ـ سلسلة مبدعات عراقيات معاصرات
(3)
ميسلون هادي
قاصّة وروائية غزيرة في عطائها الروائي . تنتمي الى الواقع وتعبر عنه بأسلوبها الخاص بها . إنها سيدة فعلاً من سيدات القصة والرواية العربية . ربما اجدها مقلة في النشر على الانترنت ، لكن يدهشني ان اجد لها قائمة من الاعمال القصصية والروائية الجميلة المستلهمة من واقع العراق ومامرّ به من حروب وتجارب .
لنقرا سيرتها :
الاسم: ميسلون هادي.
الجنسية: عراقية.
الولادة والإقامة: بغداد.
الشهادة والتخصصات :
- بكالوريوس إحصاء من كلية الإدارة والاقتصاد- جامعة بغداد- العراق- 1976.
- دبلوم مهني في اللغة الإنكليزية من المدرسة الدولية للغة الإنكليزية- المملكة المتحدة.
- روائية وقاصة، وصحفية، ومترجمة.
الكتب المنشورة :
- نبوءة فرعون، رواية، 2007.
- الحدود البرية، رواية، عمّان، 2004.
- علامة على الجدار، مجموعة قصصية مترجمة، بغداد، 2004.
- العيون السود، رواية، عمّان 2002.
- يواقيت الأرض، رواية، عمّان 2001.
- رومانس، مجموعة قصصية، دمشق 2000.
- لا نتظر إلى الساعة، مجموعة قصصية، بغداد 1999.
- العالم ناقصاً واحد، رواية , بغداد 1996، وعمّان 1999.
- الطائر السحري والنقاط الثلاث، رواية للفتيان، عمّان 1995.
- رجل خلف الباب، مجموعة قصصية، بغداد 1994 .
- الخطأ القاتل، رواية للفتيان، بغداد 1993.
- أشياء لم تحدث، مجموعة قصصية، القاهرة 1992.
- التنين المتقاعد، رواية مترجمة للأطفال، بغداد 1990.
- سر الكائن الغريب، رواية للفتيان، بغداد 1988.
- الخاتم العجيب، رواية للفتيان، بغداد 1987.
- الهجوم الأخير لكوكب العقرب، رواية للفتيان، بغداد 1987.
- الفراشة، مجموعة قصصية، بغداد 1986.
- أساطير الهنود الحمر، مترجم، بغداد 1986.
- الشخص الثالث، مجموعة قصصية، بغداد 1985.
- جسمك كيف يعمل، مترجم للأطفال، 1984.
- شجرة الصفصاف، مجموعة قصص مترجمة للأطفال، بغداد 1981.
- أشكال وألوان، مترجم للأطفال، بغداد 1981.
التجربة القصصية والروائية:
- نشرت ست مجاميع قصصية وخمس روايات .
- تُرجمت بعض قصصها إلى اللغات الإنكليزية، والإسبانية، والكردية، والصينية.
- أُعّدت بعض قصصها إذاعيا وتلفزيونياً.
- صدر عن تجربتها الإبداعية كتابان:
o ميسلون هادي وأدب عصر المحنة ، تأليف د. حسين سرمك حسن، عمّان، 2004.
o الفراشة والعنكبوت.. دراسات في أدب ميسلون هادي القصصي والروائي، جمع وإعداد د. نجم عبدالله كاظم، عمّان، 2005.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأديبة ميسلون هادي تتحدث للقلعة.. على المثقف أن لايترك بلده لأن وجوده يمثـّل نوعاً من الانتصار لبغداد..
تراجع الاهتمام بالمثقف ويكاد الأن ان يصبح نسّياً منسياً!
حاورها: عبد الامير المجر
قاصة وروائية ومترجمة دؤوب أصدرت منذ عام 1981 حتى اليوم(21) عملاً ابداعياً يتوزع بين الرواية والقصة والكتاب المترجم اضافة لادب الفتيان والاطفال فضلاً على عملين مخطوطين جاهزين وقد كتب عن تجربتها الابداعية عدد غير قليل من خيرة النقاد العراقيين والعرب... اغنت تجربتها في العمل باكثر من موقع ومؤسسة ثقافية رصينة منذ عام 1977 قبل ان يستقر بها المطاف اخيراً محررة في مجلة الاقلام.. ميسلون هادي، اسم لم يمر سريعاً على مسامع الوسط الثقافي العراقي لماتركته من بصمة ابداعية تستحق التوقف عندها.. وقريباً من هذا الهم، نتوقف اليوم معها في حوار لنستجلي فيه رؤيتها لما يشغل المثقف من راهن البلاد في شؤونها وشجونها، فكانت هذه الحصيلة..
كأمرأة ومثقفة عراقية، كيف تصفين الواقع العراقي اليوم، وأين تقفين منه؟
-العراق يمر الان بفترة شبيهة بتلك التي مر بها في عشرينيات القرن الماضي عندما كان يقاوم الاحتلال البريطاني ومن بعد ذلك يكافح من أجل التحرير والاستقلال وبعد مضي عقود من الثورات والكفاح وتقديم التضحيات نعود الى عصر الاستعمار من جديد ونحن على اعتاب القرن الواحد والعشرين فاية مفارقة مؤلمة هذه حين نعود فجأة عشرات السنين الى الوراء: وأي دور سيكون للكاتب عندما يتقهقر بلده فجأة ويعيش حالة غير مسبوقة في العصر الحديث؟ هل يكتب روايات وقصائد فنطازية سريالية ام يتحول الى سياسي تعبوي او مصلح إجتماعي؟ وإن تحولنا الى نقطة الصفر من جديد فهل ذهبت سدىً جهود الوردي وعزيز علي والملا عبود الكرخي والزهاوي الجواهري والرصافي والسياب ونازك الملائكة ويوسف العاني وخليل شوقي وجواد سليم وأوائل الجامعيات والمثقفات وكل الفنانين والمفكرين والادباء الذين اشعلوا حياتهم شموعاً من أجل تنوير العقول وإرساء الافكار الجديدة في المجتمع.. ان هذه الافكار والتوجهات التي جاؤوا بها هي على المحك الان ولحين ينجلي معدنها الاصيل على الكاتب ان يثبت في مكانه اولاً وان لايترك بلده وان يصبر مع اهلة في اوقات المحنة لان وجود المثقف في كل حي وشارع ومنطقة بحد ذاته نوع من الانتصار لبغداد الجميلة ولكل ماعرفت به من قيم الجمال والمحبة والتسامح فلاتختفي من ذاكراتنا تلك المدينة العذبة الوديعة التي لاتكف عصافيرها عن الزقزقة واشجارها عن الامتداد وشمسها عن السطوع.
المرأة بعد الاحتلال، هل ترين ان فرصتها في (الحرية) باتت اوسع للتعبير عن ذاتها وموقفها من الحياة ام انها هي الاخرى قد عادت الى نقطة البداية في (نضالها) من اجل ذلك؟ وهل هناك مايمكن تسميته بين هذا وذاك؟
-المرأة دائماً هي أول من يدفع الثمن في مثل هذه المحن والاضطرابات، أنظر الى تضحياتها ومعاناتها في دفتر الحصار ستجد انها العمود المتين الذي حافظ على ثبات البيت العراقي وديمومته و الان ايضاً هي سفينة النجاة التي تنقذ البيت من التشتت والضياع.. المرأة لديها قدرة فكرية وفطرية على إدارة ازمات بيتها في أحلك الظروف وتستطيع اعتبارها حكومة مصغرة داخل اسرتها، فهي بقلب الام تستوعب وتمتص كل الصدمات والمشاكل التي يمر بها ابناؤها وبعقل المرأة المرتب تتغلب على كل الصعوبات الاقتصادية التي يمر بها البيت.. ومهما كانت الظروف صعبة ستجد المرأة العراقية تعمل وتكدح وتنهي دراستها العليا وتدير بيتها على احسن وجه، وهذا إمتياز لها بين كل نساء العالم اللواتي لايصل الكثير منهن الى ذكاء وجمال ومهارة المرأة العراقية ولكن يتمتعن بالحياة الرغيدة المرفهة التي لانراها ونسمع عنها إلاّ في الافلام أما ماتمر به الان من ظروف صعبة واستثنائية فلابد انها ستعيق حركتها ورغبتها في الابداع ولكنها لن تؤثر في مستوى وعيها ثقافتها ومعدنها العراقي الاصيل، ومادامت اسباب الحياة موجودة فالاحلام ستبقى حية ولن تختفي.
بصفتك أديبة تكتبين القصة، هل كنت تكتبين كأمرأة ام كمثقفة مبدعة، والى من تتوجهين بكتاباتك قبل الشروع بها واثناء الكتابة!؟
-الكتابة قدر يطالك مثل باقي الاقدار.. وإذا كان قدر بعض الاشجار ان تكون معمرة وبعض الطيور ان تكون مغردة فقدر بعض البشر ان يرسموا او ينحتوا او ينظموا الكلمات في الواح ومخطوطات وأغانٍ لتعطي لكل شعب صفة تكمل هويته الحضارية الى جانب الصفات الثقافية الاخرى.. وعندما تكتب المرأة فانها تمتثل لخصوصيتها وطبيعتها الوجدانية التي تختلف عن طبيعة الرجل، فهو بطبيعته عزوف عن امور البيت وشجونه بينما المرأة تحافظ على اسرار بناته ولذلك فهي تتشبث باسباب الحياة ولها قوة في البقاء تفوق قوة الرجل ولديها أهم عناصر ادامة الحياة ألا وهو الحنو على الاشياء والعطف على المخلوقات الصغيرة والحزن على فقدان الاعزاء باضعاف مايحزنه الرجل وعندما تكتب المرأ’ فلايمكن إلغاء كل هذه الخصائص والصفات من طبيعة ماتكتبه... إلخ ولكن ثقافة المرأة ستلعب دوراً أكيداً في الارتفاع بمستوع وعيها عن المألوف حتى لأزعم انها ستشعر بالغربة مضاعفة لان المثقف هو بالأساس مغترب عن مجتمعه وزاهد بكل المتعلقات الاجتماعية والبهرجات البراقة فكيف بالمرأة التي هي بطبيعتها تحب إقتناء الكماليات ومحبة للأزياء وكل الاشياء اللامعة والجميلة؟ هنا تستدعي الحكمة منها ان تتواجد على الجبهتين ولاتفرط بأنوثتها على حساب ثقافتها وان تتشبث بكونها أمرأة كاملة الأوصاف ولاتصبح من اشباه الرجال كما هو حال بعض الناشطات والمثقفات والسياسيات والداعيات الى حقوق الانسان.
زوجك الدكتور نجم عبد الله كاظم، كيف هو شكل علاقتك الثقافية به؟! وهل هو تعاون او تكامل..بلا إستفزاز؟!!
-هذا الارتباط مهم جداً في حياتي، لانه هيأ لي أولاً ان أطوّر مهاراتي في اللغة العربية، والتي بالرغم من عشقي الشديد لها لم اكن قد درستها دراسة اكاديمية وثانياً فأن وجود ناقد هو اصلاً مهتم بالقصة العراقية وصاحب إحساس ثقافي عالٍ بالموهبة اينما تكون، قد ساهم ومنذ البداية في رعاية الموهبة الاقرب إلية وتطويرها وتوفير عوامل النجاح لها.
لقد أفادني هذا الاهتمام في مراجعة الكثير من اعمالي وتخليصها من الزوائد والاضافات كما ساعدني بالتسلح بالتقنيات والاستدلال على المصادر المهمة في اللغة والأدب.
كمثقفة. الا تعتقدين ان انحسار اليسار السياسي على مستوى العالم أتاح للنشاط(الرجعي) ان يفرض قيمه التي كانت تمثل محور النضال اليساري لتغييرها؟
-في هذا الصدد يحضرني تشبيه جميل سمعته ذات يوم يقول ان العالم(مع الثنائية) كان له أب وأم وانه مع انهيار الاتحاد السوفيتي اصبح العالم بلا أم واصبحت امريكا(والعياذ بالله) هي الاب والمتسلط لوحده على هذا العالم.. وتخيل عندما تكن سلطة الاب لوحدها في الساحة بلا امومة توازنها كيف يمتلىء العالم جبروتاً وعنجهية ان كل ردود الافعال التي نشاهدها ونسمع عنها ماهي الا نتاج لتصرفات هذا البلد المغرور المتغطرس الذي لايعرف اهله الا القليل عن شعوب العالم وثقافاته وحضارته ولايهتم بماذا يحصل لهذا العالم، ربما لان لاوقت لديه او لأن حكومته تضلله او لان حياته هي اهم مايؤمن به.
أديبات عراقيات أعجبنك أو تأثرت بهن؟ وكيف ترين المشهد الثقافي بشكل عام؟
-الاديبات العراقيات على درجة كبيرة من الثقافة.. وهذه الثقافة تتعدى حدود الموهبة والتخصص الى معارف اخرى فترى الواحدة منهن متابعة للفن التشكيلي والعلوم والسينما وباقي مجالات الابداع، هذا بالاضافة الى كونها إنسانة متواضعة مرهفة وحنونة، ولكنها مع الأسف لم تأخذ حقها من الانتشار وترى كاتبات من بلدان اخرى يأخذن اهتماماً اكير من حيث الحضور في المحافل الدولية رغم ان قامتها ليس أقصر من تلك القامات..
وهذا مرتبط بالمشهد الثقافي العراقي بشكل عام، حيث يتراجع الاهتمام بالمثقف يوماً بعد آخر... والأن يكاد يصبح نسياً منسياً حيث لاتوجد منافذ او مكتبات تكون حلقة الوصل بينه وبين قرائه وحيث يوجد الاف المثقفين في المنافي وخارج البلاد ولاأحد يفكر باعتبارهم النخبة التي تحول هذا الظلام الى لوحة زاخرة بالحياة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاباتها :
لكل امرئٍ من إيميله نصيب
ميسلون هادي
(العراق)
حكايتي مع الإنترنت حكاية عجيبة، بدأت قبل ثلاثة أعوام على وجه التحديد، عندما خرجتُ (مسافرة) من العراق، فأصبح الاشتراك بهذه الشبكة من داخل البيت متاحاً بشكل شهري، ومن خلاله بات التعامل مع هذا الكائن الجديد يومياً، بل في كل ساعة من ساعات اليوم، تزداد إلحاحاً كلما توفر الوقت المتاح لذلك، أو ازدادت الحاجة إلى دخول هذا العالم المسحور... وكنت قبل ذلك أسعى إلى زوجي أو (أتوسّل) لأحد أولادي لطبع مواضيعي قبل إرسالها إلى (الخارج) عن طريق مقاهي الإنترنت المنتشرة في بغداد.
في مرحلة التعارف تلك، كان زوجي وأولادي يدعونني إلى الاقتراب من هذا العالم وفك شفراته والتعرف على أسراره الباهرة، فكنت أجيبهم بأني لن أتعلم استعمال الإنترنت قبل أن أعرف وأستوعب كيف تعمل ساعية البريد السحرية هذه، التي لا يهمّها بردٌ أو حرّ أو زوابع أو أمطار، فتنقل رسائلنا في الهواء ذاهبة آتية من صناديق بريدنا المعلقة في الأقمار الصناعية. ذلك الفضول لمعرفة أسرار الاختراعات، التي نستعملها بشكل يومي في البيت، لازمني في حياتي منذ الصغر وجعلني فيما بعد أبحث أيضاً في أسرار كل جهاز عند اقتنائه أو حتى دون ذلك الاقتناء، ومنها مثلا الموبايل الذي عرفت أن عمله شبيه بعمل الراديو وأن أمواجه الراديوية التي تحمل الإشارات الصوتية المشفّرة عبارة عن أشعة كهرومغناطيسية تنتشر بواسطة (الأنتينا) أو الأريال بالعامية العراقية. وتشاء (انتينا) الإلهام أن تفكّ لي لغز الإنترنت أيضاً في دقيقة واحدة، وربما أقل من دقيقة، بخاطر مفاجئ جاءني فجأة عندما كنت أسير في الشارع ذات يوم واملأ البصر من جماليات المكان وملامحه ووجوه ناسه قبل أن تمضي من أمامنا إلى اللامكان، وتلك عادة أخرى من عادات التأمل والتفكر ينصح بها أحياناً لتبديد الضيق والاكتئاب. ذلك الخاطر المفاجئ صرخ بي فجأة بينما أنا أنظر إلى المكان: كيف استعصى عليّ لغز الإنترنت وعيني التي أرى بها الآن كل شيء، بلا واسطة غير الضوء، هي جهاز (إنترنت طبيعي) يعمل بـ(هاي سبيد) أسرع من كل سرعات الإنترنت على الإطلاق!؟ فها هي عيني ما إن تنظر إلى شيء حتى تلتقط صورته وتسجلها على الشبكية ثم تقوم بإرسالها إلى المخ ليتم تحليلها وتحميلها وتحويلها الى صورة. وهكذا، فإننا «نرى» الشيء خلال ثوان بلا شيء غير كمية الضوء المُرسلة إليه من العين، فهل هناك ما هو أغرب من تلك العملية التي تتم بسرعة هائلة بحيث يكون كل شيء نراه واضحاً؟؟
عن هذا الضوء يقول الباحث العراقي محمد عارف، مستشار العلوم والتكنولوجيا: «يقوم بهذه المهمة (ويقصد مهمة تحويل المادة الإعلامية إلى مادة رقمية أو العكس تحويل المادة الرقمية إلى مادة إعلامية) الحاسوب الذي يتعامل برقمي الواحد والصفر وهما الوحدتان القياسيتان للمعلومات، ويطلق عليها اسم بتات، وكل ثماني بتات تعادل بايتاً واحداً، وتنطلق البتات حول العالم بسرعة الضوء عبر الانترنت التي تمتد كالخط المستقيم في الهندسة إلى ما لا نهاية».
إذن، مرة أخرى، الضوء هو الحقل المسحور الذي لولاه ماوجدت كل تلك العجائب والغرائب، وهو الذي يستطيع أن يلف الكرة الأرضية سبع مرات في ثانية واحدة أي بمجرد أن تنتهي من نطق كلمة واحد. من هذا المدخل أريد الالتفات إلى لغة أصبحنا شيباً وشباباً نستعملها في التخاطب والتراسل، هي لغة الإنترنت التي استغنينا فيها عن كثير من الزوائد والتكرار، فندخل إلى الرسالة بسلام مقتضب نتبعة بكلمات موجزة بلا فضفضات أو مقدمات أو (جنجلوتيات) اعتدنا استعمالها فيما سبق. أما إذا كنت داخلاً على مرسال الماسنجر فيمكنك أن تودع صاحبك بكلمة (باي) أو (سلام)، وتتركه مطمئناً من أنه لن يزعل أو يغضب، لأن رُبّ (بايٍ) أو (سلام) خير من ألف (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل).. وإذا كنا نحن الكتاب قد أصبحنا متورطين في هذه اللعبة بحكم المهنة اضطراراً أو اختياراً، فإن أولادنا، عندما يصلون إلى أعمارنا سيكون العاطل منهم والعالم خبيرين في هذه اللعبة.
أما الإيميلات فتلك حكاية أخرى أجدها كالتواقيع، والأسماء تعبر عن شخصيات أصحابها وطبائعهم، في أغلب الأحيان، فتجد مثلاً أكثر الناس أريحيةً وبساطةً هم مَنْ تكون إيميلاتهم هي أسماءهم الأولى التي يُعرفون بها بين الناس، ولكن هناك من يضعون تلك الشرطة اللعينة المسماة بـ(الاندر سكور) فاصلاً بين اسم الأب واسم صاحب الإيميل فتكون كحجر العثرة الذي تتعثر به الأصابع بدلاً من الأقدام، والبعض يقول إنه مضطر لها بسبب تشابه الأسماء والبعض الآخر يختارها من أجل الخوف من الوضوح التام الذي يريدون تعكيره بمثل هذه العثرات المصنوعة. وهناك من يضع نقطة بين الاسمين، وهناك من يضع حرفه الأول ثم اسمه كاملاً أو يجعل اسم ابيه سابقا لإسمه، وهناك من يضع رقماً كالألفية الاولى أو الثانية أو الثالثة بعد اسمه، وعندما سألت أحد الزملاء من الكتاب عن ذلك، قال جادا بإنه يضع ذلك الرقم لأنه يعيش القرن الواحد والعشرين. بينما أجاب كاتب آخر بطريقة ساخرة ملتفاً على الموضوع: «رشيت ايميلي بهذا الرقم الكبير (2000) لأنه يشبه أجر كنّاس بالدينار العراقي». وهناك من يضع سنة ميلاده أو سنة ميلاد أحد أولاده، وهناك من يتعرض للقرصنة فيستعمل إيميلاً لا علاقة له البتة باسمه، فيصعب حفظه.
وهناك، من الرجال حصراً، من يستعمل أكثر من إيميل يخصص كل واحد منها لاستعمال مختلف. وهناك من الشباب من يميل إلى استخدام عناوين الافلام السينمائية في إيميلاته. وهناك من البنات من يستعملن كلمات الأغاني أو اسماء الورود وألقاب الفنانين في إيميلاتهن. وإذا كان الاميل هو (الأميّل) شبها بالتوقيع فإن (الباسورد) حكاية أخرى، ربما هي كبصمة الإبهام الفريدة التي تميز إنسانا عن إنسان في هذا الزمان ... وهذه مناسبة لكي نتساءل في ختام هذا الموضوع أليس من الغريب أن يسمى (الإبهام) بهذا الاسم، وهو الذي لولاه لايمكن توضيح هوية الإنسان والبت فيها على وجه اليقين
القبس
16-11-2009
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الشغف بالماضي .. ميسلون هادي في رواية العيون السود
صالح زامل ـ جريدة المدى
الرواية أحد أكثر الفنون الإبداعية التصاقا بالتحولات الاجتماعية لذا يعدها(لوكاش) ملحمة العصر الحديث فهو عصر مفارق لما قبله، وهو يرى أن الرواية نتيجة فنية لوعي متميز للتاريخ وتأسيسا على ذلك فإنه لا يهتم كثيرا بتحليل النص الروائي وتبيان خصائصه بقدر ما يهتم بمتابعة الوعي التاريخي المنبعث منه. وهو ما سيعدله غولدمان فيوازن بين العنصرين العمل بذاته والوعي حوله، لذا يرى الأخير لكل عمل فني هناك بعدان؛ بعد اجتماعي ينطلق من الواقع المعيش، وبعد فردي ينطلق من خيال الفنان، وان البعد الأول يمثل الدور الذي يلعبه أفراد المجتمع في عمل إنما يقوم به الكاتب مثلا.
إن الرواية لا زالت في العالم العربي، وفي الكثير من الأعمال، لصيقة بالتحولات فهي(عالم متكامل من الظواهر الإنسانية والأخلاقية والسايكولوجية والتأملية والتاريخية والجمالية أيضا)، وإن الرواية في العالم العربي مثل أشكال السرد العربي الأخرى تهيمن عليها غائية تنظر للعالم خارج الرواية بحرص يستدعي الموازنة مع الجمالي.
وتنتمي رواية(العيون السود)، لـ(ميسلون هادي)، لهذا الانشغال، فقد كانت الروائية أمينة على نقل أحداث عراقية خالصة بأجوائها وهمومها ولصيقة بالإنسان، فهل وفقت الرواية عند الموازنة بين الجمالي والغائي، لقد آثرت الرواية خصيصة تعرض التحولات الاجتماعية التي دارت في مكان محدد هو العراق، وباجتزاء لفترة من سنوات الحصار في أقسى تحولاتها، وهي أواخر التسعينيات حيث كان ضغط الحصار على أشده، وهو يثقل كاهل العراقيين في أقسى صوره البشعة، وترجع الرواية عرضا في بعض أحداثها بإشارات متباعدة إلى الحرب العراقية الإيرانية، هذا الاجتزاء للزمان طال المكان أيضا، إذ ظلت الحركة مشدودة لحي سكني لا تستطيع أن تحدد ملامحه الهجينة بحسب الشخوص، إلا بأنه كان سابقا للطبقة المتوسطة أما لحظة السرد أو زمنه، فهو يكاد أن يكون العراق مصغرا؛ ففيه فضلا عن الطبقة السابقة، هناك تحسين الكاسب، والشرطي كاظم البغدادي، وابن الأطراف الذي يقتحم المدينة مثنى.
الأشخاص الثلاثة يظهر بوضوح حضورهم في المكان وإن كان بتفاوت ولعل مثنى يمثل الأكثر فاعلية فيهم، وكل منهم طارئ على المكان ومريب أيضا، فالأول يسرق (الحصة التموينية)، والثاني نافر من (التحولات الاشتراكية والعراق العظيم)، والثالث يتجرأ على وداعة المكان بالغرائبية التي أرادتها له الرواية، ويعد أخطرهم إذ سيستحوذ على صورة الوداعة التي تمثلها(يمامة).
إن الاجتزاء للمكان أفاد الرواية من جهة الشد وجنبها الإنهاك ومع ذلك يظهر الأخير في مواضع معينة بوضوح، عندما تخرج الرواية عن الإطار الحي إلى مكان أبعد قليلا هو الشورجة أو الشوارع الفرعية منها، أو حركتها إلى مكان مثل ساحة البكر في المنصور.
هناك زاوية نظر رويت من خلالها الأحداث لذا ظلت حركة الشخوص وأفعالهم تتبدى من خلال هذه الزاوية فـ(يمامة) بالصدفة أو بتكلف تقف على كل المشهد وأحداثه، وهي التي تحدد ملامح الشحصيات، أي بقدر صلتها بها تظهر فاعليتها في الرواية، فهل كانت عوالم الرواية نسوية، في الظاهر يتبدى ذلك حيث غلب عدد الشخصيات الإناث الفاعلات في الرواية(يمامة، وجنان، وهنوة، وحياة، والخالة) في مقابل الذكور الفاعلين(حازم ويستدعى من الذاكرة، ومثنى، وحسن) لقد قاربت الرواية في بعض المواضع أن تصور لنا عوالم نسوية خالصة.
تحمل أسماء أغلب الشخصيات الرئيسة في الرواية– فضلا عن الاسم كونه تعريفا- قصدية غائية تشي إلى حد ما بما تكون عليه الشخصية، لذا فإن الاسم (يمامة) يحمل أكثر من دلالة منها ما هو قريب(اليمامة، طائر وهو محلق بجناحين) ودلالة أنه غير أرضي، فيوحي بالسمو والارتفاع على دونية الأرضي، ثم الحمام رمز المسالمة والوداعة، كما أضفت لكل هذه الصفات التواشج مع الواقع كونها فنانة تشكيلية، وكل الدلالات السابقة مشحونة بالانكسار بمواجهة تقابل قسوة التحولات السريعة التي تميل للأرضي واليومي، لكن الأرضي سيفرض نمطه على هذا الكائن الوديع عندما يجعله في خيارات غير متوازنة، وهي بين نقيضين؛ الإخلاص للماضي، والقبول بالآن في نموذج(مثنى)، والاسم(مثنى) هنا يحمل أيضا دلالة تقف على ثنائية الآن والأمس، فهو ماض يقارب الصورة والذاكرة وحسب- أي ذاكرة يمامة- حيث يشبه من جهة الشكل فقط(حازم) الحب الذي ينتمي لزمن العيون السود، زمن الماضي و(مثنى) حاضر ينتمي بقوة كبيرة للحاضر في ماديته وأرضيته، فهو تلفيقي متصالح مع الآني، وهو في جانبه الأخر من الثنائية السابقة له ماض يختلف تماما إن لم يكن متناقضا مع الآن( آنه) كان وديعا ومثقفا وقنوعا- والآن هلوعا مشغولا بالسوق والدولار والتجارة والربح والغرائبية وكره للثقافة.
هذه الثنائية ظلت تسترجعها الرواية من خلال الحنين للماضي ومقابلته بالآن الذي لا يظهر إلا في صورة سخرية عابرة لرجل أشبه بأهوج، وهو(كاظم أبو عمر)، لأنه بمناسبة وغير مناسبة يتذمر من(الاشتراكية وأمريكا) وبأرضيته التي جل همومها الغاز والكهرباء والنفط.
الآن في الرواية يُستسلم له ويتكيف معه الإنسان بقدرية عالية، زمان الآن الذي تظهر أشياؤه الجميلة وتختفي خلفها صورة أخرى للقبح تتبدى عنه بشكل مفاجئ، كما في لقاء جنان– جمال، جنان المنتظرة للحب القديم، وجمال القادم من الأسر بغير صورة وملامح، تقول جنان( تخيلي يمامة بعد كل سنوات العذاب عندما حانت لحظة اللقاء شعرت بالخيبة بدلا من الفرح، جمال لا اعرفه ما به أنه يبدو لي رجلا آخر غير الذي عرفته وانتظرته طيلة(طوال) تلك السنين)، هذه أيضا رؤية للآن والماضي تقف على أن الماضي الذي ظللنا ننتظر غده لم يكن غير خيبة لا توازي الطموح، وإن كان الاسمان( جنان- جمال) يدل اختيارهما على رغبة بالكمال والمكافأة للانتظار، فإن هذين الكائنين من وجهة لا يمكن أن يكونا بغير هذا الكمال الذي يعطيه الاسم( فالاسم هبة أحيانا).
مثال آخر للزمنين هو هنوة وهي صورة للوداعة في الآن لكنها تفاجئنا بتاريخ سري مريب، يكون مثار لغط للقريبين منها وتفضحه الابنة حياة التي هي الأخرى صورة للغرابة.
إذن ظلت الرواية مأسورة للمقابلة بين زمنين هو نفسه زمن العيون السود الذي يحتفي بأغنية (وردة) التي تحيل للحب ويعزز في(بلدنا) كما نص الأغنية (العيون السود في بلدنا). وكان هذا الزمن (الماضي) جميلا ليس بالتشذيب الذي تتبناه عادة الذاكرة فتستعيد الأشياء بطريقتها، ولكن هناك اعتراف ضمني بأن الماضي كان أجمل والوفاء له هو الذي يجعل الشخوص يقبلون بالآن، رغم قسوته، فكل الأبطال إنما هم أوفياء للذاكرة، الذاكرة التي يحضر فيها سياسيا عبد الكريم قاسم إذ يعاد الاعتبار له رسميا عبر التلفاز، وعبر لوحة يمامة السريالية، بالرغم من رفضها في المسابقة التي جمعت عبدالسلام النابلسي وعبد الحليم حافظ جالسان يتوسطهما عبد الكريم قاسم واقفا، وعبر حديث خالتها وذاكرة العائلة لطريقة تصفيته في رمضان العراقيون يفطرون ويراقبون مشهد قتله- الذي نقل حينذاك عبر التلفاز- وهذا الماضي( في صورة عبد الكريم قاسم) يعاد لتزكية الحاضر(موضوعة الهجوم على الكويت التي ارتبط بها الحصار).
واجتماعيا فإن الحب ودفء العلاقات الاجتماعية، وكل قصص الحب في الرواية ليست بنت الآن وإنما تنتمي إلى زمن سابق؛ جمال- جنان، يمامة- حازم ويمامة-حسن، أما الآن، فإن نماذجه آثمة لا تمثله إلا (حياة) اللعوب مع (تحسين) و(مثنى)، أو (تحسين) وقريبته ثم وفاء (هنوة) له.
إن الاحتفاء بالماضي يأتي من جهة أخرى هي أن يكون الإنسان ذاتا ذات معنى، أما الآن فهو أما أن يستسلم للآتي ويتصالح معه فيتصالح ويقدم تنازلات للخواء كما صورته الرواية لفترة الحصار، فـ(حسن) كان ذاتا وانتهى إلى أخرى مستلبة، وحتى (مثنى) كان مثقفا كما تصوره الرواية ثم انتهى إلى صورة(الفهلوي) فأغلب الذوات لها في الماضي كيانات إلا أنهم الآن يتحولون إلى صورة من صور الخواء، التي تستعيد الماضي ولا تستطيع أن تتجاوز الحاضر ورتابته، وحدها(يمامة) ظلت تواجه تيار الآن بتحد، لكنها تبدت بوصفها امرأة بكل صورة المرأة التي لا تستطيع أن تطيل المواجهة، ولكن مع ذلك فقد واجهت ما لم يصمد أمامه الرجال ممن يفترض أن يكونوا أكثر قوة.
وحكاية حلم(يمامة) تقود لاعتقاد بأن الحياة في الآن تئد أولادها، بل لا تستطيع أن تحملهم إلى كمال الولادة فهم يموتون ما أن يتركوا ظلمة الأرحام ودفئها، بل حتى (يمامة) الأمينة كما قلنا لذات كانت منصهرة في الماضي لا يعدو أن يكون هذا الماضي في صورة أموات، كلوحتها(روزنامة الأحلام) بما تحمله من(رومانس) يمثله عبد الحليم حافظ، وسخرية يمثلها النابلسي، وبينهما عراقية متضخمة وئدت بقسوة ووحشية يمثلها الزعيم عبد الكريم قاسم، لقد اجتمع هؤلاء الشخوص على القماش، فإذا كان النابلسي مشاركا لعبد الحليم في الكثير من أفلامه فما هو وجه اجتماع عبد الكريم إليهما، هل تحتمل الرواية هذا التفسير السابق، وإلا ما المبرر لاجتماع هذا الهجين بين هذه النماذج.
لكن هذه الأمانة التي ظلت(يمامة) تحرص عليها تتجلى في مصالحة توفيقية تنتهي إليها، بقبول الزواج من(مثنى) مع معرفتها الكثير من عيوبه، وهي المصالحة بين الماضي والحاضر، وبين الأحياء والأموات في لوحتها(أعواد البخور) لكن هل كان الحي فعلا يمثل عطرا كامنا كما(عود البخور). هناك أكثر من إحالة في الرواية تشير إلى غير ذلك، ومنها النماذج الطارئة وسلوكها، فقط أبناء الحي القدماء كانوا عيدان البخور، ولعل موكب الاحتفاء بـ(جمال) العائد بعد سنوات من الأسر يمثل صورة من صور القيم الاجتماعية في المشاركة، ومشاركة(يمامة وجنان) في نقل وعلاج (كاظم أبو عمر) تمثل أيضا صورة من صور الألفة التي حرصت الرواية أن تقدمها.
الحال السياسية للبلاد تقود لمصير مشابه مجهول أيضا معلق بسماء تحلق فيها الطائرات الأمريكية، وعالم انتهى للأخيرة وهي فيه كما الإله كما يصرح(كاظم) الشرطي وهو يمثل مستوى وعي بهواجسه.
لقد تبدى عالم شخوص الرواية بانشغال عظيم باليومي، وهي صورة واقعية لسنوات الحصار في خوائها واستهلاكها، إن ثنائية الماضي الحاضر أو الآن ظلت تغذي الرواية، وهي ترصد التحولات وخصوصا في زاوية منها عنينا بها؛ وهي التنازع بين زمنين عاشهما الشخوص، منها استمرار الماضي عندها مقدسا إلى الحاضر، إلا أن هذا الاستمرار لم يكن إلا في جانب التوفيق والتلفيق، لكن ظل الآن يضغط على الآخرين بقوة، ومن الشخوص من أحدث قطيعة بين الماضي والآتي وتوجه للآن بقوة متمثلا له
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ميسلون هادي: أبيض كذاب
المصدر : الناقد العراقي
إشارة : تتحفنا ميسلون هادي ، وهي سيدة من سيدات القص العربي في الوقت الحاضر ، بهذه القصة القصيرة ، طويلة الأبعاد وهائلة المضامين ، وهي تطرح بأسلوبها البسيط بعد أن دوختنا تعقيدات الحداثة وما بعد الحداثة ، محنة شعب مفجوع حطمت أواصره ، ومزق نسيجه الاجتماعي . وتقدم معالجة متفردة لموضوعة الهجرة وانقطاع الجذور ومحاولة العودة والخلاص من جحيم المنفى . هل هناك أمل ؟ . نعم هناك أمل ومخطيء كافكا حين قال : هل هناك أمل ؟ نعم لله أمل ، أما للإنسان فلا . فميسلون تثبت أن للإنسان أملا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصة قصيرة : (( ابيض كذاب ))
(( ميسلون هادي ))
بيته الذي في الغزالية محاط بالحدائق والجنان وفناءاته مليئة بقمريات العنب وأشجار الجهنميات التي تعرشت شلالات على شبابيك الغرف وحافات السطوح وطاولت أغصانها المديدة أعمدة البيت العالية وأسلاك الهاتف والكهرباء… وقد قال عنه ابراهيم لكل المغتربين من أصدقائه ومعارفه ان له هواء يهسهس كالجن في الرؤوس وروحاً مدافة في أديم التراب لتحرسه وتحميه من كل مكروه.. وأجزم لهم أن كل من يرى البيت يعشقه وكل من يعشقه يعجب كيف لا تصيبه العيون. ولكن أخواته المعلمات كن في رواح ومجئ بين ذلك البيت وبيوتهن القريبة لكنس الأوساخ من تلك الحدائق والجنان وتنظيفها من أكوام الأوراق المتساقطة ومايهطل من ثمرات التمر وحبات الزيتون يلملمنها ويحفظنها في كل عام أو يخللنها في جرار كبيرة لحين يعود ابراهيم فيطري مذاقها الطيب المختمر أو يخرج للحديقة ليلتقط تمرة من الأرض يجنيها ويضعها في فمه بعد أن يمسح عنها التراب. سألنه:
- متى تعود؟
فقال لهن:
- حتى تجدوا لي عروسة.
وقال ايضاً:
-جميلة وبنت حسب ونسب.
وأرادها أجمل من زوجته السابقة التي قضت في الغربة بمرض مستعصٍ عجيبة الأناقة رشيقة القوام أصيلة المحتد وتصغره بعدة أعوام.
وتخيلها بلا عيوب هذه المرة وتجمع بين الجاه والمال والوجه الحسن. واذا كانت كذلك فهو سيعود من أجلها الى بيته ويفتحه ويعيد الحياة الى جدرانه وأبوابه ويسقي بالماء أشجاره وديدان ترابه ويستخرج بيديه من فسائل النخيل قلوب الجمار الصغيرة ويوزعها كما أعتاد أن يفعل فيما مضى بين كل أخواته وأخوانه وصغارهم وصغار الجيران.
صورة بعد أخرى.. ورسالة الكترونية بعد أخرى.. وهاتف بعد آخر.. والوجوه تتوالى أمام شاشة الحاسوب فيدقق فيها ويتأمل ويستزيد من التأمل ويمعن النظر بين الأسماء الجميلة ليختبر وقع موسيقاها في أذنيه ثم ينام ويحلم وينتظر أن تأتيه الخيرة في الحلم فيستيقظ وقد زاد على تلك الصفات صفات أخرى بأن تضع الحجاب على رأسها وأن تصلي الصلوات الخمس.. والى آخره من تلك المزايا الكاملة التي أعيت بنات فوزي من أخواته المرحات وأطارت أبراج العقل من رؤوسهن حتى حطت في نهاية المطاف، صورة مضيئة اكتملت والتمعت بين عشرات الصور الملونة التي يحفظها ابراهيم في ملف خاص على حاسوبه أسماه (القطار).
قال لنفسه وهو ينظر الى صورة تلك الخطيبة الجديدة:
- هذه هي الوردة. هذه هي الجمبدة.
وانتشر دخان سيكارته بين فمه وشاشة الحاسوب وتطايرت الأحلام حيث لاخيَال يمكنه اللحاق أو الامساك بها وشم رائحة الورد تفوح من كل مكان وقال ان الدنيا أصبحت فعلاً شاماً وشماماً وان بغداد أصبحت داراً للسلام كما يقولون لاكما يسخرون.
تلك الصورة وصلته في ردحٍ من الزمن الخالي من العواطف والشواطئ وضوء النجوم أصبحت فيها بغداد مكاناً فارغاً فراغ أيام العطل والأعياد والاحصاءات السكانية وبات لسانه لايطاوعه على اطلاق الكلمة الصحيحة حول ماحدث لها ان كانت قد سقطت أم تحررت أم أحتلت أم دارت عليها دوائر الأعراب والأغراب فكان يكتفي بالسؤال عن أحوالها بالقول:
- كيف حالكم بعد التغيير؟
فيسخرون منه ويقولون:
- شام وشمام.
فيضحك بدوره ويقول:
- وكيف حال العروسة؟
فيقولون بحماس منقطع النظير:
- بانتظارك.
وانتظر ابراهيم أن ينام ويحلم بالصالح من هذه النهاية التي سيأخذه اليها القطار الأخير ولكن النوم جافاه في تلك الليلة فأشعل المصباح ورأى خطاً للبداية تسير فيه العناكب من بيت لآخر ثم نهض من فراشه ليعد لنفسه قدحاً من عصير الجزر الطبيعي يساعده على النوم الا ان ما هي الا لحظات وخرج الصوت صارخاً من فمه بعد قليل:
- ياللهول.. ماذا جرى؟
فقد انتابت الأرض رجفة كالقشعريرة تحت قدميه وسقطت الجزرات من يده الى الأرض ورأى ابراهيم غطاء الخلاط الياباني يتدحرج على سيراميك المطبخ ثم يتباطأ رويداً رويداً قبل أن ينقلب على بطنه ويستقر مفطوراً قرب رجل منضدة الطعام. ضاقت نفسه التواقة لعصير الجزر بمنظر غطاء تلك الآلة المتينة التي كان قد استعملها قبل تلك المرة عشرات المرات عندما يدلل نفسه كل صباح بعصائر الليمون والبرتقال وشرائح الأناناس ثم دعا الله ورسوله والأولياء الصالحين أن يرشدوه سواء السبيل وأن يقدموا له العون الأكيد في الخلاص من الوسواس الخناس الذي ماأن يحط قدمه في مكان حتى يحدثه بالمصائب والنوائب والأهوال وعافت نفسه عصير الجزر بلا سبب واضح وأراد الخروج للتجوال بين مولات التسوق في عجمان قبل التوجه بحراً الى عروسه في الغزالية ببغداد، وهناك ارتجفت الأرض بقوة مرة أخرى تحت قدميه في البلاد التي تنذر فيها الزلازل والهزاهز، فارتجف قلبه هلعاً واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم وقال لنفسه: “أما أن أحط قدمي خطوة واحدة بعد الخطوبة حتى تحدث الزلازل”!
وقالت الأخبار إن الأرض قد هزتها توابع الزلزال الذي دام عشر ثوان وبلغت قوته خمس درجات وتسع أعشار الدرجة على مقياس رختر ضارباً مساحة شاسعة من ولايات ومدن الشاطئ الآخر للخليج العربي امتدت من جزيرة قشم في ايران ووصلت حتى ولاية جيانغسي في الصين.
جلس ابراهيم على أريكة عسلية اللون في صالة عربية الطراز فاخرة الأثاث وفتح صحيفة قديمة بين يديه وتمدد على ظهره وأراد أن يعثر في سقف ناصع البياض على إشارة الهية واحدة تهدهده وتكون أكثر عوناً له في ازاحة الوساوس من رأسه فدلته عيناه الى عشرين مهاجراً سقطوا بنيران قوات الأمن المغربية والاسبانية أثناء محاولتهم الوصول الى (سبتة) عن طريق القوارب التي تنقلهم من شمال أفريقيا الى بر اسبانيا عبر البحر الأبيض المتوسط.
قال إبراهيم لنفسه: “يا لهول ماجرى ويجري في العالم” ثم طوى الصحيفة ونهض ليرتدي ملابسه على عجل ويهبط لالغاء موعد الحجز على الباخرة التي ستنقله من ميناء دبي الى ميناء أم قصر بعد ثلاثة أيام. والتفت الى الغطاء الياباني منقلباً على ظهره قرب خط النهاية فلم يشعر برغبة في التقاطه من الأرض ومضى وقت طويل وهو ينظر اليه دون أن يتخذ قراراً صعباً في أمر مصيري مثل أمر الخطوبة الذي يقدم عليه ولعله لذلك كان يفتعل الحجج ويفرط في التمشي ويكثر من الحلاقة والاستحمام، بل انه في الطريق الى غرفة النوم تشمم رائحة صابون الحلاقة تنبعث من باب الحمام فاجتاحت قلبه رجفة أخرى من الحنين وضاقت روحه بما تبقى من الوسواس وفكر ملياً في أن يقفز من النافذة الى قاع المحيط لولا انه يسكن في الطابق الثالث عشر من البناية وان المحيط سيكون بعيداً جداً عن مسقط قدميه فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم وأنقذه الهاتف من السقوط.
قالت اخته:
- ها؟
قال إبراهيم:
- للتو .. كنت أفكر بكم.
قالت:
- القلوب سواقٍ. ماذا تفعل؟
قال بعد مرور يوم كامل على حدوث ذلك:
- كنت أعصر الجزر.. فسقط غطاء الخلاط على الأرض وانكسر.
قالت تضحك:
- بركة عندكم كهرباء.. نحن بلا كهرباء منذ البارحة.. وجالسون نتشمس في الحديقة.
وكانت تلك الكلمات اشارة أخرى في اتجاه معاكس جعلت قلبه الفارغ يمتلئ مرة أخرى بالحنين الى هواء دافئ يهب على الحشائش أواخر الشتاء فيجعل ديدان الحديقة تخرج من مخابئها الى الشمس والهواء الطلق فتلتقطها مناقير العصافير اللاهية التي تتقافز هنا وهناك بالعشرات. وتاقت روحه الى الطيران بعيداً عن تلك الأرائك العسلية الرخوة والمكان الأبيض المشبع بالرطوبة والطحالب والمعطر برائحة الكلور الصامت منذ سنوات. قالت له اخته:
- ها؟ قادم يوم الجمعة.
فقال:
- لا أدري.. ربما تتأجل عودتي قليلاً.
- قالت له:
- كما تشاء.. ولكن أخبرنا بالموعد الأكيد لكي ننتظرك في الميناء فالطريق غير آمن وسنأتي اليك للاستقبال.
ودار ابراهيم حول الأرائك يبحث عن جهاز التحكم عن بعد ثم عاد الى هاتف آخر قبل الخروج جاءه من صديق هاجر معه قبل سنوات طويلة رمتهما الأقدار الى القطار الذي لامهرب منه والمكتوب الذي يجب أن تراه كل عين بعد كل درب أو سفر أو مفترق طرق.. انفجر ابراهيم مرحاً هذه المرة وصاح:
- سامان.
- نعم.. أين أنت؟
- لازلت في مكاني. وانت؟
- في فستفاليا.. والبرد شديد.
- كم درجة الحرارة؟
- خمس عشرة تحت الصفر.
- وماذا تفعل؟
- العواصف اقتلعت الكابلات فانقطعت الكهرباء.
- مالخبر.. هل انت في ألمانيا أم في العراق؟
ضحك سامان ونقل تلك الجملة الطريفة الى شخص آخر ثم قال:
- معي كاترينا.. والحطب مشتعل أمامي.. فلا تقلق علي.
- أعرفك حلزوناً قديماً.. يحمل بيته معه أينما ذهب. فكيف أقلق؟
رفع ابراهيم جسمه قليلاً عن الأرض ووقف على رؤوس أصابعه وجرب أن يمشي في شقته بلا قدمين وراح ينكر ماذا يريد بالضبط وأي شئ أهم من غيره فقال لنفسه: “لاشئ مهم.. لاشئ مهم”، ثم وجدت بعض الشراشف والمناشف طريقها مع ملابسه المتسخة الى كيس المصبغة الأزرق وتوجه اليها في قطار خفي بدلاً من الذهاب الى مكتب الحجز وعندما عاد اتصل بأخته وقال مبقياً يوم الحجز على حاله:
- في يوم الجمعة، سأعود.
فقالت:
- يوم الجمعة؟ أكيد؟
ثم اختلط صوتها مع سيل من الاطلاقات النارية انطلقت في بغداد سمعها ابراهيم من مكانه في عجمان تداخلت معها دقات الساعة الجدارية الست المتتالية وهي تسقط ميتة داخل صندوقها الخشبي الذي مازالت تموت فيه منذ عشرات السنين.
تاقت نفسه لأن يرسم بموازاة جسمه خطاً شاقولياً مستقيماً يستخرج منه الجذر التربيعي لنفسه ويرمي بعد ذلك خارج القسمة خلف ظهره ليرى ماذا في نهاية المطاف سيتذكر عندما يظل راجعاً الى الوراء حتى يصل الى أقصاه فوجد وهو في قمة لا مبالاته من ناتج القسمة الأخير أنه من المحال أن ينسى عزيزة جلال وهي تغني في باحة الكلية صباح الخميس: (أنسى روحي، وذكرياتي، واللي جاي لسه في حياتي انسى كله كله كله.. أنسى كله إلا أول ما تقابلنا).
سأل ابراهيم أخته الصغرى:
- هل هذه نفسها ساعة بيتنا القديم؟
قالت:
- نعم.
فالتفّت روحه على بعضها البعض مثل قنفذ ينتظر هواءً لافحاً يجرفه بعيداً عن هذا المكان الصامت الكئيب المشبع برائحة المعقمات والصوابين لتوه وتعجب أن سيل الاطلاقات النارية التي سمعها بعيدة في الهواتف لاتزعجه أو تذكي وساوسه انما تضفي على شوقه لمسة حانية تطفو به فوق سطح بيت قديم وترمي به تحت سماء صافية الى هدوء أكيد. ولوحت له في النوم مناديل أختيه وأخوانه وأكف صغارهم ترحب به عندما رست السفينة على الرصيف ووصل سعيداً الى الديار فلما أفاق من النوم أحاط به الحمالون مثل وحوش الأدغال وتدافعوا حول الحافلة التي أقلته من السفينة الى دائرة الكمارك والجوازات في الميناء وهناك تبعثرت روحه بين أيديهم التي كانت تطرق النوافذ بعنف طلباً لحقيبة سفر تحملها.. وانتزع نفسه من أجسادهم الرثة انتزاعاً وغابت روحه من هول ما يجري في قاعة مستطيلة تستحيل فيها أية محاولة للفرار وتبعثرت أحشاء حقائبه بين الأيادي وتمددت مقتولة من منضدة الى أخرى لحين ارتطمت رأسه بحبات الحلوى التي طشتها أخواته عليه بسخاء وهن يستقبلنه بالقبلات والزغاريد.
سألته أخته الكبرى:
- لماذا تأخرت السفينة؟
قال لها إبراهيم:
- تعطل رفاسها.
ثم قُضي الأمر وانطلقت السيارة لعدة سنوات ضوئية فصلت بين آخر يوم أقلع فيه قبل عشرين عاماً وآخر يوم قد عاد فيه.. ومرت وجوه عابسة وتقدمت.. وتأخرت وتقدمت .. وتدافعت الأمكنة .. وتوالت الأيام وانهالت بالضرب عليه إلا أن أياً منها لم يكن مبرحاً كهذا الخراب ولا أكلحها كان ظالماً وكئيباً كهذا الطريق.. فلماذا لم ينته عن أن يحط بركابه في هذا الركام من الطين اليابس وقد توالت العثرات أمام عينيه من أول هزة أرضية حدثت في أرض تندر فيها الزلازل الى آخر عطل طرأ على رفاس سفينة شاهقة تجري في البحار ولاتستوي قط على بر. كانت أعمدة الاعلانات العالية تنتصب وسط الأرصفة المحطمة والطرقات الموحشة فتزيد رسوم الفاتنات الضاحكات المنظر تعاسة وبؤساً وتعتصر ايديهن المزدانة بالهواتف الخلوية خرابة روحه وتهبط بها بين طبقات من التراب ظلت تهيلها عليه الطرقات الى أن أزاحتها فجأة استدارة السيارة الى شارع ظليل يؤدي الى بيته وانسفاح ضوء مفاجئ لشمس لمعت بقوة بين الغيوم.
أعلنت رائحة الخبز بالاتفاق مع اشتعال الشمس:
- ها.. قد وصلنا..
واستبقه اذان الظهر للبيت وهو يترجل من السيارة ويدخل الى حديقة البيت.. البيت في تلك الساعة كان يضوي تحت فتحات الغيوم .. فغمرت قلبه رائحة الخبز المنبعثة من تنور قريب ثم ارتجف قلبه وهوى وهو يرى أرجوحة ابنه الوحيد لاتزال في محلها بين جذعين من جذوع النخيل حيث علقها له قبل أن يكبر ويهاجر هو الآخر الى مكان بعيد جداً عن هذه الحديقة.
داخل البيت لم يشعر بالحاجة الى شئ يضيفه الى ذلك العش قبل أن تدخل اليه العروس .. فنام على الفور في عربة القطار الأخيرة وهو ينظر الى السقف الذي تقشر عنه الطلاء وتعلقت مروحته البيضاء ذات الخطوط الذهبية في وسط الغرفة تطل بازدراء قديم لكل ماحولها من أثاث منذ أن فاز بها في قرعة الأسواق المركزية فكانت أول شئ جديد يعلقه في البيت بعد بنائه.
اعترضت العروس الجديدة على أن يكون الأثاث القديم للبيت هو نفسه جهاز عرسها المنتظر وقالت انها تتطير ان تدخل الى مكان سبقتها اليه أغراض امرأة أخرى فقال لها ابراهيم وهو ينظر الى السجادة:
- ولكنه أثاث تكمة.. وكل ما موجود في السوق الآن زبالة.
واستشهد ابراهيم بنظرة طويلة لا تنتهي إلى السجادة القديمة ذات الرسوم المبهمة فوجدها تنظر اليه وتبكي وجوه أولادها الذين اجتمعوا حولها صغاراً ثم تفرقوا وعادوا ليجتمعوا حولها من جديد. وجاءت العروس وشاركته النظر الى سجادة بيت أهله التي قال عنها انها من الكاشان الأصيل ولكن المرآة اعترضت طريق العروس فغابت السجادة من الوجود وحفلت العروس بصورة وجهها الجميل التي انعكست في تلك المرآة وراحت تنظر عبرها الى ابراهيم لكي يطري جمالها .. نادته لكي يلتفت الى صورتها فالتفت وفي اللحظة التي التفت فيها ابراهيم انفطرت المرآة والصورة انكسرت وصرخت العروس:
- أمّاه!
فقال إبراهيم يهدئ من روعها:
- طار الشر.. طار الشر.
فانتحبت العروس وصاحت بغضب:
- ألم أقل لك إن هذا الأمر لا يصلح.
ورفعت اللحاف من فوق السرير وطارت به الى الهواء لكي تنفض الفراش من زجاج المرايا المتكسر فطارت مع الشظايا المتساقطة أقراط وأمشاط وخواتم ومناديل ودبابيس شعر وأقلام صغيرة وأصابع أحمر شفاه فتجمد اللحاف بين يديها وقالت لإبراهيم:
- ماهذا؟
قال إبراهيم وهو يعرف:
- لا أعرف.
زعلت العروس، وقبل أن تخرج من البيت قالت:
- عندما تعرف سأعود.أأجدها في فراشي أيضاً؟
في الصباح استيقظ ابراهيم حياً مشتاقاً إلى أواخر كانون الثاني في روائح النحل والغيوم والسعف المبلل الذي يحركه الهواء العالي باتجاه المطر واستيقظت قطة غافية على السياج وقفزت الى الأرض بعد استيقاظها فسمع ابراهيم من مكانه في الفراش صوت ارتطام اقدامها ببلاطات الممر وهوى قلبه الى النافذة تضربها أغصان النارنج وهي تتحرك تحت زخات المطر وقد اختفت تلك الجدران الصماء التي كانت تحيطه بالفراغ من كل مكان أيام كان يسكن في الطابق الثالث عشر من هواء أبيض غير ذي زرع، وحلت محلها حركة ارجوحة قديمة ترتفع وتهبط بانتظام تحت سعفات النخيل في هواء حديقةٍ تشبه الجنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة عراقية تحلم حلما ورديا فاتح اللون
بيروت ـ وكالات
صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت رواية "حلم وردي فاتح اللون" للروائية العراقية ميسلون هادي.
والرواية معنية بتقديم عدة وجهات نظر بالحرب التي قادتها أميركا ضد العراق من خلال رجل مطارد وعدة شخوص بينها امرأتان إحداهما تنتقل بعد الحرب للسكن في بيت جديد لتجده يرسم لها موعدا قدريا مع مصير جديد، والأخرى تجاور ذلك البيت وتتكامل مع المشهد الغامض في غرابته وأسراره. أما الحلم الرومانسي فهو الذي يجعل الحياة ممكنة بالرغم من جسامة الأحداث.
وكما هو الحال في مجمل روايات الكاتبة السابقة، فإن البيت العراقي هو بطل الرواية حيث تجعله الكاتبة ملاذاً للجميع، وإليه يجب أن يعود الجميع، وهو أيضا المكان الذي يكشف عن تاريخه ويشهد تكراراً لحادثة بعينها عاشتها ثلاثة أجيال في البيت تتعرف من خلالها الساكنة الجديدة على سر من أسرار البيت له الدور الرئيس في توحد وجهات النظر ضد الاحتلال.
وميسلون هادي روائية وقاصة عراقية ولدت في بغداد وتقيم فيها. في عام 1976 تخرجت من قسم الاحصاء في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة بغداد ثم عملت بعد ذلك سكرتيرة تحرير لعدة دوريات ثقافية كالموسوعة الصغيرة ومجلة الطليعة الأدبية، ثم في القسم الثقافي لمجلة ألف باء الأسبوعية العراقية. بالإضافة إلى القصة والرواية فقد كتبت في مجال النقد وأدب الاطفال والخيال العلمي والترجمة والعمود الصحفي. تتميز كتاباتها برومانسية عالية وتركيز شديد على البيت العراقي بكل تفاصيله وعاداته وحكاياته، وتصف البيت بأنه البطل في كل ما كتبت من قصص وروايات.
وقد حصلت على العديد من الجوائز منها:
جائزة باشراحيل في مصر عن رواية "نبوءة فرعون"، 2008. وجائزة أندية الفتيات في الشارقة عن رواية "العيون السود" – 2001. والجائزة الذهبية لمنتدى المرأة الثقافي في العراق عن مجموعة "لا تنظر إلى الساعة" القصصية - 1997.
التعليقات (0)