مولاي الطيب الشرقاوي
الرجل الطامح لإعادة الروح المفقودة إلى وزارة الداخلية
بإجماع المتتبعين ، حمل تعيُين مولاي الطيب الشرقاوي وزيرا للداخلية خلفا لشكيب بنموسى أكثر من دلالة وإشارة قوّية. إنه برقية واضحة للتصحيح الشامل ، وعلى رأسه تخليص ما ظلت تُسمى بأم الوزارات من سيطرة عقلية الهاجس الأمني وسيادة المقاربة الأمنية دون سواها. وجاء هذا التعيين في وقت بات فيه التدبير الحكومي يحتاج إلى كفاءة من طينة مغايرة وزعزعة نوعية. والآن في خضم تداعيات ما يجري ويدور على الصعيد الإقليمي والعربي يجد وزير الداخلية أمام ضرورة القيام بإجراءات فورية وإعداد لأخرى لاحتواء الاحتقان الجماهيري على امتداد البلاد بفعل احتداد وراهنية المطالب الاجتماعية والمطالبة بالتصدي لمختلف أنواع الفساد.
دلالات التعيين وجسامة المطلوب
ابن أبي الجعد، ابن شرقاوة، الملقب بـ "الشريف الشرقاوي" من قبل المقربين رجل معروف بمساره المهني والتكويني السليم، لذلك كان دائما محط رعاية خاصة من السلطات العليا. وقد نجح في تدبير العديد من الملفات الساخنة وتصفية الكثير من القضايا الشائكة. كانت قضية الكوميسير ثابت أخرجته إلى دائرة الضوء. وكان الاتحاديون قد أعلنوا ضده جربا واضحة لكنهم عجزوا عن النيل ولو قيد أنملة ، و وجد نفسه في عين الإعصار في حملة التطهير الشهيرة لكنها عرف كيف يدبّر الأمور. كان لتعيينه لها حمولات عميقة. إنه أوّلا وقبل كل شيء إشارة قوية من السلطات العليا مفادها أن وزارة الداخلية تستعيد استقلالها التام والحقيقي.
ويرى الكثيرون أن وزارة الداخلية تتوفر شروط ضمان استقلاليتها بفضل الرجل المشهود له بالنزاهة و الذي كان رئيسا للمجلس الأعلى، رجل خبر دواليب القانون ووعى حتى النخاع بضرورة جعله فوق الجميع مهما يكن من أمر ومهما كان الظرف ترسيخا لدولة الحق والقانون ودولة المؤسسات، وهنا تكمن صعوبة الاضطلاع بالمهمة عموما، وفي الظرفية الراهنة على وجه الخصوص.
إن وزير الداخلية ، الأتي من سلك القضاء وفضاء القانون وليس من صلب أي جهاز أمني مطلب أن يعيد التوازن إلى العلاقات بين القوى السياسية وإعادة تأطير الحوار الاجتماعي وفق تصور جديد، بعيد عن الهاجس الأمني، مبني على الإنصات والتحليل والعمل العميق والبحث الحثيث في سبل الاستجابة الفعلية للتطليق مع عقلية المسايرة لربح الوقت أو تفويت الفرصة، وعقلية اعتماد اللغة الخشبية و"سير الضيم". كما أنه مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بإعادة الهالة الأمنية لوزارة الداخلية و هيبتها وسمعتها كوزارة أساسية في العمل العمومي وفي حياة المواطن اليومية، خاصة بعد تراجع أدائها الأمني، الذي تسبب – حسب الكثيرين- في تصاعد الإجرام بشكل كبير.
الخروج إلى دائرة الأضواء الكاشفة
تقلده العديد من المسؤوليات على رأس نيابات مختلف المحاكم بالمغرب، إذ زاول مولاي الطيب الشرقاوي مهامه كوكيل للملك بمدينة الجديدة إلى غاية سنة 1992 بشكل عاد جدا . وقد شهدت هذه السنة بروز قضية العميد ثابت المتعددة الأبعاد والمتباينة الانعكاسات. واعتبارا لضخامة المشكل وجسامة تداعياتها كان من اللازم أن تستوجب تحقيقا نوعيا خاصا نزيها وجديا؛ هكذا خرج مولاي الطيب الشرقاوي إلى العلن بإشرافه على ملف القضية بنزاهة ومسؤولية بعد تعيينه وكيلا عاما للملك بالدار البيضاء عندما كان وقتئذ مولاي مصطفى بلعربي العلوي، وزير العدل الذي كان يعرف حق المعرفة خصال مولاي الطيب من خلال الاحتكاك معه ومسايرة مساره الذي تميّز أساسا بالجدية ونزاهة واستقلالية كبيرة. ومنذ ذلك الحين، خطى مولاي الطيب الشرقاوي خطوته الأولى على درب التألق وبرز ما أسداه من عمل محفوف بالنزاهة والاتقان المسؤول ليبدو بجلاء وبدون منازع أنه أهلا فعلا للاضطلاع بالمسؤوليات الاستراتيجية؛ وكان تكليفه بمسؤولية النيابة العامة عتبة البوابة المؤدية إلى عالم التألق و النجاح .
خلال محاكمة الكوميسير ثابت، تكلّف مولاي الطيب الشرقاوي بتدبير الشق السياسي والعلاقات مع الإدارة المركزية والدرك الملكي وهو لضطلع بالتحقيق في القضية دون إشراك المصالح الأمنية في الأمر مما أثار غضب ادريس البصري، الذي كان يعتبر نفسه مفترق طرق تمرّ عبره وبتزكيته مختلف الملفات الكبرى . وبتنسيق مع كل من
الجنرال ادريس بنونة والكولونيل ماجور السربوت من القيادة العليا للدرك وبمعية عمر دومو مدير الشؤون الجنائية والعفو آنذاك و الوكيل نور الدين الرياحي، قاد مولاي الطيب الشرقاوي هذه المحاكمة الكبرى .
مهمة صعبة للغاية لكن في متناوله
يُنتظر من مولاي الطيب الشرقاوي، في هذه الظرفية الصعبة بكل المقاييس وعلى مختلف الأصعدة - محليا وإقليما ودوليا، إن على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والمستقبلي- أن يعيد الاعتبار لوزارة الداخلية في إطار دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات في وقت أضحى الجميع يدعو إلى إعتماد سياسة أمنية مُواطنة توازي بين الهاجس الأمني المحض ومقتضيات التوق إلى مجتمع ديمقراطي يضمن كرامة المواطن ويفر الشروط لتكريس مُواطنته على أرض الواقع المعيش اليومي مهما كانت الظروف.
إن مهمة مولاي الطيب الشرقاوي إذن، من طبيعة خاصة، وتتجلى في تدبير ومراقبة جميع الجوانب الاجتماعية والسياسية والنقابية والاقتصادية والأمنية للمملكة، مع ضرورة التواجد الدائم في الميدان بمختلف جهات وولايات والعمالات والأقاليم ، والسهر الاستراتيجي الدائم على كل صغيرة وكبيرة لكن من منظور جديد مخالف عن المنظور الذي ساد وسيطر إلى حد الآن، وهنا تكمن جسامة مهمة هذا الرجل في الظرفية الراهنة صمن زمن المطالبة بالتغيير في كل الميادين والمجالات.
إن الوزير مولاي الطيب الشرقاوي مطالب في واقع الأمر بتصحيح صورة الوزارة لدى المجتمع من أجل مواجهة الرهانات المستقبلية التي يقبل عليها المغرب المعاصر. علما أن الأوراش، التي سيكون فيها لوزير الداخلية دور كبير وحاسم، أضحت حساسة للغاية وأبعادها الاستراتيجية صارت أهم من أي وقت مضى، فورش الجهوية ،وأوراش الشراكة مع المجتمع ومتابعة قضية الصحراء المغربية وتدبير الشأن المحلي وغيرها كلها أوراشا ملحة. هذا ما ينتظره المغاربة من ابن بجعد.
عثرة ما سُمّي بـ "الحملة التطهيرية"
برأي أغلب المتتبعين شكلت "الحملة التطهيرية" حادثة سير في مسار الطريق السيّار لمشوار مولاي الطيب الشرقاوي خلال سنة 1996. لقد أقرّ وزير العدل أنذاك ، عبد الرحمان أمالو، بفعل أوامر وتعليمات صادرة من قبل إدريس البصري، تم الشروع في تحقيق سريع ومرتجل في مئات من الملفات جُرف فيها العديد من الأشخاص وتضررت بفعله جملة من الأسر. وبعد تعيين عمر عزيمان وزيرا للعدل، خلف مولاي الطيب الشرقاوي عمر دومو على رأس مديرية الشؤون الجنائية والعفو، كان له ذلك، بيد أنه لم يحصل على الإذن باقتراح خلف له. فضدا على رأي عزيمان، تم تعيين مولاي الطيب الشرقاوي. في هذه الفترة تناسلت أخبارا مفادها إن مولاي الطيب، ظل مساندا من ابن عمه، زوج الأميرة للا مليكة، شقيقة جلالة الملك الراحل الحسن الثاني . آذاك قال بعض المتتبعين أن مولاي الطيب الشرقاوي يجري إعداده لاضطلاع بمهام جسيمة. تقوى نفوذه في وزارة العدل بعد مرور فترة قصيرة، وفي سنة 2007، عُيّن وكيلا عاما لدى المجلس الأعلى للقضاء. وقد أجمع المتتبعون إن منصبه الجديد هذا كان على مقاسه بامتياز. وبعد مرور أقل من سنة، تم تعيين إدريس الضحاك أمينا عاما للحكومة، أصبح منصب الرئيس الأول للمجلس الأعلى للقضاء شاغرا، فكان طبيعيا أن يُعهد بمنصب الرئيس الأول للمجلس الأعلى للقضاء لمولاي الطيب الشرقاوي، الذي حظي بثقة جلالة الملك لشغل وظيفة دستورية، علما بأن الرئيس الأول للمجلس الأعلى هو أيضا رئيس مجلس الوصاية حسب الدستور.
صفاته
عن أن الشخص معروف بنزاهته واستقامته وكفاءته وعمق روح المسؤولية تجاه الدولة
الرجل الكتوم يعمل في صمت ودون هرج.
من عيار ثقيل، صاحب شخصية قوية وصارمة
مجرده من أي ارتباط سياسي
ظل دائما بعيدا عن الأضواء يشتغل في الظل، كرجل متخصص في الملفات
هذا الرجل التقي المعروف بقربه من ياسين المنصوري، الرجل القوي في «لادجيد»، والذي يتقاسم معه أصوله الشرقاوية في أبي الجعد،
الجامع بين التكتم والحذر والكفاءة والتمرس والتحصيل العلمي المتشعب، أليس هو ذي تكوين علمي قانوني وسوسيولوجي ، من الأكيد أنه سيجعله لا محالة أهلا للمهمة الجسيمة المنوطة به. سيما وأن ممارسته المهنية الطويلة أتاحت له الاطلاع على ملفات حساسة وتدبيرها، كما قادته إلى تولي مهام ينوب فيها عن الدولة.
اعتبر دائما أن القيم الأخلاقية هي أساس العمل القانوني واللبنة الأولى لكل إصلاح
من هو؟
ازداد مولاي الطيب الشرقاوي سنة 1949 بأبي الجعد .ومولاي الطيب الشرقاوي حاصل على الإجازة في الحقوق من جامعة محمد الخامس بالرباط وشهادة التدریب بالمدرسة الوطنية للقضاء بباریس و دبلوم الدراسات المعمقة في علم الإجتماع بجامعة بوردو 2 ودبلوم الدراسات العليا في العلوم القانونية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء .
كان والده الحاج عبد العزيز - رجل أعمال نمى وطوّر ثروته في قطاع العقار وأحد أعيان شرفاء شرقاوة الكبار - يطمح إلى أن يصبح نجله ابنه متعلما ومثقفا، لا مجرد مقاول عقاري يهتم بربح الصفقات لتحقيق الأرباح. فلم يكن أب مولاي الطيب الشرقاوي في يقتفي أثره في مجال العقار رغم أن الطريق كانت معبدة له لبلوغ هذا المبتغى بأقل جهد ممكن.
المشوار المهني
أبان عن مهنية كبيرة بصفته رئيسا للنيابة العامة في العديد من مناطق المملكة، قبل أن يحط الرحال بمحكمة الاستئناف بالبيضاء، ثم بمديرية الشؤون الجنائية والعفو، ووكيلا عاما لدى المجلس الأعلى للقضاء، فرئيسا لهذا المجلس، تم وزيرا للداخلية، هذه محطات الطريق السيّار لمشوار ومولاي الطيب الشرقاوي.
فبعد أن شغل العدید من المناصب في سلك القضاء، تولى السيد الشرقاوي منصب مدير الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل، الذي عين به سنة 1997وقد شارك السيد الشرقاوي في العدید من المؤتمرات الدولية، كما ساهم في تأطير العدید من الندوات والأیام الدراسية سواء على الصعيد الوطني أو الجهوي أو الدولي .آما یعد مولاي الطيب الشرقاوي عضو ا في لجنة خبراء مجلس وزراء العدل العرب لدى جامعة الدول العربية وفي الفریق الوطني لمشروع برنامج الأمم المتحدة للتنمية من أجل تحدیث النيابات العامة في الدول العربية .وشغل منذ سنة 2007 منصب الوكيل العام للمك لدى المجلس الأعلى، قبل أن یعينه جلالة الملك سنة 2008 رئيسا أول للمجلس الأعلى، وهو المنصب الذي ظل یشغله إلى أن عينه جلالة الملك في منصبه الجدید.
ظل سجاله مع العفورة شاخصا في أذهان المتتبعين للشأن العام. لقد حاصر مولاي الطيب الشرقاوي، الوكيل العام للمجلس الأعلى للقضاء وقتئذ، خلال لإحدى الجلسات، عبد العزيز العفورة، العامل السابق لعمالة عين السبع الحي المحمدي بالدار البيضاء – الذي توبع في ملف فساد- بسيل من الأسئلة حول مسؤوليته عن تبديد أموال عمومية. وشهدت الجلسة الثالثة لمثول العفورة أمام المجلس الأعلى، سجالا بين النيابة العامة والمتهم، حول تجديد اتهامه بـ "المشاركة في التزوير في محرر رسمي واستعماله وتبديد أموال عامة وتزوير أوراق تجارية وبنكية والارتشاء، والمشاركة".
علاوة على المشوار المهني المحض ترك مولاي الطيب الشرقاوي بصمته الرجل في الكثير من اللقاءات والندوات التي شارك فيها وأطر أشغالها سواء في المغرب أو خارجه، و كدا في المسؤوليات التي تقلدها كعضو في المؤسسات الخارجية كعضويته في لجنة خبراء مجلس وزراء العدل العرب لدى جامعة الدول العربية وفي الفريق الوطني لمشروع برنامج الأمم المتحدة للتنمية من أجل تحديث النيابات العامة في الدول العربية وغيرها، وذلك بشهادة الخبراء الأجانب.
Driss ould el kabla
Sahara hebdo
التعليقات (0)