مواضيع اليوم

ميراث للتصفية.

د.هايل نصر

2011-06-22 08:17:46

0

باتت الأنظمة العربية الشمولية في حكم المنتهية. سقط بعض رؤوسها وأخرى تترنح. ومن لم يسقط كليا سقطت أقنعته ووقف أمام شعبه عار لا تستره حتى ورقة التوت. أنظمة متوسط عمر طغيانها زاد على 40 عاما: فرعنة وغطرسة. مزاجية واستهتار. استعلاء واستكبار. فساد وإفساد. استرقاق واستعباد. بلطجة و"تشبيح". إسباغ صفات على الشخوص تصل إلى التأليه والقدسية, ليس فقط للزعيم وإنما كذلك لصوره وتماثيله, وشبه القدسية على فروعه وأصوله الصاعد منها والهابط,  والممتدة أفقيا للأصهار ومقربيهم إلى درجات غير منتهية في تاريخ العائلات القديم والحديث, يُفبرك لمن لا تاريخ لها تاريخ يبدأ به التاريخ, و أصول وجذور وفروع. تلاعب لا مسؤول  بالقيم والأعراف والمفاهيم. سطو على مقدرات البلاد. نهب لخيراتها. رهن لمستقبلها. قتل دون محاكمات. انتهاك لحقوق الإنسان وقمع للحريات. اعتقالات طالت عشرات الآلاف. لفظ لأبناء الوطن لخارج الوطن. مهجرون. مهاجرون ومغتربون ممنوعون من العودة, أو بعودة مؤقتة بشروط الأمن وعبر بوابة الأمن. ابتزاز وتشكيك بالوطنية والانتماء. منع من السفر. تهجير وهجرة بمذلة الوقوف "طوابير" من ساعات الصباح الباكر على أبواب السفارات استجداء لتأشيرة أو رخصة دخول لعمل أو بحث عن كرامة, وكأنّ من وظائف الدولة لفظ أبنائها وإلقائهم للمجهول, وكأننا أصبحنا شعوبا برسم الهجرة ويد عاملة رخيصة في أوطان الآخرين, فقد:

ملأنا البر حتى ضاق عنا                  وظهر البحر نملؤه سفينا.
  (  رحم الله عمرو بن كلثوم فلو بعث حيا لترحّم على جاهلية عصره وفضلها على جاهلية زعمائنا, ولأستصغر هيبة أصنامها أمام صنميه أصنامنا. ولأخرج معلقته من باب الفخر بقومه  ليدخلها باب الرثاء).

ميراث هذه بعض من مفرداته, لا يستحق عليه المورث  من الوارث دعاء الغفران, ولا رحمة لروحه أو ذكراه حسب أي من الأعراف أو المذاهب أو الفلسفات أو الأديان. ميراث جدير بالتصفية عن طريق كنس كل ما علق منه بالإنسان. تصفية لكل ما علق بالمجتمعات والأوطان. تصفية تحول دون أية عودة للاستبداد والطغيان.

من قراءة أي ميراث, منذ الفراعنة والى يومنا هذا, هل يتبين أنه كان هناك تربية مدرسية ــ في مدارس خاصة أو حكومية, في مراكز ثورية حزبية عقائدية, وطلائع شبابية, وأحزاب جبهوية, ومؤسسة برلمانية,  في حلقات دراسية وتدريبية, ومحاضرات جامعية, في نقابات مهنية, وغرف صناعية وتجارية, وجيوش عقائدية, ومراكز أمنية, ودور عبادة دينية, ومسرحيات ومسلسلات ــ توجه وتربي على السجود لزعيم والقدسية حتى لصوره وتماثيله؟. (إذا استثنينا النازية والفاشية وبعض محطات في مراحل الشيوعية التي عرفت بعضا من هذا, ولكنها مع ذلك كانت إلى جانب تمجيد الزعيم لا تهمل ذكر وتمجيد الوطن أو القومية الشوفينية أو الأممية).

ـ هل يُنسب لحاكم, بعد فرعون, العصمة والعبقرية والنباهة إلى درجة العلم ببعض الغيب, إن لم يكن كله, ويُقتل أو يُسجن أو يُشرّد من لا يؤمن بذلك أو يشكك فيه؟.

ـ هل ادعى حاكم, بعد فرعون, انه يُجسّد في شخصه الحاكم والوطن والدولة, وأنه وحده صاحب السيادة وعنه تفيض السلطات واليه تعود, وأن كل ما بها وما عليها يدور في فلكه ورهن أشارته ؟. (حين قال لويس الرابع عشر في القرن 18 الدولة أنا, لم يكن يعني بحسب الكثير من الآراء المنصفة, إلا انه هو من يُمثّلها, وليس هو الدولة نفسها).

ـ هل من قراءة أي ميراث لأي حاكم, من غير المعصومين عندنا, يتبين تعميم ثقافة الهتافات التي تشق عنان السماء و تصم الآذان, ترسلها الحشود المسخرة والمجيشة بالآلاف, على إيقاع التصفيق, ورفع الصور التي تحجب كل نور بما فيها نور الشمس, وتتطاول حتى على نور الله: الله الزعيم وبس. بالروح بالدم نفديك يا زعيم. والهتاف له بالخلود (الخلود حسب ميراث الفراعنة كان بالتحنيط وإقامة المقابر والأهرامات المصنفة  اليوم على أنها ميراث للإنسانية, والتي تُدرّ على ورثتهم مليارات الدولارات من عوائد زياراتها. والخلود عند زعماء العرب التحنيط بإقامة التماثيل في الشوارع والساحات,  تذكر المارة بأنهم هنا وسيبقون هنا. و تجر على ناظريها شزرا القتل أو السجن والتشريد والدمار بتهم الخيانة والعمالة. صور وتماثيل تحطم في أيامنا بأيدي الثوار. أو تُفكك من قبل عبدتها لتدفن في مستودعات بعيدا عن التكسير, في حملة لتصفية الميراث).

ـ هل قراءة أي ميراث لأي حاكم, من غير المعصومين عندنا,  تبين أنه كان على المواطن أن يبقى طيلة حياته ذليلا خائفا  يمشي في حضرته وحضرة خاصته وأعوانه وأجهزة أمنه مشية من " صُفعت قفاه مرة فأحس لها ثانيا فتجمعا", محدودبا مكسورا, مقهورا.

ـ هل قراءة أي ميراث لأي حاكم, من غير المعصومين عندنا, تبين أنه كان يعمل على إذلال شعبه, ليس فقط ليؤمن لنفسه الاستقرار والسيطرة, وإنما كذلك ليبني على ذلك عظمة شخصية, ويُشيّد مجدا"رفيعا", ويُشبع نزوات نرجسية؟.

ـ هل يتبين من قراءة أي ميراث لأي حاكم, من غير المعصومين عندنا, أنه كان أكثرا  بطشا وأشد صولة وباسا في قمعه لشعبه من بطشه وصولته وبسالته في حربه على عدوه. أو أنه تحالف سرا أو علنا مع عدوه للتفرغ للتنكيل بشعبه ورفض التصالح معه للإعداد لعدو الوطن؟.

ـ هل يتبين من ميراث الأولين والأخيرين أن حاكما, من غير المعصومين عندنا,  جعل في أولويات سياساته  تفتيت وحدة المجتمع ونشر كل أنواع الفرقة بين أبنائه ليضمن السيادة الرخيصة لنفسه, مطبقا النصيحة الاستعمارية فرق تسد, التي كان يطبقها الاستعمار على مستعمراته وليس على مجتمعات بلاده؟.

ـ هل سبق أن سجل ميراث الآخرين, غير ميراث المعصومين عندنا, أن حاكما واحدا سفّه شعبه علنا  وعلى صفحات الصحف و المحطات الفضائية الأجنبية, واصفا إياه بأنه شعب غير ناضج للديمقراطية, ولا لاستيعاب الحرية ومسؤولياتها؟ ــ في الوقت الذي يفاخر الحكام, المنتخبون ديمقراطيا, بشعوبهم وبثقافتها ووعيها واستيعابها لروح العصر وتكيفها مع معطياته ــ. وإذا كان شعبه لا يصلح للديمقراطية ولا يفهم الحرية فمن أوصله لذلك أليست ثقافة الحزب الواحد, والرأي الواحد, والزعيم الأوحد الخالد, على امتداد  نصف قرن؟. ( ومنه, وتيمنا  بالزعيم وتعميما لأقواله ومقولاته, يستخف عباقرة الإعلام الرسمي والخاص ـ الانتهازيون على دين ملوكهم ـ بوعي وثقافة ومطالب غالبية شعبهم التي تقدم من اجلها الدماء وآلاف الشهداء, ليروي أحد الظرفاء, بخفة دم لا يحسده احد عليها, على فضائيته,  بان إعلاميا مشهورا ــ يعادل محللا استراتيجيا موهوبا ممن تتواصل إطلالاتهم اليومية من تلك المحطات ــ سأل متظاهرا عن معنى الحرية التي يتظاهر من اجلها فأجابه: "إنها ردم الحفرة التي أمام بيتي ونقع فيها منذ سنوات".  يا لغباء وانحطاط هذا الإعلام المكتوب والمنقول على الهواء, "يستغبي" شعبه في وقت تراق فيه الدماء وتشرد آلاف الأسر بحثا عن ملاجئ عند الغير لمجرد مطالبتها بالحرية والكرامة الإنسانية !!!, أي تسفيه لأحلام وأماني الشعوب !!!. الحرية التي ناضلت وتناضل من اجلها البشرية منذ بدأ الظلم وقدمت من اجلها الأرواح وانهار من الدماء في كل أرجاء المعمورة, هي عند شعبه فقط غير مفهومة, وغير لازمة, ومجال سخرية ونكات وردم حفر ).

ـ هل سبق أن تبين من ميراث الآخرين, غير ميراث المعصومين عندنا, أن يتم, بتعمد ومنهجية, ملء الوظائف التنفيذية والتشريعية والقضائية بأشخاص لا تتوفر فيهم ــ ولا يُطلب توفرها ــ الكفاءات, والإخلاص, والأمانة في العمل, والحس بالمسؤولية, وإنما فقط الولاء للزعيم ونظامه؟. هل سبق أن صغّر الآخرون الوظائف وهبطوا بها لتتلاءم مع صغر وهبوط شاغليها؟.

أليست التصفية الملائمة لمثل هذا الميراث الذي تركه الساقطون, والذي سيزيد عليه الآيلون  للسقوط  مخاز تزيده ثقلا على ثقل قبيل السقوط, هو وضعه في مزبلة التاريخ مع عبارة: هذا ما تركوا, من هنا مروا, وهنا استقروا.

ويبقى القول الفصل  للأحرار من الثوار.
د. هايل نصر


 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات