كلمة الإمام الصادق المهدي في منتدى السياسية والصحافة (71)
بقلم: الإمام الصادق المهدي
2 يونيو 2010م- الملازمين
مقدمة:
بين الوعد الذي فيه خير للجميع والوعيد الذي فيه ضير للجميع يتأرجح مصير النيل نتيجة لوعي أو غفلة دوله ومما تتحكم فيها من إرادة سياسية. المدهش أن دول المنابع لا تنكر أهمية حقوق دولتي المجرى (السودان) والمصب (مصر) المكتسبة. كما أن الدولتين كما جاء في اتفاقيتهما أقرتا مبدأ مطالبة دول المنابع بحقوق. والعلة الأساسية في نظر دول المنابع أن النظام القانوني المتوارث فصل عليهم واجبات ولم يبين لهم حقوقا.
1. النيل سيادة مشتركة بين الدول المتشاطئة عليه كالآتي:
· النيل الأبيض ينبع من بحيرة فكتوريا وهي أكبر بحيرة في العالم وهي مشتركة بين يوغندا –كينيا- وتنزانيا.
· أكبر الروافد المغذية لبحيرة فكتوريا نهر كاغيرا وهو ينبع من رواندا وبروندي.
· بعد خروج النيل من بحيرة فكتوريا يدخل بحيرة ألبرت، وهي مشتركة بين الكنغو ويوغندا.
· نهر السوباط، والنيل الأزرق، ونهر عطبرة أنهار منحدرة من أثيوبيا. وأحد روافد نهر عطبرة هو نهر ستيت الذي يمر بإريتريا.
مقدار الأمطار التي تهطل على مناطق أعالي النيل هذه مع اختلاف في التقديرات لا تقل عن 2000 مليار متر مكعب والذي ينحدر منها متدفقا في مجرى النيل يبلغ في المتوسط 84 مليار متر مكعب، موزعة على الروافد المختلفة كالآتي: 59% من النيل الأزرق- 14% من السوباط- 13% من نهر عطبرة (86% جملة المياه المنحدرة من الهضبة الأثيوبية) و14% من النيل الأبيض .
2. الحقوق التاريخية: مصر هبة النيل بمعنى أنه لا حياة لمصر بدون النيل، ومن يطلع على خريطة مصر يجد كيف أن الحياة فيها في حوالي 5% من أرض مصر التي تحيط بالنيل والدلتا. ولأسباب تاريخية صار النيل نافورة مصر، وما أبرم من اتفاقيات بين السلطات السياسية التي حكمت دول المنابع ومصر قام على مفهوم واحد واضح: ألا تقوم دول المنابع بأية أعمال من شأنها أن تؤثر على انسياب المياه شمالا نحو مصر. هذا الفهم الحصري لمياه النيل خرق مرتين:
المرة الأولى: في عام 1929م عندما أبرمت اتفاقية مصرية بريطانية خصصت 4 مليارات متر مكعب للسودان. هذا الإجراء فرضته بريطانيا على مصر كجزء من عقوبة لمصر على اغتيال السير لي إستاك حاكم عام السودان في القاهرة.
المرة الثانية: عندما أبرمت اتفاقية مياه النيل المصرية السودانية في عام 1959م قبيل إنشاء السد العالي. هذه الاتفاقية وزعت مياه النيل على أساس: 55.5 مليار متر مكعب لمصر- 18.5 مليار متر مكعب للسودان- 10 مليار متر مكعب حجم البخر.
وفي اتفاقية 1959م ورد لأول مرة ذكر لمطالب دول المنابع بالنص الآتي: "نظرا إلى أن البلاد التي تقع على النيل غير الجمهوريتين المتعاقدتين تطالب بنصيب في مياه النيل. فقد اتفقت الجمهوريتان على أن يبحثا سويا مطالب هذه البلاد ويتفقا على رأي موحد بشأنها. وإذا أسفر البحث عن إمكان قبول أية كمية من إيراد النهر تخصص لبلد منها أو لآخر فإن هذا القدر محسوبا عند أسوان يخصم مناصفة بينهما".
3. الاتفاقية الدولية: هنالك 300 نهر في العالم عابرة للحدود القطرية وتحكم هذه الأنهار اتفاقيات تنص على المصلحة المشتركة كاتفاقية نهر الميكونج، ونهر السنغال، ونهر النيجر وغيرها. اهتمت الأمم المتحدة بهذا الموضوع، وبعد دراسة طويلة أصدرت الأمم المتحدة اتفاقية بعنوان: "قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية" عام 1997م. وهي اتفاقية دولية أجازتها الجمعية العمومية بأغلبية ساحقة – 120 دولة – ولكن دول حوض النيل انقسمت بشأنها:
- السودان وكينيا أيدتا الاتفاقية.
- بروندي عارضت الاتفاقية.
- مصر وأثيوبيا، ورواندا، وتنزانيا امتنعوا عن التصويت.
- يوغندا واريتريا، والكنغو غابوا عن الجلسة.
4. مياه النيل: الوعد والوعيد: منذ منتصف التسعينات ظهر لي أن موضوع مياه النيل هذا ملغوم وعندما أتيحت لي فرص مقابلة القيادات العليا في أثيوبيا ومصر ظهر لي أن الموضوع قنبلة موقوتة توشك أن تنفجر في أي وقت. والنزاع يدور حول موقفين: الأول: لا مساس بالحقوق المكتسبة في أسفل النيل. الثاني: لا مناص من الاعتراف بحقوق طبيعية في أعالي النيل. النيل مصلحة مشتركة توجب تعاون دول حوضه لحماية بيئته الطبيعية، ولزيادة تدفق مياهه، وللانتفاع منه لكافة الإغراض.
لا إلمام لي بهندسة الري. ولكن النيل شأن لا يمكن حصره في النطاق الفني لذلك وخوفا من خطر الصدام حوله وتطلعا لفوائد التعاون عكفت على دراسة الموضوع ونشرت كتابي عن مياه النيل: الوعد -أي ما يمكن تحقيقه بالتعاون- والوعيد -أي ما يحلق من أذى بالصدام- وحرصت على إرسال نسخ من الكتاب للسياسيين، والمهندسين، والاقتصاديين، والصحافيين، والمفكرين، وغيرهم أناشدهم الالتفات لهذا الأمر وتكرمت إدارة صحيفة الأهرام بنشر الكتاب في حلقات.
الكتاب شخص الحالة وأكد الحاجة لاتفاقية جامعة توفق بين الحقوق المكتسبة والحقوق الطبيعية. ولكن الأمر بقى في حاله.
5. الاتفاقية الإطارية: منذ عام 1999م انطلقت مبادرة حوض النيل بمبادرة مصرية وتحت رعاية دولية وقطعت شوطا في وضع اتفاقية إطارية كإعلان مبادئ للتعاون في حوض النيل على أن تُكوَّن مفوضية لبحث التفاصيل. تم الاتفاق على كافة بنود الاتفاقية الإطارية ولكن وقع اختلاف بين دول المنابع ومصر والسودان حول نص متعلق بحماية الحقوق المكتسبة. ومنذ يوم 14 مايو الجاري وتوقيع ست من دول المنابع على الاتفاقية وامتناع مصر والسودان، اضطرب المناخ السياسي في حوض النيل وانفتح باب مساجلات ضارة بكل أطرافها. والنتيجة تمترس الدول في مواقف ضدية ما يدخل عوامل غير موضوعية في النزاع.
إذا توافر التعاون فإننا نستطيع أن نحقق معادلة كسبية تحقق الاستقرار والتعاون التنموي وزيادة دفق المياه. فهناك مجالات واسعة لحصاد المياه حيث غزارة الأمطار وهناك كميات محددة يمكن جنيها كالآتي:
جنقلي واحد- بحر الجبل 5 مليار متر مكعب
جنقلي اثنان -بحر الزراف 4 مليار متر مكعب
مستنقعات بحر الغزال 7 مليار متر مكعب
زيادة في السوباط 4 مليار متر مكعب
6. المحاصصة والمبايعة والمزارعة والتعاون الكهرومائي: الاتفاقية التي اقترحتها تقبل مبدأ المحاصصة ومبدأ أن تبيع أية دولة نصيبها لغيرها داخل الحوض إن لم تستطع استغلاله. وذهبت إلى أكثر من ذلك: التعاون لإنتاج الطاقة الكهرومائية في مناطق المنابع للتصدير لبقية دول الحوض وللقارة كلها. ورأيت أن يفتح السودان مجالا في أراضيه الواسعة لدول الحوض أن تدخل معه في مزارعة لضمان أمنها الغذائي ما يمكن أن تستفيد منه مصر وأثيوبيا.
7. المبادرة الشعبية: مسألة مياه النيل لا تخص الإدارات الرسمية، وحدها وهي قد تعاني من عثرات. لذلك تنادى بعضنا في مصر والسودان لتكوين مبادرة شعبية لن تكون بديلا للعمل الرسمي الذي يرجي في النهاية أن يكون طرفا في الاتفاق، ولكن الجهد الشعبي يستطيع أن يطرد نغمات المؤامرة وطبول الحرب ويخلق رأيا عاما ضاغطا في اتجاه ايجابي نحو الوفاق المنشود. هذا الجهد الشعبي، وإن انطلق من مصر والسودان، فإن علية مد الجسور نحو بلدان الحوض الأخرى.
إن الذين يدقون طبول الحرب، والذين يشيرون للدور الإسرائيلي؛ يعدون أدوات للأعداء لأن طريقهم الاستقطابي الصدامي هو غاية ما يريد الأعداء. لنسرع بطي هذا الملف على أسس وفاقية لا سيما ونحن مقدمون على تقرير المصير. الوفاق في حوض النيل سيساهم في دعم الوحدة مثلما يساهم الصدام في دعم الانفصال.
هذا المنتدى يمكن أن يفسح المجال للقاح ذهني يمهد للآلية الشعبية المنشودة.
التعليقات (0)