أصبحت الساحة الإعلامية المغربية مكتظة بمنابر لا تعد و لا تحصى و خصوصا السمعية البصرية منها التي احتلت حيزا هاما في المنظومة اليومية للمواطن المغربي الذي أصبح يبرمج يومه حسب المواد الهائلة الكم التي تقدمها هذه القنوات,و من المتعارف عليه أن المجال السمعي البصري رأى النور لهدف ترجمة هموم و مشاكل المواطن و لعبه دور المجهر الذي يكشف عن كل الحقائق الخلفية من أجل تنوير المجتمع المغربي الذي لا يزال وللأسف يعاني من التعتيم الإعلامي سواء في الميدان الإجتماعي أو السياسي أو الإقتصادي,رغم أن الشبكة الإعلامية المغربية تضم قنوات حديثة العهد كالرابعة و السادسة ثم الرياضية بالإضافة إلى ميدي تيفي التي فوتت مؤخرا للقطاع العام إلا أننا أصبحنا نلمس ذلك التطور الكبير بحيث أنها أضحت تتحفنا ببرامج مهمة بخلاف القنوات الكهلة و أخص بالذكر هنا القناة الثانية التي تعتبر المولود الثاني للقنوات المغربية إذ تأسست سنة 1989على يد مجموعة أمنويم شمال أفريقيا (ONA)قبل أن تبتاعها الدولة المغربية,فهذه القناة المذكورة سلفا دشنت افتتاحها بكذبة سافلة على المشاهد المغربي مفادها أنها تبث من الدارالبيضاء رغم أنها استعانت بالبث من فرنسا قبل أن تحوله إلى الدارالبيضاء بعد مدةغير قصيرة,و الحقيقة المطلقة هي أنها ادخرت جهدا لتفيد المجتمع المغربي ببرامج ثقافية تساعده على مسايرة مستجدات العالم بل بالعكس من ذلك فهي قتلت وتقتل خياله بأفلام أجنبية حقيرة شكلا و مضمونا ناهيك عن ترجمتها العجيبة التي تجعل من المواطن إنسانا يعيش و يندمج بين صورة ذلك المجتمع الأجنبي الرفاهي و الغني ببنياته التحتية ومقوماته الإقتصادية و صوت الوسط المغربي الذي لا يزال يتخبط في مشاكل جد بسيطة كالأمية ,فلماذا نسافر إلى تلك العوالم الشاهقة هل لننسى ظروفنا التي تفتقد للشفقة و الرحمة أم لنتمسك بخيط رقيق من حلم بعيد المنال ؟ .كلما شاهدت برامج فنية في تلك القناة يسيطر عليها أجانب يأتون لإكرام وفادتهم و يذهبون ساخرين على هذا البلد كلما أنجب فكري مجموعة من التناقدات التي تجتاحني و تقلق راحة بالي ,تارة أرى مغربا غنيا و رفاهيا يهدر ماله في برامج فنية تستضيف نصف نجوم و من أهم هذه البرامج (سهران معاك الليلة)فهذا الأخير يجلب فنانين من كافة أنحاء العالم العربي و يسخر لهم أموالا طائلة أصحابها في أمس الحاجة إليها لأجل مشاهدة ساعة و نصف أسبوعيا مملة تمر مرور السلحفاة بالإضافة إلى البرنامج الشهري الآخر(نسولو النجوم)الذي تصرف فيه أموال المواطن بصفة غريبة و مضحكة حيث تتشاير و تتطاير آلاف الدراهم ليكون مآلها في الأخير مجهولا رغم الدعاية السينمائية التي يقوم بها البرنامج في آخر الحلقات بإحضاره ممثلي لجمعيات قد تكون وهمية لتسليمهم ذلك الكنز من المال,و تارة أخرى أرى مغربا يسبح في مشاكل جمة لايقوى على تجاوزها و التغلب عليها ,أحاول و أحاول أن أتذكر يوما أثلجت صدري هذه القناة ببرنامج مثير يحمل في طياته الإستفادة والإثارة ليخرج منه المشاهد فائزا بمعلومات ثمينة و لكن للأسف لا أقوى على التذكر أو بالأحرى لا أجد ما ترك بصمته و آثره في نفسي,نعم الكل يعلم أن الدولة تساهم بشكل كبير في رأسمال القناة و أن هذه الأموال هي أموال المواطنين البسطاء الذين هم في غنى عن سهرات فنية و ترفيهية أمام رصاص الحياة القاتل الذي لا يرحم ,و لكن ماذا في وسع هذا الموطن أن يفعل غير الشكاية أمام فاتورة الماء و الكهرباء التي تُضخم بصورة غير بعيدة عن الخيال,فماذا نرجو من الأجيال الصاعدة من الإنضباط الثقافي و العلمي و ربما الأخلاقي إذا كان القطاع السمعي البصري الذي يعتبر الملاذ والمصدر الوحيد لهم للإكتساب يفتقد هذه الضوابط ,فهذا القطاع الذي كسر تلك الجلسة العائلية الحميمية و فرض العزلة و الوحدة الصامتة.
التعليقات (0)