخاص من صحيفة اللوموند للأديان، حول: الأساطير الإنسانية الكبرى، ديسمبر 2013
التعليقات (0)