أكدت الولايات المتحدة، التي تربطها بالمغرب علاقات صداقة عريقة لم تشبها مطلقا أي شائبة منذ أكثر من 230 سنة، خلال سنة 2009، أنه "لم يطرأ أي تغيير" على موقفها بشأن مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، وهي المبادرة التي وصفتها واشنطن في مناسبات متعددة بـ "الجدية" و"ذات المصداقية".
وجددت هيلاري كلينتون، كاتبة الدولة الأميركية في الخارجية، على هامش مشاركتها في الدورة السادسة لمنتدى المستقبل، يومي 2 و3 نوفمبر الماضي بمراكش، التأكيد على هذا الموقف بالقول "لا أريد أن ينتاب أيا كان، في المنطقة أو خارجها، أدنى شك بخصوص سياستنا (حيال المبادرة المغربية للحكم الذاتي)، التي تبقى هي ذاتها".
وذكرت المسؤولة الأميركية باتفاقية السلام والصداقة، التي وقعها المغرب والولايات المتحدة في عام 1787، باعتبارها الأقدم في تاريخ الولايات المتحدة، كما مهدت السبيل أمام إقامة علاقات ثنائية لم تشبها أية شائبة، وأثارت الانتباه إلى أن هذا الموقف الأميركي بخصوص مخطط الحكم الذاتي "جرى التأكيد عليه في ظل إدارة (الرئيس) بوش، وما زال يشكل سياسة الولايات المتحدة في ظل إدارة (الرئيس) أوباما".
الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الجارية تؤسس لمغرب قوي
واغتنمت كاتبة الدولة الأميركية هذه المناسبة للتعبير عن تقديرها للتغييرات التي بوشرت في المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس، والتي تواصلها الحكومة وفقا لتوجيهات جلالته.
وفي هذا الإطار أشادت "بالخصوص بالحريات الجديدة التي أصبحت المرأة المغربية تتمتع بها"، مذكرة في هذا الصدد بانتخاب 3000 سيدة في الانتخابات الجماعية الأخيرة.
ولاحظت رئيسة الدبلوماسية الأميركية، من جهة أخرى، أن الإصلاحات التي قام بها جلالة الملك محمد السادس، "تجعل من المغرب بلدا أكثر قوة"، وقالت "كلما شجعنا مشاركة المواطنين أكثر في الحياة العامة، كلما حفزناهم أكثر على اتخاذ قرارات مسؤولة، وازداد المغرب بذلك قوة".
وفي السياق نفسه، ترى ميلان فيرفير، السفيرة المتجولة في كتابة الدولة الأميركية المكلفة بالقضايا النسائية في العالم، أن المملكة، التي حققت "تقدما كبيرا" خلال السنوات الأخيرة في مجال الإصلاحات التي تستهدف تقوية حقوق المرأة، أصبحت "نموذجا يحتذى"، في هذا المجال.
وقالت المسؤولة الأميركية، في حديث سابق مع وكالة المغرب العربي للأنباء، "في مجال حقوق المرأة، أنجز المغرب تقدما جبارا خلال السنوات الأخيرة الماضية، كما أصبح نموذجا في المنطقة، على الخصوص من خلال الإصلاحات المعتمدة في مدونة الأسرة"، مشيدة بالمرأة المغربية والناشطين الجمعويين، وكل الأشخاص الذين ساهموا في تجسيد هذه "الإنجازات الجبارة".
ونوهت فيرفير كذلك باعتماد إجراءات مصاحبة لتطبيق مدونة الأسرة، تهدف توعية النساء والقضاة ومختلف المتدخلين في كل ما له علاقة بمضمون ونصوص وتدابير المدونة الجديدة، مشيدة في هذا السياق بالتعاون "الممتاز"، بين المغرب والولايات المتحدة في مجال الارتقاء بحقوق النساء.
المغرب بلد التسامح والوسطية
لقد أكدت الإدارة الأميركية خلال هذه السنة غير ما مرة، على أن المغرب "يوجد على الخصوص في موقع جيد" يقتدى به في مجال الحوار بين الأديان، على اعتبار تاريخه وتقاليد التسامح والوسطية التي تميزه، تماشيا مع مضامين الخطاب، الذي ألقاه الرئيس باراك أوباما في القاهرة.
وفي هذا الخصوص قالت كلينتون إن المملكة تعتبر "نموذجا في المنطقة"، وبإمكانها طبيعيا أن تكون القدوة. وبالفعل ففي تقريرها حول التحريات الدينية في العالم لعام 2009، أكدت كتابة الدولة الأميركية أن المملكة تعمل على تشجيع إسلام معتدل وقيم التسامح واحترام الحوار بين الأديان.
ولم يغفل التقرير الإشارة إلى الدور الريادي الذي اضطلع به المغرب في إنشاء "التحالف المدني الجديد للمواطنة في العالم العربي"، مذكرة بأن هذا التجمع يضم العديد من المنظمات غير الحكومية والشخصيات النشيطة في قضايا المواطنة في العالم العربي.
ولاحظ التقرير أن المملكة تشارك في مؤسسة آنا ليند لتحالف الحضارات، والتي يرأسها أندري أزولاي، مستشار جلالة الملك، كما تشارك في العديد من الهيئات العالمية التي تشجع التسامح الديني.
وأضاف التقرير أن مجهودات المغرب في تطوير الحقل الديني تتجلى أيضا من خلال برنامج تكوين المرشدات، الذي أطلق في العام 2006، مشيرا إلى أن أكثر من 200 امرأة تابعن تكوينا مكنهن من تلقين تعاليم الإسلام وإرشاد النساء حول جملة من القضايا ذات العلاقة بالخصوص بحقوقهن وبالتنظيم العائلي.
العلاقات الأميركية المغربية تسمها رؤية مشتركة
ولا تقتصر متانة العلاقات الثنائية بين المغرب والولايات المتحدة فقط على مستوى الجهاز التنفيذي، بل أيضا على مستوى الكونغرس الأميركي، سواء مع الديمقراطيين أو الجمهوريين.
ففي حديث أدلى به أخيرا لوكالة المغرب العربي للأنباء، أكد عضو الكونغرس عن الحزب الجمهوري ماريو دياز بالارت، على الطابع "الاستثنائي" و"الفريد" للعلاقات المغربية الأميركية، مشيرا إلى أن المملكة تعتبر "أفضل حليف" للولايات المتحدة في المنطقة.
ومضى قائلا "إننا نشترك في علاقات عميقة وقوية جدا مع المملكة (...) التي تعد أفضل حلفائنا في المنطقة"، مؤكدا أن المغرب عبر بوضوح عبر التاريخ، عن دعمه لقيم "تشجيع السلام والازدهار".
وأكد المشرع الأميركي من جهة أخرى الطابع "العميق" للعلاقات التي يقيمها بلده مع المملكة، مسجلا أن هذه العلاقات تقوت بشكل أكبر مع التوقيع على اتفاقية للتبادل الحر، والتي تبينت أهميتها بالنسبة للبلدين، وبفضلها جرى استكشاف مجالات جديدة للتعاون بين الطرفين.
من جهته، أشاد عضو الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، كيث غيليسون، بإسلام التسامح والوسطية الذي ينهجه المغرب، معربا عن تقديره الكبير للإصلاحات التي جرى تنفيذها في المملكة، وبالخصوص ذات العلاقة بتقوية حقوق المرأة.
وقال إن "المغرب الذي يعتبر نموذجا في المنطقة في مجال التسامح الديني لديه دور كبير يضطلع به في تشجيع التفاهم المتبادل بين الديانات".
وتقوت العلاقات المغربية الأميركية، التي تتميز برؤى متطابقة بخصوص عدد من القضايا الدولية، من خلال إبرام اتفاقية للتبادل الحر في العام 2004، وهي الاتفاقية الوحيدة التي أبرمتها الولايات المتحدة مع بلد إفريقي، وكان لها وقع مهم على المبادلات التجارية بين البلدين، وأيضا من خلال التوقيع على اتفاقية مهمة بقيمة 697.5 مليون دولار بين الرباط وواشنطن في إطار حساب تحدي الألفية (و م ع).
التعليقات (0)